لم تكن تعلم أن ذلك الشاب المشهور ذو السمعة السيئة سيكون يوماً ما زوجاً حنوناً لها يصب الحب عليها صباً ..!
ليست من عالمه ولا هو من عالمها ولكن تقاطعت طرقهما والتقيا ،ثم أصبح طريقهما واحداً..!
وأصبح ذلك الغريب..عائلتها..♥️
بعض اللحظات من فرط جمالها.. تشعر وكأنها ليست حقيقية.. ...
_ وبعد ذلك؟ أطلقت هنا سؤالها هذا بلهفة لإحدى الممرضات في تلك المشفى التي كان بها آسر قبل شهر وقد كانت متنكرة في زي فتاة من الأرياف تتحدث بلهجة شبيهة للهجة الصعيدية.. قد دخلت المشفى كأنها زائرة لإحدى المرضى.. فأخذت تتجول في المشفى بين الممرضات تتجاذب معهن أطراف الحديث عن المرضى والحوادث وعن تهور الشباب في قيادة السيارات وبعد ذلك تحدثهم أنها قد سمعت من إحدى الممرضات عن المخرج المشهور آسر رضوان الذي دخل المشفى منذ فترة في حادثة خطيرة فيبدأن بشرح ما حدث معه أثناء إقامته في المشفى وبهذه الطريقة تستطيع تجميعڜ المعلومات التي ستسجلها في تقريرها عن حالته للجريدة ذمت الشابة حاجبيها ثم قالت : _لقد كانت حالته خطيرة جدا.. وبعد افاقته من المخدر اصابتة عدة انهيارات نفسية بالإضافة إلى انهيار جسده.. أخذت تتلو عليها بالتفصيل حالته الصحيه وأنه قد أصاب بشلل نصفي بعدما أصيب عموده الفقري أثناء الحادثة فاتسعت حدقتي عينيها قائلة : _شلل نصفي؟! كانت مندهشة جدا.. لم تكن تتوقع أن تكون حالته الصحية سيئة إلى هذا الحد.. وقد حزنت علية فهو لا يزال في ريعان شبابه ونجاحه أيضا.. جذب انتباهها كلام الفتاة قائلة : _اشفق عليه كثير مما حدث له.. حتى الفتاة التي كان يحبها جائت لزيارته بعدما تم نقله إلى العناية المركزة.. بعدما علمت حالته وأنه أصبح عاجزا.. رحلت ولم تعد لتزوره مرة أخرى.. للمرة الثانية شعرت هنا بالألم على هذا الآسر الذي تخلت عنه أكثر فتاة يحبها في محنته العصيبة.. تنهدت هنا ثم عادت لمهنيتها وهي تسألها : _عجبا فتاة بدون قلب.. كيف تتخلى عنه هكذا..؟!.. ومن تكون هذه اتعرفينها؟ قالت الفتاة محاولة تذكر اسمها : _انها عارضة مشهورة تظهر كثيرا في الإعلانات والأغاني.. اسمها.. اسمها..ااه.. "أسيل رفقي" _اسيل رفقي.. معقول.. لقد كنت من كبار المعجبات بها.. حتى أنني كنت اتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي.. لم أتوقع يوما أن تكون بتلك الحقارة.. كانت محقة فيما قالته.. فقد كانت معجبة بها وبشخصيتها القوية واللطيفة أيضا.. كانت تظن أنها ملاك.. وكانت ترى أنه لا ينقصها الا الحجاب والتدين لتكون ملاك بحق.. ولكن الآن رأت انه ينقصها الكثير والكثير.. ينقصها قلب يشعر بمن حوله..وروح تحنو على من يحتاجها.. على الأقل كانت تقف معه في محنته وتساعده ليتخطاها ثم بعد ذلك إذا شائت تنفصل عنه.. _هناك فتيات لا بشغلهن سوي المصلحة.. ويمكنهن أن يدعسن في طريقهن كل من يتعارض معها.. كانت هذه جملة الممرضة التي همت ناهضة لتكمل عملها فقالت لها هنا بسرعة : _إلى أين؟ _إلى عملي لقد ضيعت كثير من الوقت.. وان عادة المشرفة ولم تجدني قد انهيته ستقتلني.. _انتظري قليلا.. واكملي لي ما حدث مع آسر رضوان.. _لقد أخبرتك بكل ما اعرفه ثم لماذا انت مهتمة به إلى هذا الحد.. وتسألين عنه كثيرا..؟.. توترت هنا للحظة من سؤالها ونظراتها التي لا تخلو من الشك ولكنها استعادة السيطرة على توترها وقالت بثقة تامة : _لا لشيء.. تعلمين انه مخرج مشهور.. ومن منا لا يهتم لأمره ولمعرفة اخباره..؟!.. كما أنني من معجباته.. استغفرت ربها سراً بعد آخر جملة قالتها وقالت لها الأخرى : _ااه.. هو بالفعل وسيم جدا.. خسارة ما حدث له.. على كل حال لقد حكيت لك كل ما أعرفه عن الموضوع وبالمناسبة لا أحد يعرف هذا غيري وممرضة أخرى والأطباء.. لأن عائلته أرادت أن تبقى حالته سرية... اقتنعت هنا بكلامها فالممرضات التي سألتهن قبلها لم يكن على دراية بهذه المعلومات فقط هي من كانت على علم بكل ما حدث معه.. رأت ملامح الممرضة ترتعب وهي تقول.. : _يجب أن انتهى من عملي في أقرب وقت.. سلام.. وبسرعة رحلت تاركة هنا على عكس المتوقع حزينة لما أصاب آسر فهو من أكثر الشخصيات المحترمة والطيبة في الوسط الفني ولا يستحق كل ما حدث معه.. تنهدت ثم عادت تحمس نفسها انها قد أتمت نصف