لم تكن تعلم أن ذلك الشاب المشهور ذو السمعة السيئة سيكون يوماً ما زوجاً حنوناً لها يصب الحب عليها صباً ..!
ليست من عالمه ولا هو من عالمها ولكن تقاطعت طرقهما والتقيا ،ثم أصبح طريقهما واحداً..!
وأصبح ذلك الغريب..عائلتها..♥️
" تهوى الأنثى ذلك المجنون الذي يفرض حبّه عليها أكثر من ذلك الذي يستأذنها قبل أن يحبها.." _ نزار قباني . ........ فجأة وبدون أي مقدمات شعرت بالأرض تموج أمامها وتملك الدوار من رأسها؛ فاستندت بيديها على المكتب وأطلقت تأوهاً، ناداها ولم تجبه؛ فاقترب ناحيتها قائلا بقلق : _ ما الأمر.. هل أنتِ بخير؟ كان صوته بعيداً وظلت هكذا للحظات قبل أن تتمالك نفسها وتسمع صوته، قائلاً : _ ليليان.. أنتِ بخير؟ رمشت عدة مرات محاولة إزالة الضباب، ثم قالت بنبرة خافتة : _ أجل.. _ آااه هذا واضح..! كانت نبرته ساخرة ولكن نظراته قلقة عليها وهذا ما أثار دهشتها، عاد الضباب مرة أخرى لتغمض عينيها بقوة ، تمتم ناظراً إليها تكاد تفقد وعيها قائلا : _ اللعنة.. يجب أن تعودي إلى منزلك لترتاحي.. كان يعلم أن إحدى موظفاته في هذا الدور تدعي" لين" رفيقتها؛ لذا اتجه إلى مكتبها، فتحت لين فمها بخوف وذلك؛ لأنها كانت تأكل في مواعيد العمل الرسمية.. فهي ببساطة لم تتوقع أن يزورها صاحب الشركة بذات نفسه في مكتبها ..! _أنتِ لين صحيح..؟ ابتلعت لين ما في فمها، ثم قالت : _ أجل يا سيدي.. أنا هي.. _ ليليان صديقتكِ أليس كذلك..؟ اومئت له بسرعة وتعجب من ذكره اسم ليليان؛ فقال : _ انها متعبة جداً.. تكاد تفقد وعيها.. هلا رافقتيها إلى منزلها..؟ _ إذا يجب أن أوقف سيارة أجرة اولاً.. كانت وكأنها أخذت قرارها؛ فقال بسرعة قبل أن تخرج من المكتب : _ مهلاً.. أنا سأقلكما إلى منزلها.. احضريها أمام باب الشركة.. ريثما أُخرج سيارتي من الكراج.. ارتسمت على وجهها علامات تعجب مما يقوله، تركها وخرج؛ فاتجهت إلى مكتب ليليان وبصعوبة استطاعت أن تخرج بها من الشركة حيث وجدته يتتظرهما بالسيارة.. نزل بسرعة وقام بفتح باب السيارة لهما وبعدما ساعدت ليليان؛ لتصعد السيارة صعدت بجوارها وانطلق بهما إلى بيتها الذي بالطبع يعرفه، بينما في الطريق تحدث مع طبيب العائلة وطلب منه أن يأتي إليه وأعطاه العنوان & & & كانت تشاهد التلفاز ولكنها لا تراه، عقلها في عالم آخر لا يسكنه إلا ذلك المجنون الذي سرق قلبها، وكثير من الأسئلة تنقر رأسها.. هل يمكنها أن تتغاضي عما رأته بعينيها وما شعرت به وقتها مقابل ما تعيشه معه الآن؟!، هل يمكنها أن تغلق صفحات الماضي؟!.. وماذا بعد؟!.. هل يعود ليجرحها من جديد؟!.. لنفترض أنها هي من فعلت هذا وليس هو.. هل يسامحها؟!.. ألقى مراد بنفسه على الأريكة بجوارها فجأة؛ فصرخت قائلة : _ أفزعتني..! رمقها بمشاكسة قائلاً : _ فيما تفكرين؟.. نظرت إليه قليلاً، ثم قالت : _ لماذا تكفلت بحفلة الأمس؟.. توتر، وقال : _ ومنْ أخبركِ؟.. _ جدة المولود.. تنهد، و قال : _ لأجلكِ.. ولأجلي.. أنا أيضا أردت هذا كثيراً.. خفق قلبها؛ فأطرقت بوجهها بعيداً عنه، واستطرد هو : _ دعكِ من هذا الآن.. لقد مللت.. أشعر بالضجر.. أجابته باستغراب : _ وما شأني؟.. _ بل هو شأنك!.. أريد أن أخرج.. _ فلتخرج.. وهل أنا ممسكة بك..؟! زفر بضجر : _ أريد أن أخرج معكِ.. _ إلى أين؟! _ لا أعرف.. ولكن هيا ارتدى ملابسكِ بسرعة.. _ لماذا تتعجل؟! _ لا أريد أن نضيع الوقت.. وأشتهي لو تقومين بإفلاسي اليوم .. سأبدل ثيابي ريثما تتجهزي.. تركها في حالة ذهول ولم يعطِ لها ولو فرصة واحدة لتمانع، ولم تستطع ان تكبح ابتسامتها كطفلة أضاء أملاً بسيطاً حياتها المظلمة.. & & & _ هذا هو العنوان.. قال جملته وهو يوقف محرك السيارة، ثم نظر إليها تنظر يميناً ويساراً، ثم نزلت بلهفة استغربنا؛ فنزل ليرى ماذا ستفعل.. أخذت تتلفت حولها مجدداً وقلبها يخفق بالفرحة؛ لأنها وأخير بعد طول بحث قد وجدت والدتها، أخذت تبحث بعينيها عن أي أحد يخبرها أي هذه المنازل تسكن والدتها.. رأت عجوز جالسة أمام منزلها تقوم بتنقية الأرز من الشوائب ليكون جاهزا للطهي، اتجهت إليها وعندما سألتها ريحان عن المرأة وأخبرتها باسمها تنهدت السيدة، ثم قالت : _ بالتأكيد أنتِ إحدى الديانة التي اقترضت منهم أموالاً لترمم منزلها بعدما حدث لها..