الفصل الرابع: أيعقل أن يكون هذا.. الجزء الثاني.

26 8 8
                                    

ذهبا إلى المكتب وعندما وصلا أستدعى عاصم والدة إسماعيل طليق المجني عليها، كانت موجودة
بالميعاد كانت سيدة في أواخر الأربعينات يظهر على وجهها التجاعيد من الواضح أنها تحمل الهم مذ كانت شابة، مقوصة الظهر تسير على عصى خطواتها بطيئة نظرا لسنها واضح أنها
تعانى من الأمراض الكثيرة، ليتك هنا يا ليلى لكى تقومي بعملك بدلا مني في بعض الأحيان تحليلاتي تكون صحيحة والأكثر تكون خاطئة، تحدثت السيدة وقالت بنبرة يصحبها القلق: أنا فوزية ياباشا جدة البنت المختفية من 3 شهور، ثم تسألت بأمل: لاقيتوا منة؟
أجاب عاصم بهدوء: لا، أخر مرة شوفتيها كانت فين وأمتي؟
قالت فوزية وهي تعتدل في جلستها وتخبط على قدميها وبدأت في البكاء: البت ضاعت البت ضاعت
حاول عمر تهدئتها وبالفعل هدأت قليلا فكرر عاصم سؤاله: أخر مرة شوفتيها كانت فين وامتي؟
قالت فوزية بخفوت وهي تنظر بتردد لعاصم: كانت مع أمها الله يسامحها
حاول عاصم ربط الخيوط ولكن هناك شئ ناقص فقال لها وهو يحاول أن يأخذ أي معلومة جديدة: أحكيلي من الأول، بس من الأول خالص من أول حفيدتك وامها..
تنهدت فوزية وقالت: هحكيلك ياباشا.. أنا أتجوزت وأنا صغيرة كنت عيلة يجي 16 سنة جوزي ميت من 18 سنة وأنا كنت لوحدي بتلت عيال الكبير فيهم 13 سنة وأنا ست يعني مش مكملة تعليمي يعتبر معايا أعدادية خليت الولدين ينزلوا يشتغلوا وأنا والبنت كنا بنفصل هدوم ونبيعها وبعديها هي أتجوزت وعماد بردو أتجوز بس كان سافر المنصورة وأوقات كان بيرجع مع مراته وعياله بس يعتبر مبقاش في حد غير إسماعيل فجأة ربنا فتحها عليه أشترى حتة أرض وبنى عليها البيت بتاعنا 4 ادوار دور ليا ودور ليه ودور لأخوه ودور لأخته بس محدش بيجي غير قليل فأجرت الدورين، دور لراجل ومراته ودور بأجره لطلبة وبعدها إسماعيل بقي صاحب موقف العمرانية وبعدها قرر يتجوز اللي الله يسامحها اللي اسمها سماح أول خلفة، وأردفت بفم معوج يدل على الحسرة: كانت بنت قولنا عادي، ثم أكملت بنبرة عادية:
تاني مرة حملت ابنها مات جوا بطنها تالت مرة حملت جابت عبدالله 3 سنين.. قاطعها عاصم بسؤاله وهو يضيق عينيه: وهو فين؟
أجابت فوزية بهدوء: عندي، سماح قبل ماتهج كانت سيباه عند الست اللي أنا مأجرلها هي وجوزها
سألها عاصم بتعجب: هو أنت عارفة سماح فين؟ أجابت بغضب: هربانة من بيت أهلها وخدت البت معاها.
قال عاصم بهدوء وهو يرى تحول تعابير وجهها للصدمة: سماح ماتت، مقتولة متقطعة، مش هربانة زي مأنت بتقولي..