المهمة وبقي النصف الأخطر.. ومع ذلك هي ستفعل كل ما بوسعها لتصل إلى مرادها.. & & & تململ في نومته وقد شعر بألم في رقبته وظهره، فتح عيناه المتثاقلتين ليجد نفسه لايزال نائماً على الأرض وهي أيضا نائمة بين ذراعيه.. نظر إليها للحظات ولا إرادياً ابتسم! لأول مرة يشعر بجمال الصباح وهي تغفو داخل أحضانه، وكأنها ازدادت نضرة وجمالاً؛ فأخذ يحدق إلى ملامح وجهها البريئة.. لأول مرة يشعر بهذا.. يشعر بالحياة، بأنه يعيش وقلبه يخفق وهو الذي لم يعرف شيئاً عن خفقان القلب وجنونه يشعر وكأن قلبه سينقلع من جذوره! رأي جفونها تتحرك فأغمض عيناه وكأنه نائماً، استيقظت صاحبتنا وفتحت عيناها الناعستان ورأت وجهه أمامها؛ اتسعت حدقتيها بخجل وهي تبتعد عنه بسرعة، بينما هو فتح عيناه وكأنه استيقظ من نومه للتو ورآها تبتعد إلى الوراء وهي تحاول ألا تنظر إليه، لا تعرف كيف تواجهه بعدما رآها بكل هذا الضعف ليلة أمس؟!.. تشعر وكأن روحها أصبحت عارية أمامه، نظر إليها باستغراب فقال ناهضاً : _ أمينة؟! حاولت الخروج من الغرفة قبل أن تبكي للمرة الثانية أمامه، فلحقها وقال : _ مهلا مهلا!.. لمَ لا تنظرين إلي ؟! كانت لاتزال تنظر إلى الأرض، اختنق صوتها بالدموع وهي تقول : _ آسفه بشأن ما حدث بالأمس؟ شملها بنظرة حنونة وهو يقول : _ لماذا أنتِ آسفة..؟ انزلقت دموعها وهي تقول : _ لقد بالغت ليلة أمس.. وقد ارهقتك معي.. _ بالغتِ؟! ازدردت ريقها، ثم قالت بنبرة مهزوزة : _ أجل.. كان ينبغي ألا أشغلك معي بمشاعري.. لا أحب أن أكون ثقيلة على أحد.. قلبه يؤلمه عليها، اقترب منها وأحاط وجهها بيديه،ثم رفعه لتنظر إليه.. اخترقت نظراته روحها ثم قال بنبرة خافتة صادقة وكأنه قلبه هو من يتحدث وليس هو! : _ وان ضاق صدركِ بما في نفسكِ.. فصدري سيبقى باتساع الكون لكِ.. في كل حالاتكِ وبكل أوقاتكِ وفي أسوأ الظروف و أجملها سأبقى دائما معكِ و لأجلكِ.. مهما كلفني الأمر.. يكفي أن تميلي علي بثقلكِ لأشعر بأنني ذو قيمة.. ولن تكوني ثقيلة ستبقين أخف شيء على قلبي.. ولكن لا تميلي إلى غيري.. أريد أن اشاركك جميع تفاصيلكِ .. صمتكِ، حزنكِ، دموعكِ، فرحكِ، أحلامكِ.. وكل شيء دون غيري .. سواء أردتِ ذلك أم لا.. سأبقي جوارك ولنِ اترك غيري يضمد جراحكِ.. سأقف أمام أي شيء يؤذيكِ.. سأبقي لك ذلك الحصن المنيع لتلجئي إليه متى أردتِ .. سواء صدقتي ذلك ام لا.. ولكن ضعي برأسكِ ان هذه ستبقى الحقيقة الثابته لآخر يوم في حياتي.. ولن يغيرها شيء.. فغرت فاهها وهي تنظر إليه بعدم استيعاب ودموعها لا تزال تنزلق على خديها، فابتسم بينما نظراته تشملها بحنان جميل وكأنه يتحدث مع طفلته، ثم مسح دموعها برقة وهو يقول : _ لست مضطرة ان تكوني وحدك.. لست مضطرة ان تكوني بخير حينما لا تكونين كذلك.. لست مضطرة لارتداء قناعك المرح أمامي لتواري وجعك.. كلي يتحملك.. كلي يتقبل وجهك الحقيقي.. حتى وإن لم تقبلي هذا.. ليس بإرادتك يا صغيرتي.. لقد تورطت بي وانتهى الأمر.. وفي لحظة خاطفة ضمها مرة أخرى، وقبل ان يصدر منها أي رد فعل تركها خارجاً من الغرفة، قائلا : _ سأحضر لك الفطور إلى أن تأخذي حمامكِ.. ابتسمت أمينة وهي لا تستوعب.. انها بالتأكيد تحلم، لطمت وجهها لتتأكد ان كانت نائمة ام لا، لكن ويالا العجب انها مستيقظة ..! & & & عادتا رباب ووالدتها من السوق إلى منزلهما فقالت والدتها : _ وأخيراً عدت إلى بيتي.. رحمك الله يا أمي.. كانت تقول " يا دَاري يا ساتره عاري يا منيماني للضحي العالي".. وضعت رباب الأكياس التي بيدها، قائلة بسخرية : _ جدتي الغالية.. رحلت وتركت لنا إرث عظيم.. _ أجل.. ويجب أن تتعلميه مني كما تعلمته من أمي.. _ لماذا ؟!.. هل سأطعم أولادي أمثال شعبية؟!.. _ على الأقل تنفعيهم في شيء.. قالت ذلك والدتها وهي تحرك يديها مولولة بسخرية، نظرت رباب إليها وعلمت أن الحوار الآتي سيكون حول ما تنفع فيه وما لا تنفع.. وهذا يعني محاضرة طويلة هي في غنى عنها.. أجل تماما كما يحدث معكِ يا عزيزتي القارئة من نبع الحنان، ولكن لأكون صريحة ليس لجميع الأمهات نفس طريقة تفكير " أمل " مع ابنتها وسأخبركِ كيف.. قالت رباب بابتسامة حالمة : _ رأيت يا أمي كيف كانت ملك سعيدة مع زوجها..؟ جلست أمام والدتها على الاريكة، بينما قالت الأخيرة : _ صحيح.. ملك فتاة طيبة وتستحق كل الخير.. _ آآه .. كم أتمنى أن اتزوج شخص يحبني وأحبه وتكون لدينا حياة جميلة هادئة.. _ موجود.. يُحبك ورهن إشارتك ولكن رافضة.. فهمت رباب قصدها ولكنها تصنعت عدم الفهم : _ مَنْ تقصدين يا أمي..؟! تنهدت، ثم قالت : _ أتحدث عن ابن خالتك.. مصطفى.. نهضت رباب من جلستها، ثم وقفت أمام النافذة التي تطل على الشارع قائلة : _ أمي!.. ألم ننتهي من هذا الموضوع؟! زفرت والدتها وقد قطبت جبينها، ثم قالت تجاري ابنتها في الحوار : _ لا.. لم ننتهِ.. لأنه حتى هذه اللحظة يريدك وأنت تعلمين هذا.. أنا فقط ما يثير استغرابي أنك متعلقة به منذ الصغر.. كنتما معاً دائماً.. والآن لا أفهم ما الذي لا يعجبك به.. انه مهندس وبعد شهر سيغادر إلى دبي ليعمل في شركة كبيرة هناك.. وسيكون له شأن كبير في حياته.. تنهدت مجدداً، ثم التفتت ناظرة إلى والدتها : _ أنت قلتِها يا أمي.. كنا معاً دائماً وكبرنا سوياً.. وكنت دائماً أراه أخي.. طوال حياتي وانا أخبر الجميع أنه أخي الكبير.. ولا يمكنني أن اعتبره اكثر من ذلك.. نهضت أمل وسحبت ابنتها من يدها بحنان، ثم أجلستها بجوارها على الاريكة وقالت : _ لن أتحدث معك كأم وابنتها بل كصديقتين.. هل أحببت شخص آخر وتخافين قول هذا لي؟نفت رباب برأسها قائلة : _ لا يا أمي أبداً.. أقسم لك أبداً.. صدقتها والدتها فرباب دائماً صريحة معها إلى أبعد الحدود : _ إذا ما الذي يجعلكِ لا تفكرين في الموضوع ؟! تنهدت رباب، ثم قالت : _ أنا خائفة يا أمي.. لأكون صادقة معك.. انا لم يسبق لي الحب.. لم أشعر به يوماً تجاه اي أحد.. وخاصة مصطفى.. لهذا انا خائفة أن ارتبط به وأتزوجه وبعد ذلك.. أجد نفسي مغرمة بشخص آخر.. لا يمكنني أن أعذب نفسي بهذه الطريقة.. ومصطفى أيضاً لا يستحق هذا مني.. المشاعر ليست بأيدينا يا أمي.. ابتسمت أمل بتفهم، قبل أن تقول : _ أفهمك يا ابنتي.. وانا لن أرغمك على الزواج.. ولكن ما المانع أن تجربي؟.. هل فكرت يوماً في مصطفى كزوج لك؟.. أومئت لها رباب نافية وفي عينيها حيرة كبيرة؛ فقالت والدتها بنظرة حانية : _ أرأيت؟.. جربي، حاولي ان ترينه بنظرة أخرى.. تكلمي معه بصراحة.. مصطفى يحبكِ ويخاف عليكِ وأنا أثق به تماما كما أثق بكِ.. امنحيه فرصة وان لم يرتح قلبك بعد ذلك لزواجكِ منه.. سأفعل ما تريدينه.. طالت نظرة رباب لوالدتها بحيرة؛ فقالت الأخيرة : _ لو لم أكن واثقة أنه أكثر من يحافظ عليكِ وعلى كرامتكِ ومشاعركِ.. ما كنت طلبت هذا منكِ.. حاولي فقط و أمامك الوقت.. وبعد ذلك أياً كان قرارك سأدعمك فيه.. شردت رباب وهي لا تعرف ما الذي عليها فعله، وهل هذا هو الصواب ام الخطأ.. ؟! & & & كان آسر لايزال يحدق في سقف غرفته شارداً فيما مضى وما هو آتٍ.. وفي تلك التي كان أحبها ولم تكلف نفسها حتى بالسؤال عليه، كم كان مغفلاً !.. كانت دائماً في نظره كالملاك، بريئة ولطيفة، ولكنه كان غبي.. لم يستطع رؤية الشيطانة القابعة بداخل تلك الملاك !! ،لو لم يرَ بعينيه ما حدث ما كان ليصدق أبداً.. أن تلك الشخصية الملائكية تخبئ بداخلها شيطانة لعينة.. اللعنة عليها وعلى قلبه الذي أحبها.. ابتسم بسخرية عندما تذكر مواقفه الرومانسية معها، ثم استوعب وأخيراً بأنها أرادته أن يكون طريقها للنجاح والشهرة وقد نالت ما أرادته، ثم استدارت وبصقت على ذلك المغفل الغير قادر على استكمال حياته ونجاحه بقدمين عاجزتين، ومحته من حياتها تاركة له ذكرى لن ينساها طوال حياته! دخل عليه جده في تلك اللحظة ؛ ليطمئن عليه وبعد برهة.. _ ارجوك يا آثر.. كان هذا توسل الحاج عبدالمنعم إليه أن يتناول طعامه ليأخذ دوائه، لكن الآخر الذي كان قد وصل إلى مرحلة الاكتئاب لم يكن لديه رغبة في الأكل أو أخذ الأدوية أوبمعني أصح لم يكن يرغب فى الحياة بصفة عامة.. لازم غرفته طويلا إلى أن أصر عليه جده أن يخرج معه إلى حديقة المنزل ليتناولا الطعام سويا.. ولولا إصراره ماكان ترك غرفته وخرج.. لقد تغير كثيرا.. كل شيء بات بالنسبة إليه بدون قيمة.. تنهد آثر ،ثم قال : _لا تضغط علي يا جدي ارجوك.. عندما اجوع سآكل.. زفر الرجل بيأس ونظر إلى الأرض وهو لا يعلم ما الذي يجب أن يفعله؛ ليساعده؟! .. تأمل نظرات جده الحزينه، صحيح انه حزين جدا ولكنه لا يريد أن يؤثر حزنه على من حوله وخاصة جده؛ لذا رسم ابتسامه على وجهه، ثم قال وهو يبدأ في الأكل..: _حسنا..