ارحموها يا بشر.. المرأة تعبت ولم يعد باستطاعتها تحمل المزيد ألا يكفي تحملها للعيش فيه دون سقف أو حتى مياه وكهرباء..؟!.. حتى الأثاث المهترئ التي تنام عليه.. قام اولاد الحلال بحرقه لها.. حرام يا عالم.. كان كلام تلك المرأة كالخناجر التي تقوم بتمزيق قلبها، تجمعت دموعها في عينيها؛ فقالت لها المرأة مشيرة لإحدى المنازل : _ هذا هو منزلها.. خراب يا ابنتي.. التفتت ريحان؛ لتنظر إلى المنزل المحترق وتتخيل الحياة التي كانت تعيشها والدتها في تلك الخرابة.. رأي أحمد دموعها وتأثير كلام تلك العجوز عن تلك المرأة التي تبحث عنها بدا واضحاً جداً عليها؛ فأدرك وقتها أن تلك المرأة مهمة جداً .. التفتت ريحان إلى العجوز، قائلة : _وأين هي الآن..؟ تنهدت المرأة ثم قالت : _رجل تبرع لها بغرفة قديمة فوق سطح منزله تبيت فيه إلى أن تستطيع تدبير أمورها.. _أين هو هذا المنزل؟ _لا أعرف يا ابنتي.. الوحيدة التي تعرف كل شيء عن الموضوع هي أم عمرو جارتنا وهي الآن في السويس تزور ابنتها.. ولا اعرف متى تعود.. زفرت ريحان بوجع وهي تشعر بأن كل شيء يضيع من بين يديها بعدما أوشكت على ايجادها.. ثم قالت : _إذا رقم هاتفها.. أو أي شيء استطيع من خلاله أن اتواصل معها من خلاله..؟ _انا لا أحمل هواتف يا ابنتي.. ووحيدة كما ترين.. لقد كانت هي من تؤنس وحدتي.. تنهدت ريحان ثم قالت.. : _حسنا.. سأعطيكي رقم هاتفي.. متى تعود ام عمرو جارتكما.. أمانة تحاسبين عليها يوم القيامة.. ان تجعليها تهاتفني.. ضروري جدا.. ارجوك.. _حاضر يا ابنتي.. تركتها ريحان ونظرت للمنزل مرة أخرى بدموع قبل أن ترحل وبجانبها أحمد الذي لا يفهم اي شيء مما يدور حوله.. انطلق بالسيارة عائداً بها إلى الحارة وهي كانت لا تزال.. تبكي بحرقة.. لا يعرف ماذا عليه أن يفعل فهو ليس بارعا في المواساة لذلك فضل الصمت.. جائها اتصال هاتفي ففتحته ثم تبادلت مع الرجل عدة كلمات قبل أن تقول : _لا.. لم أجدها هذه المرة أيضا يا عم محمد.. لقد عانت كثيرا.. ليتني أجدها لأرحمها مما هي فيه.. لقد تركت رقم هاتفي مع إحدى جارتها.. انتظر أن تعود جارتها الأخرى من السويس لتخبرني عن مكانها الحالي.. حسنا.. بعد العديد من الكلمات قامت بتوديعة وإغلاق الاتصال وعادة مرة أخرى إلى دموعها الصامتة وبعد صمت طويل لم يعد باستطاعته كبح فضوله وقلقه أكثر..قال : _عفوا يا انسه ريحان.. ولكن من تلك التي تبحثين عنها؟! صمتت طويلا بينما ازدادت دموعها أكثر ثم قالت كلمة واحدة : _امي... اجابتها هذه لم تفسر له شيئا بل ازادت الامر تشويشا لديه أراد ان يسألها أكثر ولكن دموعها التي لا تتوقف منعته من ذلك على الأقل في الوقت الحالي ذلك لأنه خشي أن يزداد بكائها أكثر.. & & & عند السابعة مساءاً كان خالد مستنداً على سيارته متوسطاً المصباحين الأماميين الذين أنارا المكان أمامه، وكانت المنطقة المحيطة به عبارة عن مساحات مقطوعة من الصحراء وهذا ما شجعه كي لا يره أحد.. وعلى ضوء المصباح لاح له من بعيد خيال أحداً قادماً باتجاهه، دقق نظره فرأى الضوء مسلطاً على وجه ذلك الشاب المقبل عليه، تنهد بارتياح وأخيراً بعد طول انتظار قد وصل.. مدَّ ذلك الشاب يده والذي لم يكن سوى عزت؛ فصافحه خالد بابتسامة متذكراً تلك الرسالة التي وصلته من رقم غريب محتواها " خالد بيك ان كان يهمك أمر قضية جلال عامر قابلني في هذا المكان "، وحينما انتظره في العنوان الذي تركه له تملكته الصدمة عندما رأي عزت أمامه.. _ نحن نعرف خطواتك منذ الليلة الأولى التي استلمت فيها القضية.. ولقد اتفقنا على خداعك.. نتركك تراقبنا وتدور حول نفسك في حلقات فارغة.. قالها عزت؛ فقال الآخر : _ كلامك يعني أن هناك من كان يبلغكم بخطواتي.. _ أجل.. _ من هو؟ _ المقدم .. عادل صلاح.. قابل خالد اجابته الصريحة بصدمة بادية على وجهه : _ عادل؟!!.. قال الآخر ببرود : _ لا تستغرب.. كل شيء وارد في قضية كهذه.. بعد لحظات هز خالد رأسه ولازالت آثار الصدمة بادية على وجهه : _ ولماذا خالفت الاتفاق..؟ أجابه الآخر ببساطة : _ لأنهما كانا ينويان قتلي.. لذا قلبت الطاولة.. ليس أنا من يُغدر بي.. وان كنت لن أحصل على شيء.. فهما أيضاً لن يحصلا على شيء.. _ هممم.. وما الذي يضمن لي أن كلامك صحيح..؟ _ لدي الضامن على كلامي.. سأجعلك ترى وتسمع كل شيء بنفسك.. _ وما الذي ستربحه؟ _ سآخذ حقي يا حضرة الضابط.. وبنفس الطريقة.. عاد خالد إلى الواقع على جملة عزت : _ هل تأخرت؟ _ قليلاً.. لا عليك.. هات ما عندك.. ابتسم عزت قائلاً : _ يجب أن تكون متحمساً لما لدي.. بالمناسبة ما أخبار صديقك عادل؟ _ أنتم أعلم بها مني.. بالتأكيد قد فرح بالمال الذي حصل عليه من جلال عامر.. ولا يزال جاهلاً أنني لازلت أتولي القضية..اقتراحك قد أفادنا.. وأعجب سيادة اللواء.. _ لا أخفيك أن هذا الخبر أثار في نفوسهم بهجة كبيرة.. _ دعنا منهم.. ما هي الاخبار الجديدة؟.. _ التسليم.. ليلة رأس السنة.. _ جميل..! _ وهذا الأجمل.. قالها عزت وهو يخرج من جيب جاكيته ذلك الميكروفيلم الذي وجده في خزنة جلال عامر؛ فقال الآخر : _ أنا هنا أساساً لأجله.. ماذا وجدت به؟.. _ مسجل به جميع صفقات جلال عامر القذرة.. وآخرهم قضيتنا.. تناوله منه خالد، قائلاً : _ عظيم..! أخبره عزت عن التفاصيل وفي النهاية ودَّعه خالد وراح كل منهما في طريقه بانتظار ليلة رأس السنة بفارغ الصبر؛ كي يستعيدا كرامتهما.. & & & أزال السماعة من أذنيه قبل أن يضعها في حقيبة عمله ثم قال : _لا تقلق يا حسن بيك.. كل ما في الأمر إرهاق وعدم النوم كفاية.. هذا غير سوء التغذية.. اومئ له حسن الذي كان قلقه واضحا على معالم وجهه.. ثم ودع الطبيب وبعد رحيل الرجل نظر حسن حوله ليجد نظرات معظم أهل الحارة تترصد له والهمسات عليه تعلو من حوله ولكن منذ متى كان حسن ممن يهتمون بحديث الناس؟ اشاح بوجهه بضيق منهم قبل أن يشتري الأدوية من الصيدلية المواجهة لمنزل ليليان دثرتها "لين" بالاغطية جيدا ثم نظرت بأسى لشقيقاتيها الباكيتان على حال شقيقتهما الكبرى.. في تلك اللحظة دخلت ريحان الشقة وهي تنادي على الفتيات فأجابتا على الفور بأنهما في غرفة ليليان فقالت : _عدتما باكرا.. أليس لديكما درس في هذا الوقت؟! قالت كاميليا بصوت خافت كي لا توقظ ليليان : _لقد قام المعلم بلغيه اليوم.. تعجبت ريحان من نبرة صوتها الخافتة فقالت داخلة الغرفة : _هكذا إذا.....ما الذي يحدث هنا..؟! قالت جملتها الأخيرة بتفاجؤ عندما رأت ليليان نائمة على السرير ويبدو الشحوب والضعف على وجهها بينما "لين" جالسة بجوارها بملامح قلقة.. تقدمت لتجاور ليليان ثم قالت بقلق : _ما بها ليليان؟ تنهدت لين ثم قالت : _لا تقلقي.. هي فقط فقدت وعيها.. _تقولين فقدت وعيها؟! _اهدئي هي الآن بخير.. اخبرتها لين بكل ما حدث وكيف ساعدها حسن.. رن جرس الباب ففتحت نور الصغيرة الباب قائلة : _هذا انت؟! انحني ليكون بمستواها قائلا بابتسامة : _أجل يا.. ما اسمك..؟ _نور.. وأنت؟ .. _اسمي حسن.. _حسن ؟.. ليس سيئاً... _حقاً!! سألها بابتسامة متعجبة قبل أن تومئ له قائلة : _همم.. إلى متي ستظل ليليان نائمة..؟ تنهد حسن ثم قال : _لا أعلم.. ولكن فالنتركها ترتاح قليلا.. فركت عينيها بنعاس ثم قالت : _إذا سأنتظرها.. _ الأفضل أن تنامي حتى تستيقظ هي.. _لا.. ليليان دائما تنتظرني حتى انام.. وبعدما سافر أبي أصبحت حزينه.. انا اسمعها يوميا تبكي.. وهي لا تعرف انني اسمعها.. لأنني اتظاهر بالنوم فقط.. قالت جملتها الأخيرة وكأنها أخبرته بسرها الكبير ثم ضحكت ببراءة واضعة يديها فوق فمها فضحك هو على برائتها.. وبعد ثواني ذمت حاجبيها فتعجب من تغير ملامحها فجأة وعرف الان لماذا يتعجب الآخرين من تقلباته المزاجية.. بينما قالت الصغيرة : _ انا خائفة عليها.. هل ستكون بخير..؟ ربت على كتف الصغيرة ثم قال : _لا تقلقي.. ستكون بخير.. تفاجأ بتعلق الصغيرة برقبته وتجمد بمكانه للحظات فهو لم يكن يوما من محبين الأطفال ولا حتى يعرف كيفية التعامل معهم حتى فكرة الأبوة نفسها كانت صعبة بالنسبة إليه..، حمحم بتوتر قبل أن يحملها ويستأذن للدخول.. تعجبت لين من دخول رئيسها عليهم الغرفة حاملا نور بحنو.. رفعت حاجبيها وهي تتذكر اول يوم استلم فيها الشركة وتعامله الصارم مع كل الموظفين وقساوته مع كل من يخطئ ولو خطأ صغير ومعاقبته بطرده من الشركة دون أي فرصه.. رمشت عينيها بعدم تصديق وهي تكاد تنتفض لتضع ظهر يدها على جبينه لتتأكد من عدم ارتفاع حرارته..! اما ريحان تذكرت مساعدته لليليان يوم وفاة والدها..