بدأت السيدة بالنظر حولها بندم وتوتر وبدأت بالأستغفار ندما على ما قالته وقالت بقلق وهي ترجو أن يطمئنها: طيب ومنة؟
قال عاصم ببروده المعتاد: لسه ملقينهاش، احنا جبناكي بس النهاردة علشان نشوف أخر مرة شوفتيها أو كلمتيها كانت أمتي، ثم أكمل بأبتسامته الساخرة: بس واضح إن معندكيش المعلومة، لما نحتاجك في حاجة هنكلمك أمضي على أقوالك.. بعد خروجها سأله عمر بضجر: هنعمل ايه؟
قال عاصم متجاهل سؤاله: جبتوا إسماعيل؟ نفي عمر برأسه ولكنه قال شئ جعل وجه عاصم يبتسم أبتسامة أنتصار خبيثة.. فلاش باك.. كان عاصم وعمر في الطريق يحدثا ليلى ومصطفى في مكالمة جماعية قال عاصم بتفكير: أنا حاسس الست دي مش هتفيدنا بحاجة قال عمر بقلق: طب هنعمل ايه أحنا كمان معرفناش نوصل لإسماعيل دا قالت ليلى بعد تفكير: طب ماتخلوا الست عندكوا أبتسم عاصم على هذه الفكرة وأيدها مصطفى بقوله: فكرة، كده لو مستخبي أو قلقان هيطلع
حتى لو مش عاملها. قال عمر بتمثيل عدم فهم: ممكن توضيح راعوا إني لسه رائد مبفهمش الحاجات دي أسكته عاصم ب: شششش
عودة للحاضر.. عمر بأبتسامة: لاقينا أخر رقم كلمها كان في الشارع فكده معناه أن مسيره يطلع.. عند ليلى..
كانت تستعد للذهاب مع مصطفى لزيارة طه وحتى الأن هي لا تعلم أنه والد عاصم، كان مصطفى يجلس مع والدتها بالأسفل يتحدثا عن ليلى وأبدت والدتها أعجابها بمشاركة ليلى في الجرائم وبالطبع شكرت مصطفى وكان رده: ليلى دي زي بنتي هي تستحق دا.
وبعد الكثير من الحديث عن كيف عمل والدها وكيف يسير وعن الحياة عموما وكيف يعيش الحياة بمفرده فبعد موت زوجته وهو لا يفعل شئ سوى العمل فقط ولم يرزقهما الله بطفل فكانت زوجته هي كل حياته وعند رحيلها تأثر للغاية ولكنه قرر أن يعود ليمارس حياته الطبيعية وهو يشعر دوما بأن روحها حوله تشاركه كل خطواته كما أعتادا سويا مشاركة كل شئ خطوة بخطوة..
في الطريق..
كانت ليلى تتأمل الطريق مع أغنية لكوكب الشرق سيرة الحب وهي مستمتعة بها للغاية وتقول في داخلها: قد ايه مزاج أستاذ مصطفى رايق وخطر على بالها سؤال فقالت وهي تنظر لمصطفى بشغف: أستاذ مصطفى هو حضرتك بتواجه أي حاجة بتضايقك أزاي؟
ضحك مصطفى وقال وهو ينظر للطريق: زي مأنت سامعة كده بأغاني الست أو العندليب أو الجميل عبد الوهاب وبدأ في دندنة الأغنية: لا أنا قد الشوق وليالي الشوق ولا قلبي قد عذابه
ثم نظرت ليلى للطريق وعند بداية الست في قول: وقابلتك أنت، لقيتك بتغير كل حياتي، معرفش أزاي، حبيتك.. معرفش أزاي! ياحياتي، تذكرت عاصم!
بالفعل هو غير حياتها، هما يعرفا بعضهما منذ حوالي ثلاثة أشهر تقريبا هي تشعر أنها تعرفه منذ زمن كأنهما أصدقاء منذ سنوات وليس مجرد أشهر، أوقعت في حب هذا الضابط المتعجرف غريب الأطوار الغامض؟ أم إنه مجرد إعجاب فقط وسيزول مع مرور الوقت!
وعند انتهاء أم كلثوم من الكوبليه كانا قد وصلا للمكان المقصود منزل طه. عند عاصم..