ولكنك ستأكل معي.. اتسعت ابتسامة الرجل بأمل، وهو يقول : _بالتأكيد.. انا جائع بالأساس.. أخذا يتناولا الطعام بينما خارج المنزل الفسيح كانت تقف هنا تنظر إليهما وقد رأته جالسا مع رجل عجوز لم تتعرف عليه ولكنه بدأ لها مقربا جدا من آثر.. الذي حزنت عليه عندما رأته جالسا على كرسي متحرك، ولكنها ابتسمت بعدها باتساع لأنها تكاد تنهي مهمتها بنجاح، أخرجت الكاميرا الخاصة بها وأخذت تلتقط الصور له من زوايا مختلفة، ولكنها فجأة شعرت بيد تمسك بياقة ثيابها من الخلف فاستدارت لترى صاحبها، ارتعبت بداخلها من هيئته حيث كان أطول منها بكثير ويبدو من أبطال كمال الأجسام فكان بالنسبة إليها وكأنه عملاقا على الرغم من أنها مائة وسبعون سنتيمترا..! ابتلعت ريقها بصعوبة بعدما سمعته يقول بصوت جهوري : _ما الذي تفعلينه هنا يا فتاة؟! قالت بتلعثم : _ا.. ابدا.. لا.. شيء.. رأي الكاميرا في يديها لاتزال صورة آثر الأخيرة واضحة على شاشتها الصغيرة، اشتعلت عيني عامل الأمن الذي يحرس المنزل، ثم قال نازعا منها الكاميرا : _كاميرا؟.. وتلتقطين الصور.. ليلتك سوداء.. قال ذلك وهو يسحبها داخلا بها إلى المنزل حيث آثر وجده.. ترك آثر الطعام الذي بيده مندهشا حيث رأى حارس الأمن قادما نحوه ممسكا بيده تلك التي كانت تصرخ بخوف ، قال له جده : _ما الذي يحدث يا آسر؟ _لا أعلم اعتدل آثر بكرسيه المتحرك؛ ليعطي كامل انتباهه إلى ذلك الحارس وخاصة عندما قال : __تلك الفتاة كانت تطوف منذ ساعة أمام المنزل والان أمسكت بها تلتقط الصور لك يا بيك.. رفع آثر نظره، لتتقابل بتلك النظرات الخائفة وتلك العيون التي لا يستطيع احد تحديد لونها هل هي زرقاء ام خضراء أم رمادية!! .. كانت ثيابها بسيطة عبارة تنورة سمراء وكنزة باللونين الأزرق والأبيض معا ووشاحا بنفس لون التنورة، ورغم بساطة ثيابها بدا انها فتاة مهذبة وليست لصة أو ماشابه ذلك؛ لذا طلب من الحارس ان يتركها ويعود إلى عمله.. هدأ خوفها قليلا ولكنها مع ذلك كانت خائفة خاصة وهي تراه ينظر إليها بشك قائلا : _والآن يا آنسة .. ما الذي كنت تفعلينه بكاميرتك هذه..؟ قال ذلك وهو ينظر إلى الكاميرا؛ فنظرت إليه ولم تستطع أن تنطق بشيء بينما هو اخذ يقلب الصور التي التقطتها له، ثم قال : _تبدين ماهرة في التصوير.. ها؟ .. مالذي كنت تفعلينه هنا..؟ صمتت طويلا، ثم قالت بتلعثم : _انا.. هو.. الجريدة.. اقصد... _الجريدة؟!.. فهمت.. أنت صحفية..؟ اومئت له ببطىء، ثم قالت : _أجل.. اقصد ليس بعد.. ذم حاجبيه وضيق نظراته إليها بعدم فهم؛ فقالت على الفور : _هم من طلبوا مني ذلك.. اقصد هو..هو من طلب مني ذلك.. لقد كانت فرصتي الوحيدة.. في البداية راق له أنها لم تكذب عليه ولكن تلعثمها واضطرابها وأيضا بكائها.. كل هذا جعله يشك فيما تقول، ولكنه اخذ يجاريها ليرى آخر كذبها.. _هو من؟ ارتابت هنا من سؤاله المفاجئ عن ماهية الشخص الذي تعمل لديه وخشيت أن تخبره فتخسر آخر امل لديها في أن تعمل معه؛ لذا اومئت برأسها رافضة التحدث عنه، فقطب جبينه بدون فهم لذا قالت؛ لتوضح له : _لا أستطيع أن أخبرك.. هز رأسه، ثم قال بسخرية : _الصحفية النبيلة تحاول حماية صاحب الجريدة.. هذا يبدو دراميا أليس كذلك..؟! قالت ببكاء : _أنا آسفه .. إنها فرصتي الوحيدة.. ابتسم بسخرية للمرة الثانية قائلا : _آسف لأسفك .. وآسف لفرصتك الوحيدة.. ابتلعت ريقها، ثم قالت بنبرة خافتة : _ماذا تقصد..؟.. ما الذي ستفعله معي؟! مط شفتيه بابتسامة ساخرة : _لا تقلقي.. لست آكلا للبشر.. ولكن.. اخذ الكاميرا التي كانت بين يدي جده يقلب الصور التي التقطتها لحفيده، ثم قال آثر: _هذه الصور.. سأقوم بحذفها.. صدمت مما قال فقالت على الفور بنبرة مترجية : _لا.. ارجوك لا.. إنها فرصتي الوحيدة.. اشفق عليها جده ولكنه كان يحبذ ما يفعله آثر ذلك لأنه يريد أن يكون كل شيء سري إلى أن تستقر الأحوال، ابتسم آثر بعدما حذف الصور قائلا بنفس النبرة الساخرة : _لقد انتهى الأمر.. تفضلي.. أخذت منه الكاميرا بيد مرتجفة، ثم اكمل هو لها : _ والآن فالتتفضلي