وايضا بالأمس.. لذا توقعت انه قد يكون مشفق عليها.. فتحت ليليان عينيها ببطيء و أصدرت انيناً خافتا.. أسرعت ريحان لتجلس بجوارها قائلة : _ليليان عزيزتي.. انتي بخير..؟ رمشت ليليان عدة مرات لتتضح لها الرؤية ثم تبين لها وجه ريحان القلق فتمتمت بنبرة خافتة : _ما.. ال.. الذي.. حدث.. ؟! تقدمت لين لتجلس بجوارها على السرير قائلة : _لا تشغلي بالك بأي شيء الان.. المهم انك بخير.. نظرت ليليان الي لين باستغراب من تواجدها فآخر شيء تتذكره وجهه حسن وصوته القلق..! _حمحم حسن بصوت رجولي قبل أن بقول: _لقد قال الطبيب انه إرهاق وعدم نوم بالإضافة إلى سوء التغذية.. يجدر بك من الآن فصاعدا أن تعتني بنفسك جيدا.. كانت نبرة صوته لائمة لها فنظرت له متعجبة من وجوده في غرفتها.. رأت نظراته القلقة تعاتبها على اهمالها لنفسها.. فازدادت دهشتها.. زفر بتوتر من عينيها الجميلتين حتى وهما متعبتين.. لم يستطع ألا ينظر إليها فمن يرى هذا الجمال يتملكه سحره بكل تأكيد.. _استاذ حسن..؟ همست بها بعذوبة ورقة وتعب.. فمرت عاصفة في طرقات قلبه لتنير وتينه بوميض من نوراً غريب على قلبه المظلم ..! شملها بنظرته الحنونة قبل أن يقول : _سلامتك يا ليليان.. قالها لأول مرة دون ألقاب منه ولكنها شعرت بالالفة تجاه طريقة نطقه لاسمها.. فقالت بخفوت : _شكرا لك.. سلمك الله.. شملها مرة أخرى بنظرة تفيض حنانا قبل أن يشيح بوجهه إلى تلك التي تنظر إليهما بابتسامة بلهاء ونظرات حالمة وكأنها تشاهد فيلما رومانسيا.. : _ هيا يا انسه لين.. لنرحل.. لم تجبه فقد كانت في عالم موازي فنادي عليها مرة أخرى بصوت أعلى لتنتفض واقفة ووافقته على الفور ثم سلمت على ريحان وتمنت لها السلامة بينما ريحان رأت في نظراته شيئا آخر أكبر من مجرد شفقة..! عادت إلى ليليان التي كانت لاتزال تنظر إلى الباب اثر خروجه وهي بالفعل لاتفهم ما تشعر به.. ابتسمت ريحان ثم نهضت لتحضر لها الطعام كي تتناول دوائها.. بالأسفل كانت لين لاتزال تبتسم ببلاهة وهي تتذكر ان هذا بالضبط ما يحدث في الروايات التي تقرأها ليلا ونهارا.. أخرجها من شرودها صوت حسن قائلا : _انتي يا ابنتي..؟! _أجل سيدي.. _لا أفهم فيما انت شاردة؟.. توترت وضحكت بداخلها مفكرة انه لو علم فيما تفكر.. قد يفصلها من عملها..! _صحيح ان تناولتي الطعام مرة أخرى في أوقات العمل الرسمية.. لن أتردد في معاقبتك.. اتسعت حدقة عينيها بخوف وهي قد نسيت تماما رؤيته لها في المكتب.. ثم قالت : _لن تتكرر مرة أخرى يا سيدي.. أعدك.. قال حسن بملل : _كفى ثرثرة.. اركبي.. صعدت إلى السيارة ليعود بها إلى الشركة مرة أخرى لمواصلة العمل.. & & & كانت سهام الحب السحرية تنصب فخها لأمينة حينما نزلت إليه، ارتسمت ابتسامة حلوة فوق شفتيها؛ فتملكه شيء من السحر ودبت في روحه الحيوية.. في كل مرة يراها وكأنه يراها للمرة الأولى ، وبدون إضافة كلام مدَّ لها كفه، فأعطته كفها وخرجا من المنطقة وقبل أن يتجه إلى السيارة قالت : _ لدي شرط.. نظر إليها باستغراب، وأردفت : _ ستتخلي عن سيارتك اليوم.. وسنذهب إلى حيث أريد.. _ لا أفهم..! ربتت يديها أمام صدرها : _ كما سمعت.. لن نتناول العشاء في مطعم فاخر.. بل نتمشى على الكورنيش.. _ الكورنيش؟! _ أجل.. و نتناول حمص الشام.. رفع حاجبيه ؛ فبررت : _ أعرف أنني تافهة.. ولكن هذه الأشياء البسيطة هي ما تجعلني سعيدة.. أكثر من الأماكن الغالية والمظاهر الفارغة.. شعر بشيء جميل لا توجد عبارات لوصفه وهو يطالع نظراتها الطفولية ؛ لذا جرفته أحاسيسه وجعلته متهوراً إلى حد كبير، اقترب ضاحكاً ومط خدها الأيسر بحب، قائلاً : _ أتعلمين ما أكثر شيء أحبه بكِ..؟ نظرت إليه بتوتر، وسألت : _ ما هو؟ أجاب بعشق : _ ذلك الجانب الطفولي المجنون.. عندما يظهر بكِ أشعر بأنني أريد عناقكِ لأعوام.. تسللت السعادة إلى قلبها وازداد توترها، فاستطرد : _ أتعلمين ما الأجمل منه؟.. نظرت إليه بتساؤل؛ فأجاب : _ أنه لا يظهر إلا لي أنا فقط.. ارتبكت من اقترابه منها خاصة أن هناك بعض المارة ينظرون إليهما وابتعدت؛ فضحك مرة أخرى وتمسك بيدها قائلاً : _ أنتِ أردت إخراج ذلك المجنون الذي بداخلي.. تحملي جناني إذا.. تعالِ معي.. ثم جذبها؛ لتسير معه بسرعة، قطعا معاً شوارع المدينة بخفة وحيوية حتى وصلا إلى محطة المترو وقبل أن تُغلق أبوابه تمسك بيدها بقوة وركضت معه، وبالفعل دخلا المترو في آخر لحظة وكان كالعادة مزدحماً، جعلها تقف في ركن ووقف أمامها وكي لا يقترب ناحيتها أحد وضع كفة يده اليمني على الحائط بجوارها وهو ينظر حوله، لمح في أعين بعض الرجال أمامه نظرات غير مريحة، رفع حاجبه الأيمن وهو يطالعهم بحدة، ثم زفر بضيق ونظر إليها.. كانت تنظر إليه بتوهان وقد ازدادت خفقات قلبها؛ فغرق في نظراتها ونسي ما كان يفكر فيه، قطع صمتهما صوت ضحكات إحدى الفتيات بجانبهما، حاولت التنفس ولفت انتباهها رجل عجوز على وجهه ابتسامة راضية حاملاً باقة كبيرة من الورود الحمراء، وعندما رأى مراد نظراتها اعتقد انها تريد الورود ولكنها قالت : _ هذا الرجل يثير فضولي.. أهذه الباقة لزوجته أم ابنته؟ غمز إليها، وقال : _ سنعرف.. واندفع واقفاً أمام الرجل وهي بجواره، ثم حمحم بحرج وسأل الرجل عن حاله، أجابه الاخر أنه بخير قبل أن يسأله مراد عن باقة الورود؛ فضحك الرجل وقال انها لزوجته فابتهجا مراد وأمينة ولكن الرجل ابتسم بحزن، ثم قال شارداً : _ زوجتي متوفية منذ ثلاثون عاماً.. واليوم عيد ميلادها.. شهقت صاحبتنا بتعجب وكذلك كانت نظرات مراد؛ فقال الرجل : _ كانت شابة جميلة نابضة بالحياة أحببتها وتزوجنا.. وفي كل عيد ميلاد لها كانت تلمح لي بأنها تريد الورود الحمراء.. ولكنني لم أهتم.. ثم فقدتها في حادث سير.. صمت الرجل وندم مراد على سؤاله وندم أكثر عندما استطرد قائلاً : _ لم تكن فقط زوجتي كانت روح تسكنني.. ولكنني بغبائي أضعت الوقت معها.. كان بإمكاني أن أهديها مئات من باقات الورود.. كان بإمكاني أن أصنع أجمل ذكريات لنا لأعيش عليها الآن.. ولكنني أضعت الوقت وانشغلت بالعمل.. وها أنا الآن لدي العمل والمكانة وخسرت حبيبتي.. ولهذا أشتري لها الورود وأضعها على قبرها وأعتذر منها.. أتمنى أن تسامحني.. سألته صاحبتنا بأعين دامعة : _ أكانت تحبك يا سيدي؟ ابتسم لها الرجل بوجع : _ كثيراً.. _ اذا كانت تحبك فهي بالتأكيد ستسامحك.. تنهد الرجل بينما نظر إليها مراد بوجع.. وأنا؟.. لقد اعتذرت كثيراً على ذنب لم أقترفه فمتى ستسامحيني؟!.. _ اسمعاني يا أولادي.. لا تخسرا وقتكما في خصام أو مشاغل.. حتى لا تندمان فيما بعد.. العمر أمامكما اجعلا من كل دقيقة تمر حياة.. ولا تضيعاه هباء.. قال ذلك الرجل فالتقت أعينهما في نظرة طويلة، هو ينظر إليها برجاء وهي تنظر إليه بحيرة.. وهنا توقف المترو واندفع الركاب للخروج، فشكره مراد ونزلا من المترو وهما ينظران إلى ذلك الرجل المبتسم رغم وجعه حاملاً بيده باقة من الورود الحمراء..، كان من الأشخاص الذين لا نقابلهم في العمر إلا مرة واحدة ولكنهم يتركون بصمة في حياتنا لا تُنسى ولا تتكرر مرتين.. & & & _أمي ارجوكِ.. كان هذا توسل رباب لوالدتها كي تسمح لها بالذهاب إلى عرس صديقتها في إحدى الفنادق بعد اسبوعين، ولكن والدتها لاتزال رافضة.. رنَّ جرس الباب وفتحته رباب بوجه عابث؛ فتعجب ابن خالتها، ثم قال : _ما الأمر لم أنت عابسة هكذا..؟ _خالتك ستجنني... قالتها بسخط ضحك مصطفى من طريقتها، ثم جلس بجوار امل على الاريكة قائلا : _ما الأمر يا خالتي؟ قالت أمل وهي تفرط حبوب البازلاء في الطبق الموضوع علي قدميها : _ تريد الذهاب إلى عرس صديقتها في الفندق بعد أسبوعين .. وأنا بعد ما كان سيحدث لها آخر مرة.. أقسمت ألا أدعها تخرج من المنزل وحدها أبدا .. فهم قصد خالته فقد أخبرنه بما حدث معهن آخر مرة؛ لذا قال : _خالتي معها حق يا رباب.. عبست رباب أكثر، قائلة : _وماذا سأفعل انا..؟!.. خالتي قادمة ولا يمكن لوالدتي أن تتركها وتأتي معي و أنا قد أعطيت وعداً للفتاة أنني سأحضر عرسها.. كما أن هنا كانت ستأتي معي ولكن خطيبها أخبرها أنه سيزورها.. أخبرني ماذا سأفعل؟! .. فكر مصطفى قليلا وهو يمد يده يأكل من حبوب البازلاء التي تقوم خالته بتفريطها، ثم قال : _ متى سيكون هذا العرس؟ قالت جالسة بإحباط على الكرسي المواجه له : _ بعد أسبوعين .. قال مستمرا في الأكل : _ متى سيبدأ؟ _عند التاسعة مساء.. فكر مرة أخرى، ثم قال مبتسماً : _حسناً انا سأصطحبكِ بنفسي.. نهضت رباب قائلة له بفرحه : _ حقا..؟ _ أجل _ يا إلهي أنت الأفضل يا رجل.. سأحضر الثياب التي سأرتديها .. سألها باستغراب : _ الآن.. ؟! أجابته باستعجال : _ لا!.. الآن سنخرج لنرى أمينة.. ثم استدارت، وسألته : _ أيمكنك أن تقلنا إلى بيتها في طريقك؟ .. نظر إلى الساعة في يده قائلاً : _ لا بأس ولكن قبل التاسعة لأنه لدي موعد.. وقبل أن تتكلم، قال : _ وسأعود لآخذكن.. فلقد أصبحت السائق الخاص بكِ..! قالها بسخرية؛ فغادرت الصالة بفرحة مقتحمة غرفتها وخزانه ملابسها بينما هو بالخارج يبتسم بحب.. كم يعشق جنونها وضحكها الصاخب !، تنهد بحالمية وهو يمد يده مرة أخرى في الطبق؛ ليأخذ منه حبوب البازلاء، لكنه استيقظ على يد خالته التي ضربت يده الممدودة، قائلة بسخط : _ هل سأجدها منك أم منها؟.. لقد أكلتما نصف ما قمت بتفريطه.. لا تمد يدك في الطبق مرة أخرى.. ضحك مصطفى على طريقة خالته الساخطة، والآن قد عرف من أين جاء إلى رباب كل هذا الجنان.. إنها الجينات الوراثية يا عالم ..!! & & & وصلا إلى الكورنيش بزحامه وكان كل ثناءٍ منعزل بنفسه عن الدنيا، السفن راسية على صفحة نهر النيل و تنعكس عليه أضوائها الزاهية، عربات حمص الشام والأيس كريم والعصائر والوجبات السريعه منتشرة على طول الطريق، وأصوات الباعة تعلو في جو من التنافس.. كانا يسيران بخفة، ثم جلسا على المقاعد أمام إحدى عربات الوجبات السريعة، وتناولا سندويشات " الشاورما "، والتي أعجبت مراد كثيراً على الرغم من أنها المرة الأولى التي يأكلها فيها من الخارج، وأخذا يتسامران بالحديث حول الأطعمة التي يفضلها وكذلك هي، ثم ساد الصمت فأحب مراد أن يقطعة أخبرها بأن والدته أيضاً كانت تأخذه إلى أماكن كهذه ولكن دون علم جلال عامر.. ابتسمت أمينة ثم شاركته الحديث بأنها في الماضي كانت تأتي إلى الكورنيش مع والديها وشقيقها، ثم يلتقطون العديد من الصور، وبأنها كانت تنتظر هذه الخروجة كل شهر.. وهكذا ظل كل منهما يتحدث عن طفولته حتى انتهيا وتناولا حمص الشام على عربة أخرى بنفس السعادة وهما يتحدثان ويراقبان كل ثناءٍ.. أيهما حبه حقيقي وأيهما مزيف وأحياناً كانت أرائهما تتضارب فيضحكان بشدة.. بعد فترة ليست بطويلة بينما يسيران بين الناس لمح صاحبنا شاباً معه جيتار يعزف ولا يوجد إلا القليل يلتفت حوله؛ فسار بسرعة وهي معه وطلب من الشاب أن يستخدم الآلة قليلاً فوافق الآخر، فبدأ يعزف وهو يغني لها.. " ولا بنساك ولا ثانية.. وكل دقيقة والتانية.. بفكر فيك وانا وياك حبيبي انت اللي بالدنيا.." جذب صوت مراد الناعم واحساسه العميق الناس حوله، حتى أن معظم البعض أخرجوا هواتفهم؛ لتصويره خاصة عندما ترك الجيتار للرجل؛ ليعزف وهو لا يزال يدور حولها ويغني " وأقولك ايه يا أغلى حبيب وأجمل حلم حققته.. في قلبي هواك معيشني.. بعيش ليك وانت بتعيش لي.. بقيت عشقي ولما تغيب عنيك عني بتوحشني".. في هذه اللحظة غني معه البعض باقي الأغنية أثناء تصفيقهم، وهي تكاد تذوب خجلاً وقد استحال لونها للأحمر، وفي النهاية صفق له الجميع فانحني لهم بطريقة درامية وأخذها بعيداً عنهم، وأثناء سيرهما رأت صاحبتنا بائع غزل البنات، فأشارت إليه قائلة لمراد : _ أريد غزل البنات.. _ وأنا أريد ضمكِ.. هل استطيع؟!.. _ حسناً لم أعد أريد.. قالت هذا وهي تخفض يدها بخجل؛ فضحك، ثم أمسك يدها ووقف أمام البائع واشترى كل ما لديه؛ فذمت حاجبيها قائلة : _ مراد!.. هناك أطفال يريدون منه.. نظر خلفه فوجد الأطفال ينظرون إليه؛ فابتسم، ثم أعطى لها واحدة قبل أن يقول : _ من منكم يريد غزل بنات مجاني؟.. وفي لحظات قليلة لم يتبقى في يد مراد غير كيساً واحداً، ولكنه رأي فتاة صغيرة تنظر إليه بخجل؛ فضحك حيث ذكرته بتلك الواقفة وراءه تنظر إليه بابتسامة حالمة، انحني لها وأعطاها الكيس فابتسمت باتساع وأخذتها راكضة، عاد إلى أمينة ونظر تجاه الأطفال ببهجة وقد اقتنع بجملتها هناك أشياء بسيطة وقد تبدو تافهة ولكنها الوحيدة القادرة على إسعادك.. كان قلبها يرفرف من الحب في صدرها وهي تكاد تضمه ولكنها تكبح نفسها، وفتحت الكيس؛ لتأكل منه فأصدرت همهمة وهي تتلذذ بغزل البنات؛ فنظر إليها رافعاً حاجبيه بدهشة؛ لذا ارتبكت ورفعت يدها بالكيس ليأكل