لا يتذكر متي أخر مرة نام بها، يشعر وكأنه لم ينم منذ قرن فقال لعمر بتعب: بقولك ايه أنا هروح شوية ولو حصل جديد أو جبتوه كلمني
قال عمر وهو ينظر له بقلق: أنت كويس؟ شكلك عامل كده ليه
قال عاصم بهدوء ينافي طبيعته وهو ينهض: عايز أنام بس، يلا سلام
وبالفعل تحرك للمنزل وهو في الطريق وجد هاتفه يرن برقم مجهول أجاب بعدم تركيز وقال: الو؟
أجاب المتصل: أزيك ياعاصم؟
تردد في الرد يشعر أن الصوت مألوف ولكنه لا يستطيع تحديده فهو لا يستطيع التفكير بشيء سوي السرير الأن فقال: الحمدلله، معلش مين معايا؟
قال المتصل بتردد: أنت مش عارفني؟
تعجب عاصم وقال: معلش مش واخد بالي فأعاد السؤال فأجاب المتصل بهدوء: أنا مها.. مامتك ياعاصم
في هذه اللحظة ندم على الرد وقرر أن يغلق المكالمة ولكن استوقفه صوتها وهي تقول برجاء: ممكن متقفلش وتسمعني؟
كان قد وصل عاصم ويركن سيارته فقال وقد وصل إلى ذروة غضبه: أنت عايزة ايه تاني؟ مش كفاية اللي عملتيه ايه مكفكيش إني أكبر من غير أم؟ سبتيني أنا وأبويا سنين وجاية دلوقتي عايزاني أسمعك؟ عايزاني أسمع ايه ؟ قد ايه أنت أم مضحية وضحيتي بحياتك علشان أعيش كويس ولا أنك سيبتي طفل مكملش الخمس سنين علشان شوية أفكار في دماغك ملهاش لازمة بقولك ايه يا مام، قطع بقية الكلمة وأردف بغضب: أنت حتى متستهليش أني أقولك الكلمة دي حتى لو بالغلط أنسي أن ليكي ابن وأياكي تتصلي بيا تاني مفهوم؟ وأغلق المكالمة وحاول لفظ أنفاسه وتنظيمها حتى لا يظهر عليه شيء فهو لا يريد والده أن يعرف حتى لا يحزن ولا يظل يلومه على طريقته فهي في الأول والأخير والدته..
صعد لمنزله وهو يفتح الباب سمع صوت والده عالي يضحك ومن الواضح أن معه ضيوف تأفف عاصم وقال بداخله: مش وقته خالص وعندما دخل تفاجأ بمن هنا..
منذ قليل في منزل طه..
صعدت ليلى برفقة مصطفى وطرقا على الباب فتح طه بترحاب وقال وهو سعيد: أخيرا شوفتكوا، وأشار بيديه للدخول وهو يقول: أتفضلوا
أبتسمت ليلى وقالت وهي تدخل مع مصطفى: اهلا يا سيادة اللواء ضحك طه وقال: دا أنت ُمصرة بقي قال مصطفى وهو يشير على ليلى: هي ليلى كده مبتعرفش تتكلم من غير ألقاب
كان طه يدعوهم على المائدة ويقول: تعالوا طيب نتغدى وبعديها أنا هحل موضوع الألقاب دا قال مصطفى بتعجب: الله مش هنستني عاصم؟
خفق قلبها وتوترت وقالت بداخلها: عاصم؟ عاصم من؟، اهدأي يا ليلى أليس هناك سوى عاصم المتعجرف أتعلمين كم عدد سكان مصر؟ وكم أحد بها ُيسمي عاصم كفي هراء أرجوكي أستمتعي.. بالفعل نفضت تلك الأفكار وأستمعت لحديثهما وهما يسيرا للمائدة وكان يقول طه بآسى: أتعودت إن مواعيده ملخبطة فبقيت على طول باكل لوحدي ثم نظر ل ليلى وقال وهو مبتسم: بس من النهاردة أنا هاخد منك ليلى وتيجي تاكل معايا على طول
أبتسمت ليلى فهي تشعر بالراحة في الحديث معه فهو شخص ودود وفي سن والدها ولكنه يذكرها بجدها كثيرا فهو كان يمتاز باللطف مثله وحنون، كان جدها يفضلها عن البقية ويحبها للغاية لذلك بدأت بالتعامل معه كأنه فرد من العائلة، ظلت تتحدث معه عن الجرائم وعن الضابط المتعجرف الذي يظن نفسه شارلوك هولمز ضحك طه على هذا التشبيه وشعر أنها توصف عاصم ابنه لكنه تسأل بينه وبين نفسه أيعقل أن عاصم تعامل مع امرأة وهي تحملته ؟ إذن لماذا لم يخبرني؟ وفجأة فتح أحدهما الباب ودخل وكانت المفاجأة بالنسبة ل ليلى.. أنه هو، الضابط المتعجرف التي نعتتهُ منذ قليل بشارلوك هولمز عاصم..