يا آنسه .. ولا أريد منك أن تعيدي ما فعلتيه مرة أخرى.. كان يقول ذلك وهو يشير لها أن تخرج.. فاستدارت ببكاء وبطء خارجه من ذلك المنزل تتوقع اسوء السيناريوهات التي قد تحدث معها حينما تخبر صاحب الجريدة أن مهمتها قد فشلت.. اما هو فنظر إلى جده، ثم قال : _سأعود إلى غرفتي.. أكمل تناول طعامك انت يا جدي.. تركه جده يعود إلى غرفته دون كلام فقد بدا غاضبا وبشدة مما يحدث معه هذه الأيام.. داعيا لله ان تمر تلك المحنة على خير.. & & & وضع مراد صينية الفطور على الطاولة المجاورة لسريرها، بينما أمينة خرجت من الحمام وهي تجفف شعرها بالمنشفة، شعرت أنه يراقبها بنظراته قبل أن يجذبها؛ لتجلس، ثم منحها تلك الابتسامة التي تخطف أنفاسها قائلا : _ لقد جعلت الخالة سعاد تندهش وهي تراني أحضر لنا الفطور .. وكأنها أرادت أن تختبر سلامتي العقلية.. ضحكت وبدت مسترخية ؛ فخفق قلبه، وأثناء تناولهما الفطور نظر إليها بغموض قائلا : _ هلا خرجتِ معي اليوم؟ _ إلى أين؟ _ وافقي أولا.. صمتت قليلاً ،ثم شعرت بأنها يمكنها أن تثق به؛ فقالت : _ حسناً.. موافقة.. _ بدلى ثيابكِ ريثما أجهز كل شيء.. ضحكت من جنانه وبعد ساعة نزلت إليه، كان قد جهز السيارة والطعام واتفق مع عدة أشخاص لتجهيز كل شيء إلى أن يصل إلى المكان، لمعت نظارته الشمسية تحت ضوء الشمس، والأول مرة تراه قد تخلي عن المثالية والفخامة في اختيار ملابسه، فقد أراد أن يكون على سجيته معها؛ لذا ارتدي بنطالاً من الجينز عليه كنزة صيفية بأكمام قصيرة واسعة بيضاء اللون، دون ساعته ودون تثبيت شعره فقد تركه مموجاً حول وجهه، بينما هي سرقت لبَّه بفستانها الأبيض و حجابها المزخرف، قالت بعد ذلك وهي تضع حزام الأمان : _ إلى أين سنذهب..؟ ضحك قائلا : _ الصبر جميل يا صغيرتي.. & & & تلقت هنا الكلمات الحارقة من استاذ عصام بصمت، تعض شفتيها تحاول منع دموعها من الانزلاق بينما الآخر كان يسترسل فيما يقول غير مباليا بما قد تشعر به، اتهمها بالإهمال والفشل.. حاولت الدفاع عن نفسها ولكنها جَبُنَتْ.. آخر الشيء قال لها ناهيا هذه المكالمة : _لقد كانت هذه فرصتك الوحيدة ولكنك اضعتيها.. لذا سيكون من الأفضل ألا تريني وجهك مره اخرى.. أغلق المكالمة في وجهها، بينما أخذت تبكي بشدة وهي لاتزال جالسة على الرصيف المواجه لمنزل آسر، لقد ارتفعت آمالها إلى سابع سماء لتهوي فجأة إلى سابع أرض، لقد فعلت كل ما بوسعها ولكن خانها الحظ في آخر لحظة.. تنهدت تمسح دموعها وهي تتذكر جملته التي لاتزال ترن في اذنيها: _آسف لأسفك.. وآسف لفرصتك الوحيدة.. هي لاتنكر انه محقا فهي من جائت لتتجسس عليه؛ كي تفوز بتلك الوظيفة.. على أية حال لقد حدث ما حدث، ولم يعد هناك مجال ليتحسن الأمر.. نظرت إلى رقم صاحب الجريدة فكرت في أن تهاتفة لتخبره انها هي من لا تريد رؤية وجهه بعد ذلك ولم تعد تأبه بتلك الوظيفة اللعينة..، فكرت في أن تأخذ حقها منه وتخرج كل غضبها به ولكنها عادت في آخر لحظة لأنه بالتأكيد سيخبر صاحب العمل الذي يعمل به والدها وقد يؤثر ذلك عليه.. استغفرت ربها ونهضت من مكانها عائدة إلى منزلها.. اما آسر الذي كان لا يزال يراقبها من شرفة غرفته حتى رآها تركب سيارة الأجرة راحلة عن المكان، صاح مناديا احد حراسه الشخصيين فأتى إليه منتظرا أوامره، قال بغموض وهو لا يزال ينظر إلى أثرها : _تلك الفتاة.. أريد أن أعرف عنها كل شيء.. تلقى الحارس أوامره وخرج؛ ليقوم بمراقبتها كما أمره سيده.. بينما قال بابتسامة غامضة : _والان سنعرف.. أن كنت صادقة ام لا.. & & & _ ميرال! كان هذا صوت حسن الصادر من جهاز الاتصال الذي يصل بين مكتبه ومكتب ميرال، نظرت ليليان باتجاه باب المكتب الذي خرجت من خلاله ميرال؛ لتجري مكالمة سرية دون أن تكون مراقبة بالكاميرات، تكرر النداء فنهضت ليليان من علي المكتب الصغير المواجه لمكتب ميرال وتقدمت عدة خطوات لترى ان كانت بالخارج أم لا، لم تجدها وتكرر النداء مرة أخرى رفع حسن رأسه عن جهاز الحاسوب - الذي كان يستخدمه في إنجاز بعض المهام - مستغرباً عدم استجابة ميرال على ندائه؛ فنظر إلى شاشة كاميرات المراقبة ورآها تقترب من المكتب ، ثم ذم حاجبيه باستغراب وهو يراها مترددة وكأنها لا تريد أن ترد عليه!