هو أيضاً ففاجئها وفتح فمه وهو يميل بجذعه باتجاهها؛ لتؤكله هي، أخذت قطعة لتضعها في فمه بهدوء بينما هو ينظر إليها بعشق، وما أزاد ربكتها أنه قد لَحِسَ أطراف أصابها؛ ليثير خجلها الذي يعشقه فأبعدت يدها على الفور بتوتر؛ لذا أخذها إلى محل الذهب رغم اعتراضها وآخر الأمر اشتري لها سلسلة من الذهب تتدلي منها فراشة مزخرفة وخاتم بنفس الشكل، رغب بأن بشتري لها سوار أيضاً ولكنها رفضت وجذبته بالقوة ليخرج معها بينما هو يضحك عليها... & & & دخل عليها بأكياس المشتروات التي طلبتها منه قبل أن ينزل، رآها تعقد شعرها إلى الأعلى وهي تجلس القرفصاء بينما تنظر بتركيز إلى تلك الورقة التي ترسم بها؛ فقال : _ الإبداع يضرب برأسكِ.. هاجر!.. نظرت اليه بتفاجؤ وقد تملكها الارتباك والخجل؛ فأخفت الورقة وراءها، ثم قالت : _ ماذا؟!.. رأي حركتها وتوترها المفاجئ؛ فقال وهو ينظر إلى ما تخبئة وراءها : _ لا شيء!.. ما الذي تخفينه عني؟.. تراجعت بظهرها إلى الوراء بينما هو يحاول جذب الورقة، اعترضت : _ "زيكو"! .. انتظر حتى انتهى منها.. نظر إليها عزت.. طالما نادته بهذه الصيغة فهي رائقة؛ ابتسم أكثر وأخذ منها الورقة؛ ليرى ما الذي ترسمه، بينما هي احمرت وجنتاها خجلاً ووجهت نظراتها إلى الأرض بارتباك.. ابتسم عزت وهو يتأمل وجهه الذي رسمته ببراعة رغم أنها لم تلونها بعد إلا أنها جعلت قلبه يخفق بشدة، ثم انحني أمامها ونظر إليها بعشق بالغ منه لأول مرة!، جعلها تغرق في بحر نظراته تلك، وبعد لحظات كان الصمت فيها سيد الموقف، نطق قائلاً بندم وهو يتحسس كفيها : _ هاجر.. أنا ثور.. نظرت إليه بتعجب؛ فقال : _ أجل.. هذه هي الحقيقة.. لقد كنت صغيراً عندما مات أبي.. لهذا تركت الدراسة لأجل العمل.. أقسم لكِ أنه لم يرحمنا أحد.. الجميع دعسوا فوق رؤسنا بينما نحن نُسحق بصمت.. ولكي أستطيع العيش وسط هذا المجتمع.. كان على أن ألا أتعامل برحمة.. حتى نسيتها.. وبعدها رأيتكِ وكأنك تعتذرين لي عن كل ما رأيته في حياتي.. كنت تضمدين جراحي يومياً الواحدة تلو الأخرى.. ولكنني في المقابل جرحتكِ كثيراً.. وعاملتكِ بقسوة.. أنا أكبر ثور مغفل قد ترينه في حياتكِ.. تنهد بعمق وأردف برجاء : _ أيمكنكِ أن تسامحيني..؟ نظرت إليه بتفاجؤ إلى أن استوعبت أنها لا تحلم، فانطلقت طبول قلبها تقرع فرحاً وهي ترنو إليه بعشق وابتسامتها تتسع شيئاً فشيء، ثم قالت : _ عزت.. أنا أحبك كثيراً.. وكل شيء فيك يخصني وحدي حتى قسوتك هي ملك لي وحدي.. مهلك!.. أتطلب السماح من قلب عشق قسوتك قبل حبك؟!.. من قلب لم يغضب منك يوماً حتى يسامحك؟!.. أخجلته بحديثها فأطال النظر إلى وجهها، ثم سأل بدهشة : _ رغم قسوتي؟!.. رغم كل ما جعلتكِ تعيشينه؟!.. تنهدت بدموع، وقالت : _ أنت أعطيتني الأمان.. أعطيتني العائلة.. ملئت الفراغ الذي كان بداخلي.. رغم قسوتك رغم عصبيتك لم تكسرني كما فعل معي الجميع.. لم تجعلني يوماً أحمل همَّ الغد.. طالما أنت معي كل شيء سيكون بخير.. تأمل نظراتها البريئة.. أدرك أن رحمة الله قد تتمثل لك في شخص ينير حياتك بل ويحولها للأجمل ، طبع قبلة على يدها وجذبها إلى أحضانه ثم ضمها بقوة وكأنه يريد أن يخبأها داخل أضلاعه من ذلك العالم القاسي الذي واجهه منذ صغره، بينما هي حمدت ربها كثيراً وشكرته لأنه أخيراً قد لان لها وأخذت تدعو بأن ينعم على عائلتها الصغيرة بالخير دائماً... & & & قابلهما أثناء سيرهما مصور فتوجرافر فطلب منه صاحبنا أن يلتقط لهما بعض الصور التذكارية، وبالفعل التقط لهما بعض الصور المرحة خاصة بعدما أخذ مراد " طربوشين" من الرجل وقاما بوضعيات تصوير كوميدية لدرجة ان كل من حولهما كانوا ينظرون إليهما بضحك.. وبعد فترة طويلة من المرح والحديث الذي لا نهاية له كانا في طريقهما إلى المنزل، ابتسمت بخجل على إحدى دعاباته؛ فجاءهما صوت أحدهما معقباً : _ يالا جمال ضحكة تلك القمر!.. ليتها زوجتي أنا.. قطعت تلك العبارة حوارهما اللطيف؛ فتحول وجه صاحبنا إلى الأحمر وقد أكلته الغيرة بالإضافة إلى حمية رجولته التي لم تتحمل وتركها، ثم وقف أمام الرجلين وقال : _ ماذا قلت؟!.. نظرا إليه بسخرية ودفعه أحدهما في صدره قائلاً ببجاحة : _ ما سمعته يا صاحبي.. ألديك مانع؟ ضحكا سوياً بينما مراد يصك أسنانه وينظر إليهما بهدوء ، أمسكت أمينة بيد مرتعشة ذراعه وهي تقول بخوف مما قد يحدث : _ مراد!.. هيا لنذهب.. لنذهب أرجوك.. ضحكا مجدداً بسخرية أكبر، وقال الآخر : _ لا تقلقي.. سنتركه لكِ على قيد الحياة.. أظلمت نظرات مراد أكثر، ثم التفت؛ لينظر إليها فازداد خوفها فمن رؤية وجهه تتوقع أن القادم لن يكون خيراً، خلع مراد ساعته أعطاها لها وكذلك هاتفه، قائلاً : _ اهتمي بالساعة.. انها هدية من أمي.. وكان هذا آخر ما قاله قبل أن ينقض على الشابين لكماً بيديه وركلاً بقدميه؛ فقام أحدهما بجرحه في رقبته بآلة حادة ولكن ذلك لم يمنعه من ضربهما بكل ما أوتي من قوة، وبعد فترة أبعده الناس عنهما؛ ففرا هاربين من أمامه، بينما وقف ينظر إليهما وصدره يعلو ويهبط، كان يرمقهما شذراً عندما أمسكت أمينة يده بقوة؛ فنظر إليها ورأى ذلك الخوف في عينيها، لذا بطريقة لا إيرادية أحاط كتفيها بذراعه وسط الموجودين وأخذها بعيداً عنهم ليستكملا الطريق إلى المنزل... سارا بصمت بالرغم من ذلك شعر بخوفها تحت ذراعه، وعندما شعر بها تنسحب بعيداً عنه أبعد ذراعه وتمسك بيدها بقوة وكأنما يريد أن يخبر الجميع بأنها تخصه هو وحده؛ ذلك ما جعلها تنظر إليه بتمعن.. كانت قسمات وجهه حادة بينما لمسته حنونة.. كيف يكون هكذا في آن واحد؟!.. لا تريد أن تتعلق به أكثر!.. كلما تأخذ خطوة بالابتعاد عنه تعود بعدها عشر خطوات إلى الوراء!.. يا الله!.. كيف لي أن أجعل قلبي يتوقف عن حبه؟!.. وكيف لي أن اقنع عقلي بعدم التفكير فيه.. هذا كثير!.. أشعر أنني سأجن !.. _ ماذا ؟! التفتت إلى مراد الذى سأل بعدما سمع آخر جملة قالتها؛ فقالت : _ امممم.. ماذا؟! لانت قسماته قليلاً وهو يرى طفلته تطل في عينيها؛ فرفع حاجبيه وهو يقول : _ لقد قلتِ شيئاً !! .. من ماذا ستجنين؟! قالت باستتنكار وهي تنظر إليه محاولة إخفاء حرجها : _ هل.. هل قلت أنني سأجن؟!.. _ أجل! استحال لونها إلى الأحمر من الاحراج.. أنت دائماً هكذا تحرجني بأسئلتك التي لا أستطيع الإجابة عليها!.. بماذا سأجيبك أنا الآن؟! فرقع بإصبعيه أمام عينيها قائلاً : _ حسناً.. هل أنتِ هنا؟! أجابته بتوتر : _ آه؟.. أجل!!.. أنا كنت أفكر.. التقط ما قالته على الفور، وقال مشاكساً : _ كنتِ تفكرين.. بمن؟! _ بمن؟! _ أنا أسئلكِ !.. _ أجل.. كنت أفكر.. لا لم أكن أفكر.. نظر إليها بهيام بينما هي أخذت تفكر حتى قالت : _ آه!.. ذلك الرجل.. الذي قابلناه في المترو.. _ مابه؟.. استكملا سيرهما بينما قالت بجدية : _ كنت أفكر فيما قاله وما يفعله.. هل يعقل أن يكون هناك من يحب زوجته إلى هذا الحد؟! حمقاء!.. بعد كل ما أفعله لأعبر لك عما بقلبي تسألين؟!.. أين كان عقلي حينما أحببت تلك الفتاة المجنونة؟! كتم غيظه ولم يرد عليها؛ فاستطردت : _ كل فتاة تتمنى لو يكون لها زوج مثله.. نظرت إليه، ورأت غيظه واضحاً على وجهه؛ فقالت باستفزاز : _ من يعلم؟.. ربما يوماً ما بعد انتهاء اتفاقنا أجد زوجاً مثله.. أحبه ويُحب....... لم تكمل جملتها فقد أزاد إحكام قبضة يده على يدها وهو يديرها بغضب؛ لتواجهه، فنظرت إلى وجهه بخوف من نظراته النارية، ضغط فوق أسنانه بشدة فبرزت عروقه بشدة، ثم قال بغضب مكتوم : _ ماذا قلتِ؟!.. لم تكن تعلم أن جملتها ستغضبه وتجرحه إلى هذا الحد؛ فقالت : _ كما سمعت..لماذا تسأ..... توقفت عن الكلام وقد رأت الجرح الذي أصابه في رقبته؛ فقالت بلهفة وهي تقترب لتضع يدها الأخرى على رقبته : _ ما الذي أصابك.. أنت تنزف!.. قاطعها وهو ينظر في أعماق عينيها؛ قائلاً بجمود رغم ما بداخله : _ لو كنت تريديني أن أصدق أنكِ لا تحبينني فلن أفعل.. لأن حبكِ لي واضحاً يا صغيرتي مهما أبديتِ العكس.. وأنا لو لم أكن أعلم هذا ما كنت فرضت عليكِ حبي أبداً.. ولهذا لا تختبري غيرتي ولا صبري .. يمكنني أن أصبح مجنوناً إذا تعلق الأمر بمن أحب.. لذا أرجوكِ توقفي عن هذا.. أشار إلى سيارة أجرة؛ لتقلهم، وركبت بجانبه، كان اختباره ناجحاً فهو حتى في أقصى درجات غضبه وغيرته لم يأذها جسدياً أو لفظياً، ورغم ما بداخله تمسك بكفة يدها بلين وكأنه يخبرها أنه لن يترك يدها مهما حدث ومهما غضب منها.... & & &
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.