قال مصطفى بترحاب: أهلا ياسيادة المقدم، وأكمل بمزاح: تعالي حماتك بتحبك..
كان يبتسم فقط لم تنبث منه كلمة، و طه كان يراقب الموقف أما ليلى فكانت تنظر له بصدمة، لم تتوقع أنه هو عاصم ذاك العاصم الذي يعمل معها هذا هو ابن السيد طه؟ كيف؟ فكان يصفه منذ قليل بانه صعب قليلا ولكن كما قال" عامل زي البلسم اللي بيتحط على الجرح يطيب " كيف يا سيدي، عاصم بلسم؟ هذا الساخر بلسم؟ قطع هذا الصمت عاصم بقوله: أهلا يا مصطفى ونظر لتلك التي لازالت لا تستوعب أنه عاصم هو عاصم وقال بأبتسامة: أزيك يا ليلى
فاقت ليلى من الصدمة ولكنها أكتفت بايماء بسيط فقال طه وهو يرى تلك الأبتسامة التي تعلو وجهه: تعالي كل أكيد مكلتش من الصبح ومسحول..
كان يجلس عاصم معهم على المائدة وكانوا يتجاذبوا أطراف الحديث فسأل مصطفى وهو يلوك الطعام: قولي ياعاصم عملت ايه في القضية ؟
_ لسه مستنين الفرج
قالها بيأس وهو ينظر للطبق ولمصطفى، قال طه وهو ُيعرف ليلى لعاصم: ليلى دي العالمة الجنائية، هز رأسه وقال بهدوء: أهلا يا أنسة ليلى
تعجبت من هذا الكائن، أقال أنسة؟ أنسة من ؟ أنا ! هل أقول له أستاذ، وقطع حبل أفكارها طه وهو يوجه حديثه للجميع: أنا بقالي كتير مكنتش قابلت حد بيشتغل في الأدلة الفنية، أنتوا عارفين زمان كانت تحليل الشخصيات والتحليل النفسي كان بيبقي عنصر مهم جدا في القضية بس معرفش ليه بطلوا الموضوع وبقوا يعتمدوا على المادية بس ولما الأدلة المادية متكونش كافية يأيدوا القضية ضد مجهول، قليل لما يقولوا هنستعين بطبيب نفسي أو عالم جنائي
قال مصطفى بعدما أنهي الطعام: عندك حق والله ياطه، بلاد برا بقي عندهم جزء مهم جدا أنهم يستعينوا بالأدلة الجنائية ولازم يجيبوا طبيب نفسي ويحلل التحقيقات يحللوا الأدلة ويتوقعوا اللي حصل مع المجني عليه، وافقه طه على هذا وكان تعليق ليلى الأول منذ دخول عاصم:
مؤخرا بقوا بيهتموا بالأدلة الجنائية والفنية في معظم الجرايم حتى في التعليم، أثارت فضولهم فأكملت وهي ترى الفضول في عينيهم: كلية علوم على سبيل المثال في قسم اسمه أدلة جنائية بيختص في البصمات وتحديد الهوية والمنصة البيومترية وكلية أداب علم نفس في سنة بيدرسوا فيها علم نفس جنائي، يمكن فرص الدبلومة لسه مش متوفرة في أماكن كتير ومش معترف بيها بس ليها وجود، وافقوا جميعا على كلامها فأكمله عاصم بهدوء وهو ينظر لها: وقضية سفاح الجيزة أتحلت معظمها بأستعانة طبيب نفسي
_ بس بعد ايه، بعد ما أرتكب جرايم كتيرة
كان هذا رد طه وهو يلوي فمه في تهكم ولكن أعترض مصطفى قائلا: بس دي يعتبر من الجرايم اللي أعترفوا فيها بأن لعلم النفس ولتحليل الشخصيات دور، قطع طه النقاش وقال وهو ينهض: معاد الشاي ثم سأل ليلى: سكرك زيادة صح؟ اومأت ليلى و أضاف مصطفى وهو ينهض معه: هاجي أساعدك، تبقي عاصم وليلى على الطاولة نظرا لبعضهما البعض وضحكا وقالت ليلى لأول مرة بمزاح: أزيك يا أستاذ عاصم؟
نظر لها بلؤم وقال بأبتسامة صفراء: أهلا يا أنسة ليلى.