، ازدردت ريقها وهي تقول : _ أجل يا بيك؟ قال وهو ينظر إليها عبر الشاشة : _ أريد أوراق عقارات الساحل.. وبسرعة.. تذكرت تلك الأوراق التي بقيت قابعة عليها طوال ليلتها الماضية بجوار والدها في المشفى لانهائها حسب أوامر ميرال، فأحضرتها بسرعه من الخزانة ووقفت أمام باب مكتبه المجاور، تعالت دهشته حينما رآها متصنمة أمامه وكأنها لا تريد الدخول، ازدردت ريقها للمرة الثانية.. انها تهابه كثيرا وتحاول تجنب التعامل معه اضيفوا إلى ذلك أنها ممنوعة من الدخول إليه أو التحدث معه! ، _ ادخلي! .. أمرها حسن بالدخول بعدما اكتفي من الأمر، فدخلت وقد ارتعدت اوصالها من لهجته العصبية، رأى خطواتها البطيئة تجاهه دون أن تنظر اليه قائلة : _ الأوراق التي طلبتها.. وضعت الأوراق أمامه على سطح المكتب؛ فنظر إليها لا يفهم ما بها! ،تراجع بظهره إلى الوراء وبعد عدة لحظات قال : _ ليل.. أقصد آنسه ليليان.. أيمكن ان تنظري إلى؟.. نظرت اليه ببطء؛ فقال : _ هل أنا شبح أمامكِ أم "زومبي" ؟! استغربت سؤاله؛ فقالت : _ لا.. أفهم ما تقصده.. تنهد حسن ،ثم قال متذكراً كلامها عنه قبل أيام : _ لقد اخبروكي أنني صارم جدا و مزاجي وربما مغرور.. ولكن أتمنى انهم لم يخبروكِ أنني آكلاً للبشر..! نفت برأسها ،ثم قالت بابتسامة متوترة : _ لا لا يا فندم.. لم يخبروني بذلك.. ثم نظرت إليه بشك، وسألته بحذر : _ وهل.. هذا معقول.. ؟ نظر إليها للحظات لا يستوعبها حقا، ثم هَّز رأسه بيأس من تلك الحمقاء الواقفة أمامه، وتناول الأوراق التي أحضرتها قائلا : _ عودي إلى عملكِ .. خرجت من مكتبه وهي لا تفهم ما الذي أخطأت به!، ووجدت ميرال في وجهها تنظر إليها بشر، فتمتمت في سرها " والآن تلك الشقراء لن تدعني وشأني "، تقدمت الشقراء أو ميرال ووقفت أمامها قائلة بغضب مكتوم : _ ما الذي كنت تفعلينه بداخل مكتب حسن بيك؟ قالت ليليان بتوتر : _ لا شيء.. لقد طلب أوراق العقار التي انهيتها بالأمس.. تنفست ميرال بغضب، ثم قالت : _ ألم أخبرك أنه من الممنوع الدخول إلى مكتبه أو التحدث معه دون إذني.. وأنك ستتلقين أوامرك مني انا.. هل ستعملين من رأسك أم ماذا؟! نظرت اليها ليليان، ثم قالت نافية : _ أبداً آنسه ميرال.. الأمر أنك كنت بالخارج حينما طلبك ولهذا اضطررت ان أحضر له الأوراق.. ولا يوجد أكثر من ذلك.. نظرت إليها ميرال للحظة، ثم قالت : _ وهل أخبرتهِ أنك من أنهيتِ تلك الأوراق .. ؟ لم تفهم ليليان سبب قلقها، ولكنها قالت : _ لا.. لقد وضعت الأوراق على الطاولة وخرجت.. اختفى قلق الشقراء، ثم قالت : _ حسناً يا ليليان.. ولكن اسمعي جيداً ان أردتِ الاستمرار معنا بالعمل.. عليك تنفيذ ما آمرك به فقط.. مفهوم.. ؟ اومئت لها الأخرى ايجاباً ولأول مرة في حياتها تشعر بهذا الضعف، ثم قالت : _ مفهوم آنسه ميرال.. تركتها ميرال إلى مكتبها بينما لحقتها الأخرى، تناجي ربها أن تمر أيامها في هذا العمل على خير.. & & & بعد عدة ساعات توقف مراد بسيارته أمام أقرب مكان إلى قلبه، والتفت ناظراً وتأملها قليلاً ، كانت جميلة جداً وهي نائمة باسترخاء جعل قلبه مستسلماً رغم أنفه لها ؛ لذا استغل الفرصه وأخرج هاتفه والتقط عدة صور لها ولهما معاً، ثم اغلقه مجدداً وهز كتفها ليوقظها، فتحت صاحبتنا عينيها بنعاس لترى خيوط الشمس الذهبية تغمر وجهها بعدما رفع مراد سقف سيارته وجعلها مكشوفة، جاء إليها أصوات الأمواج المتراطمة على الشاطئ، أعادت إغلاق عينيها مرة أخرى وقد شعرت بأنها تحلم ولكن نادها مراد مرة أخرى؛ فتسائلت.. هل تحلم به؟!، فتحت عينيها مجدداً ثم اعتدلت ناظرة حولها باستغراب : _ أين نحن؟! أخذ هاتفها وأغلقه تماما كما فعل بهاتفه، ثم قال : _ هذا كي لا يزعجنا أحد.. هيا الحقي بي .. نزلت من السيارة وهي تحدق في أمواج البحر أمامها، ثم ضحكت بسعادة وكأنها طفلة ، فقال : _ علمت أنك ستحبين هذا.. قالت ببهجة ناظرة إليه : _ أتمزح؟!.. وهل يوجد أحد لا يحب البحر؟! شعر بالسعادة تغمره وهو يراها أمامه تضحك وقد استطاع أن يخرجها من حزنها، وقفت أمامه وقالت : _ ولكن لماذا لا يوجد أحد على هذا الشاطيء؟!.. أين نحن بالضبط؟! _ نحن هنا فيما بين الاسكندرية و العلمين .. ولكن الاسكندرية هي الأقرب.. وهذا الجزء من الشاطئ لا يعرفه إلا القليل من الناس.. لأنه خاص ب القبطان عبدالحميد عامر.. جدي.. اتسعت ابتسامتها وهي تقول : _ حقاً؟!.. أهذا يعني أننا هنا وحدنا..؟! قال بسعادة أكبر وهو يرى تلك الصغيرة التي يخفق قلبه بعنفوان كلما رآها تطل بداخل عينيها : _ أجل يا صغيرتي.. صاحت بفرحة ،ثم ركضت باتجاه الشاطئ وهي تخلع نعليها وتلقى بهما في الهواء بطريقة مجنونة، فضحك بتفاجؤ ثم ركض باتجاهها وقام بخلع نعليه وألقى بهما كما فعلت، رفعت فستانها وكشفت ساقيها وهي تستشعر الأمواج وفجأة شعرت بالمياه تضرب وجهها، التفتت إليه وكان لا يزال يرشها بالماء،فرمقته بطفولية، ثم ضاقت عينيها وهي تجري وراءه لتردها له، أخذا يجريان ويلعبان بالماء وقد تبللت ملابسهما بالكامل، فركض باتجاهها وهي تعمقت أكثر في المياه فاقترب منها وأمسكها قبل أن تهرب منه، شعرت أنها لا تلمس الأرض تحت قدميها، فتمسكت به وهي تقول : _ مراد.. لنعد إلى الشط.. انا لا اعرف السباحة.. قال وهو يحتضنها بقوة : _ اما انا.. فأعرف.. سحبها معه إلى الداخل أكثر وهي تصيح بخوف بينما هو اخذ يضحك عليها، وهو يتمسك بها جيداً و بهدوء وروية جعلها تبتسم وهي تشعر بأنها في موضع آمن وبدأت تحرك يدها كما يفعل.. وبعد وقت عاد معها إلى الشاطئ وجلسا، فقالت : _ كنت أحتاج هذا كثيرا.. حتي الآن لا أصدق وكأنني أحلم!.. نظر إليها بابتسامة واسعة، ثم قال : _ ان كانت أحلامك كلها بهذا الجمال.. سأحاول أن أجعلها حقيقة بين يديكِ.. ضحكت قائلة : _ وكأنك مصباح علاء الدين ! _ قد أصبح كذلك ان أردتِ.. كانت الرياح التي تهب من البحر - محملة برائحة اليود - رقيقة ولطيفة جعلتها تشعر بالانتعاش، تأملت الأمواج الزرقاء أمام عينيها، فقالت بمرح وهي تفرد ذراعيها، وتغمض عينيها مستشعرة النسيم حولها : _ وما الذي سأريده أكثر من ذلك.. أشعر بأنني حرة.. وكأنني أطير.. تأملها مراد بخفقات قلب مرتفعة، ثم قال بعدما ساد عليهما الصمت للحظات ناظراً إلى البحر الذي بدا في نظره لا نهاية له : _ لدي ذكريات كثيرة تربطني بهذا المكان.. بدت منصتة لما يقوله؛ لذا استطرد قائلاً : _ هنا قضيت أسعد أوقات حياتي.. قبل موت جدي كنا دائماً نأتي إلى هنا أنا وأمي.. كنا نمرح ونركض ونلعب وحتى نبكي.. ظننت أن حياتي ستدوم هكذا وأن ذلك النعيم دائم.. ولكن بعد طلاق أمي من جلال عامر استيقظت من حلمي الجميل على أكبر كابوس مزعج.. تعلمين؟.. كان الجميع يحسدني على حياتي.. الناس يعتقدون أن السعادة بالثياب الغالية والمنازل الفارهة.. كنت دائماً بنظرهم الشاب المدلل والمستهتر.. ولكنهم ليسوا أنا ولا يمكنهم أن يفهموا ما عشته.. لم أكن يوماً سعيداً يا أمينة.. كانت تنظر إليه باهتمام، فقال ونظراته تجتاح روحها : _ ولكن اليوم.. بدأت أشعر بأن الحياة تدب بداخلي.. أشعر بأنني سعيد ولا اعرف لماذا؟!.. أو لماذا أخبركِ بذلك.. كل ما أعرفه أن هذا القلب لأول مرة منذ زمن بعيد يتنفس.. لأول مرة أشعر بأنني أعيش.. ضحك بعفوية وسعادة، ثم قال ناهضاً بحماس : _ وكأنني أستطيع أن أفعل أي شيء.. سأركض، سأغني.. وسأضحك من كل قلبي دون تزييف.. وسأصرخ بأعلى صوتي.. فليسمعني العالم.. صرخ بأعلى صوته وهو يفرد ذراعيه، قائلاً : _ أنا هنا.. أنا أضحك من جديد.. أنا أعيش.. ضحكت أمينة بأعلى صوتها وهي تقف أمامه، قائلة : _ مراد !.. ماذا تفعل؟!.. _ افعل ما أريد !.. وانت أيضاً اصرخي مثلي.. _ لست مجنونة إلى هذا الحد..! _ صحيح أن هذا جنان ولكنه الجنان العاقل يا صغيرتي.. رددي معي.. نحن هنا.. هيا.. صرخ بأعلى صوته وهو يقول : _ نحن هنا.. نحن نعيش.. لقد استطعنا أن نضحك من جديد.. بدأت تردد معه ما يقوله إلى أن تحمست ووجدت نفسها تصرخ معه بأعلى صوتها حتى شعرت بأنها تكسر القيود التي كبلتها بها الحياة منذ زمن ، أخذا يقفزان بطفولية وحماسة وانتهى بهما الأمر بانزلاقهما على الرمال الناعمة ؛ فتعالت ضحكاتهما حتى بلغت عنان السماء، لدرجة أنها ظنت أنهما تسببا في إزعاج الطيور التي كانت تطير بالقرب منهما! تنفست بعنفوان غير مصدقة ما تعيشه ،ثم قالت : _ لو أخبرني أحد من قبل بأنني سأفعل هذا.. ما كنت صدقته أبداً! قال برقة : _ أنا أيضاً.. منذ أربعة عشر عاماً وأنا لم آتي إلى هنا.. كنت أظن