بعد حوالي ساعة من تلك الجلسة والشاي الدافئ بالنعناع الذي أعداه طه ومصطفى، قرر مصطفى النهوض والرحيل، قاطعهم عاصم وقال: أنا هوصلها وقبل أن يقاطعه مصطفى قال بعاصم بتحجج: أنت بيتك هنا خطوتين، أنا كده كده نازل، نظر طه لمصطفى بمعني أتركهما بالفعل تركمها وذهبت ليلى مع عاصم وظهر شبح لأبتسامة على وجه طه.
في الطريق.. سألته بجرأة غير معهودة منها: مقولتش ليه أننا نعرف بعض؟ _ ومقولتيش أنت ليه؟
قالها ببجاحة وعينيه مثبتة على الطريق، لم تعرف أن ترد فقالت بصدق: علشان مكنتش أعرف أنه باباك.
نظر لها ثم للطريق فأكملت: ومكنتش أعرف أنه بيقول عليك أنت، أنت بلسم تتحط على الجرح يطيب؟
ضحك عاصم وسأل: هو قالك كده؟ اومأت برأسها فقال بأبتسامة: أصيل ياحاج، ثم عادت ملامحه للجد وقص عليها ماحدث في التحقيقات فقالت هي بهدوء: هيطلع متقلقش، كل تأخيرة وفيها خيرة، تمتم بهدوء: يارب.
وصلا المنزل وقبل أن تخرج من السيارة وجدت هاتفه يرن وملامح وجهه أنكمشت، رد وأنتظر المتصل ينهي كلامه، كانت ترى ملامح وجهه تتحول من الأنكماش إلى الذهول وأغلق مع المتصل وقال: لاقينا جثة البنت.
الأن نحن في مسرح الجريمة و ُجدت الجثة في مكان نائي كانت ملفوفة في كيس كبير، النظرة
الأولى تحكي عن ما مرت به تلك الجثة، الكثير من العلامات الزرقاء متفرقة حول جسدها  كأنها تجمعات دموية، وكان هناك أثر خنق حول رقبتها ولكن ما هو سبب الوفاة، أهو الخنق؟ الأعتداء؟ أم شيء أخر نجهله؟، هذا ما سيحدده دكتور أشرف، ذهبت أنا وليلى عندما أتت لي تلك المكالمة ظللت أسمع ثرثرة بعض الرجال أنتظر معلومة جديدة ولكن المعتاد: هناك علامات خنق حول العنق ولكن لم نتوصل بعد لسبب الوفاة الحقيقي، كان الفريق يعمل ببراعة لا ُيفوت شيء خاصة بعدما غادر ذلك الفريق الأول الذي لم يلاحظ سيجارة سارة الشامي أتتذكروها؟ أما ليلى لم تنفك على ملاحظة أي شيء غريب، حتى أنها كانت تلاحظ النمل الذي يسير على الأرض، ولكن لحظة لحظة أهذا .. ولكن بالطبع ليلى سبقتني كان هناك منديل ورقي عليه بعض قطرات الدم ونادت الفريق أما أنا فلاحظت شيء من الواضح أن لا أحد كان سيلاحظه، هناك كاميرات مراقبة على الطريق السريع سيكون من حسن الحظ أذا كانت تعمل، ناديت على رفعت، إنه زميل لي وقُلت له على الكاميرا وأمرتُه بأفراغ محتوياتها لعل وعسى أنها تحتوي على لقطات تلك الجريمة ونقبض على الجاني، أتت مكالمة أخرى لي، أصبحت أتشأم كلما رن هذا الهاتف اللعين، أجبت وأنا أنتظر المتصل على احر من الجمر فقُلت بهدوء: أتكلم
_قبضنا على أسماعيل ياباشا ودلوقتي أحنا في طريقنا للقسم.
أبتسم عاصم بخبث، أستغربت ليلى من تلك الأبتسامة ولكنها تعلم معناها جيدا وعلى حسب تحليلتها أن شيء جيد يحدث في تلك القضية، أقترب عاصم وقال وهو ينظر لها: قبضوا على أسماعيل واكمل وهو يتحرك: يلا نروح نحقق معاه، ثم نادي على رفعت وقال له: تقرير الطب الشرعي اول مايطلع يوصلي وتفريغ الكاميرات كمان اومأ له رفعت في هدوء، ركبا الأثنان السيارة وشرعت ليلى في الحديث في الهاتف مع والدتها، كانت الساعة تقترب للعاشرة فقالت لها: أنا هتأخر شوية حصل جديد في القضية ولازم أكون موجودة أتعشوا أنتوا، بالطبع والدتها تعلم موضوع تلك القضية التي تشارك فيها مؤخرا وكانت تثق بابنتها، صحيح أن علاقتهما ليست أفضل شيء ولكنها على الأقل مستقرة، كان الطريق صامت لا شيء سوى موسيقي
الجاز كانت ثالثهما في تلك الجلسة الصامتة، قطع هذا الصمت عاصم كان يقول وهو ينظر للطريق: تفتكري قربنا؟
نظرت له ليلى في تردد فهي ليست بخبرته لكي تحكم على القضية بالكاد هي شاركت في قضيتان وربع قضية إذا صح المعني وها هي قضيتها الثالثة يعتبر فقالت بهدوء بعدما أسكتت تلك الفوضي التي بداخلها: أنت أدري
نظر لها نظرة ذات معني ولكن أي معني هي تستطيع تحليل كل النظرات وكل أنش بأي شخص ولكنها تأتي عند عاصم وكأنها لم تدرس علم النفس طوال الست سنوات الاخيرة، أخيرا وصلا للمكتب وكانا يصعدا السلم وصلا، جلست ليلى على أريكة موجودة في مكتب عاصم وجلس عاصم على مكتبه يترأسه وطلب أرقام ثم: هاتلي أسماعيل يابني من عندك
مر دقيقة أثنان الباب يدق عاصم يدعو من على الباب للدخول دخل عسكري ومعه رجل من الواضح أنه في الثلاثينات ليس ضخم البنية ولكنه طويل جسده ليس برياضي ولكنه جيد لحمل جثة، يلف يداه بشاش طبي غالبا هو "أشول" لأن يده الملفوفة هي اليسرى، عينيه خضراء معلومة ليست مهمة، جلس أمام عاصم، أمام تلك نظرة الجد الممزوقة بسخرية تعلو وجهه قال في هدوئه المعتاد: أزيك يا أسماعيل
تعجب أسماعيل من هذا فرد وعينيه تجوب المكان وينظر ل ليلى في تردد ثم نظر لعاصم: بخير بخير ياباشا
سأله عاصم: أنت عارف أنت هنا ليه؟
نفي أسماعيل برأسه وقال وعينيه مثبتة: أنا فجأة لاقيت ناس جم بيقولولي انت أسماعيل عايزينك ولاقيتني بتسحل على البوكس وجيت هنا
قال عاصم في هدوء: أحنا دورنا عليك بس انت كنت مختفي فأفتكرناك هربان مثلا قال أسماعيل بدفاع: لا لا ياباشا أهرب من ايه بس أحنا ناس غلابة
قال عاصم بنظرة سخرية: لا مفيش طليقتك كانت مختفية من تلت شهور وبعديها لاقيناها متقطعة في النيل وبنتك مقتولة ومختفية ولاقينا جثتها النهاردة
كان مصدوم لا أحد ينكر ذلك، قال وهو يحاول أن يجمع كلامه: أنا عارف بنتي مختفية وأمي كانت عاملة محضر أختفاء، بس سماح معرفش حاجة عنها من يوم ماتطلقنا
نظر له عاصم بشك فأكمل: كنت مختفي فين من يومين؟
قال أسماعيل وهو ينظر له: كنت في سفرية شغل في بورسعيد ومن ثم أخرج تذكرتين كانت تذكرة قطار من القاهرة لبورسعيد نظر عاصم لها كالصقر يفحصها وكانت بتاريخ سفر من
يومين ذهاب وقطع تذكرة أخرى عودة، رفع سماعة الهاتف يطلب أحد وبعد ثواني دلف عمر، أعطاه عاصم التذكراتين وقال بجدية: أتأكد منهم اومأ عمر وخرج فقال عاصم لأسماعيل: كمل.