مسبقاً أن ذلك صعباً ان لم يكن مستحيلاً.. لقد أبقيت هذا المكان بكل ما فيه من ذكريات بعيد عن حياتي.. ولكنك أنت الوحيدة التي أحببت أن أريها مكاني الخاص والجميل لأنك أنتِ الوحيدة دون غيركِ.. القادرة على إضافة مزيد من الذكريات الرائعة لهذا المكان.. .. أكاد أرى القلوب الحمراء تخرج من عينيكِ يا قارئتي.. ولا تقلقي انتِ أيضا سيكون مقدر لك أن تسمعي كلام كهذا وأن تشعري بمثل هذه المشاعر الجميلة فقد اتركي الأمر لله وسيجبركِ.. نظرت إليه بتفاجؤ وكل كلمة بل وكل حرف من كلامه كان يسرقها من نفسها ومن حياتها.. انها لم تشعر بكل هذه المشاعر المتدفقة من قبل إلا معه.. ولكن هل هي.. هل هي تحبه؟! انتبهت إليه ينهض قائلا : _ والآن هيا لأريكِ منزل جدي.. نهضت معه وهي تقول : _ هل سنقضي الليلة هنا؟ _ أجل.. سنبقى بعيداً عن العالم على الأقل لليلة واحدة.. خطا عدة خطوات، ثم أشار إلى بيت محاط بحديقة صغيرة يقع على البحر مباشرة، كان يبدو جميل جداً فقالت : _ هل هذا..؟!! اومئ لها مراد ايجاباً فقالت : _ هذا جميل جداً !.. مراد إذا كنت أحلم.. أرجوك لا توقظني.. ضحك عليها وسبقها باتجاه ذلك المنزل.. & & & كانت رباب فوق سطح منزلها تحارب الطيور التي تقوم والدتها بتربيتها بداية من الدجاج والبط والإوز وغيرهم، صرخت بعدما قام " ذكر البط " بنقرها في يدها، وأخذت تتوعده بأنها ستجعل والدتها تذبحه وتطهوه بجانب صينية لذيذة من " المحاشي ".. _ ما بكِ يا فتاة؟!.. لا ترحمين أبناء آدم ولا حتى الطيور !!.. صحيح ماذا فعلت مع ضابط الشرطة ؟! كان هذا صوت مصطفى الذي كان يضحك بين كلامه عليها، نظرت إليه بضحك، ثم خرجت له مغلقة باب الغرفة ورائها وجلست على إحدى المقاعد الخشبية قائلة : _ أمل هذه!.. لا يأتمنها المرء على سر أبداً !.. جلس على الكرسي المواجه لها، قائلاً بضحك : _ سر؟! .. انها فضيحة يا ابنتي..! _ لا تذكرني بهذا الهرقليز.. لقد صدمني بالسيارة وحطم هاتفي.. ما الذي كنتم تتوقعون مني أن أفعله؟! _ أجل.. لا يُخشي عليكِ يا فتاة.. ضحكا مجدداً للحظات قبل أن يردف بجدية يشوبها المرح : _ دعينا من كل ذلك.. نتحدث بصراحة أم نلف وندور في الحديث؟ فهمت ما يلمح له فقالت : _ لا داعي للصراحة يا مصطفى.. _ لماذا ؟! _ أخشى ألا تفهمني وتنزعج مني.. ابتسم باستغراب.. انزعج منكِ.. ألا تعرفين مكانتكِ عندي يا فتاة؟! ، قال : _ لا تخافي.. لن انزعج منكِ.. ابتسمت بدورها قائلة : _ حسنا.. أنت تريد ذلك.. حمحم مصطفى قبل أن يقول بصراحة تامة : _ منذ أيام وأنتِ تتجاهليني وتتهربين من وجودي.. لماذا يا رباب ؟! صمتت قليلاً، ثم قالت : _ أنت تعلم لماذا.. _ تقصدين.. لأنني طلبت الزواج منكِ..؟ رمشت جفونها بتوتر قبل أن تومئ له بمعنى " أجل "، فتنهد ثم قال : _ بما أننا نتحدث بصراحة.. سأقول لكِ شيئاً.. أنا أحبك يا رباب.. توترت كثيراً وتملكها الحرج فنظرت إلى الأسفل، بينما استطرد هو : _ وقولي هذا لكِ بصراحة.. لا يعني أبداً أن توافقي مجبرة على طلبي.. أنا فقط أريد منكِ أن تمنحيني فرصة لأثبت لك حبي.. شهرين فقط وبعدها يمكنكِ الموافقة أو الرفض.. وأياً كان قرارك سأقبل به.. أعدك بهذا يا رباب.. نظرت اليه رباب للحظات.. لم لا تمنحه فرصه؟ ربما يتغير كل شي.. وللحق مصطفى يستحق منها مئات الفرص وليست فرصة واحدة فقط، قالت لتتأكد : _ وأياً كان قراري لن تتغير معي؟!.. ستظل كما أنت؟ ابتسم مطمئناً لها : _ لن أتغير أبداً.. أعدكِ بهذا.. ما جوابكِ ؟ ابتسمت هي أيضاً، ثم قالت : _ لك هذا يا مصطفى.. وانا أعدك أنني سأحاول.. دقت طبول الفرح بداخل قلبه وهو ينظر إليه ويشعر بأنه قريب جداً من تحقيق حلمه.. & & & نظرت رؤي إلى قصر جلال عامر المغلق والشر يفوح منها، بعدما أخبرها حارس المنزل بأن مراد أخذ أمينة وغادرا المنزل منذ الصباح ولا يعلم متى سيعودان ، وهذا ليس جيداً؛ لأنها الآن ستضطر إلى تأجيل خطتها ليوم آخر، وضعت بجيب الرجل مال إضافي قبل أن تقول : _ هاتفني.. عندما يعود.. ،ثم اخذت القلم من جيبه وكتبت رقمها على يده وغادرت، والغضب يكاد يعميها من مراد ، تقسم بداخلها أنها ستضع أنفه العالية في سابع أرض.. & & &
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.