_بس ياباشا دا اللي حصل.
_كانت طبيعة علاقتكم ازاي؟
كان هذا السؤال صدر من ليلى الصامتة من بداية التحقيق
أستفسر أسماعيل بعينيه فقالت ليلى وهي تجلس أمامه: سماح
فقال بنبرة عادية: علاقة عادية زي أي اتنين متجوزين
أجابة لم ترضيها فقالت بكياسة: واطلقتوا ليه؟
أجاب بنفس النبرة وهو ينظر لها: متفقناش، أستحملتها كتير وزهقت فأتطلقنا
هذه المرة سأل عاصم: طب ومفكرتش في عيالكوا؟
أجاب وهو يعيد نظره لعاصم: عيالنا قولتلها هصرف عليهم ومقصرتش في حاجة لما كنت بتطلب حاجة للعيال كانت بتبقي عندها، ثم أكمل وهو ينظر ارضا: احنا ناس نعرف ربنا بردك
نظر عاصم ل ليلى ذات مغزي، فسألت ليلى إسماعيل وهي تترقب ردة فعله: تفتكر مين قتل بنتك؟
قال وهو مازال ينظر ارضا وأجاب بنبرة موشكة على البكاء: الله اعلم، حسبي الله في اللي يقتل بنت صغيرة لسه لا راحت ولا جت
دونت ليلى في مذاكرتها: متأثر بس مش مصدقاه في حاجة ناقصة، ثم نظرت لعاصم نظرة معناها: اضغط عليه فسأله: ليك عدوات أو شاكك في حد؟
هز إسماعيل رأسه نفيا وهو مازال يحدق في الأرض فزود عاصم العيار قليلا وقال وهو متوقع أن يثور من أمامه: كنت بتحب سماح؟
قال إسماعيل وهو يحاول التماسك: أكيد يعني ياباشا كانت مراتي وكان في بينا عشرة بردك بس لكل إنسان طاقة وهي كانت صعبة وطلباتها كتير مبتخلصش
وجد عاصم أن لا فائدة منه بعد العديد من الأسئلة لمدة ساعة لم يصل لشيء فأنهي التحقيق بـ: خلاص يا إسماعيل امضي على أقوالك
قام إسماعيل و وقع على اقواله وقال وهو يخرج: لو وصلتوا لقاتل منة ياباشا قولي ونبي
أوما عاصم في صمت وخرج إسماعيل، كان قد أرسل رفعت أن الكاميرات معطلة، لذا ليس هناك تفريغات، الساعة الأن الثانية عشر ليلا، تأفف عاصم وهو ينظر للسقف وقال ل ليلى: كفاية كده يلا نروح، اومأت برأسها ورحلا ليذهب كل واحد فيهما لمنزله ليأخذا قسط من الراحة قبل بداية يوم مليئ بالضجيج.
اليوم التالي..
أنتهت الليلة الماضية بصمت لم ينبثا بكلمة واحدة طوال الطريق، كانت طاقتهما أنتهت حتى جملة "تصبح على خير" لم يستطيعا أن يقولاها، كانا منهكان خاصة عاصم الذي لم ينم منذ حوالي يومان، في تمام الساعة العاشرة صباحا كانت أستيقظت ليلى وبدأت في روتينها المعتاد، هاتفت عاصم مرة وأثنان لم ُيجب، تأكدت بأنه مازال نائم ولكنها تريد أن تعرف ما حدث وتقرير الطب الشرعي، ثم تذكرت صلاحيتها وأنها تستطيع الأطلاع على كل هذا، لذلك قررت أن تذهب بمفردها لدكتور أشرف من المؤكد أنه توصل لشيء وقد كان، هي الأن أمام مكتب دكتور اشرف كالعادة مترددة وكانت قلقة من ردة فعل عاصم، ليلى أنت لكي صلاحية على الأطلاع على هذه الأشياء لن يحزن عاصم لما سيحزن؟ حسمت قرارها ودخلت بعدما طرقت الباب وقالت في هدوء: صباح الخير يادكتور
رحب بها دكتور اشرف وبعد الترحاب بها سألته: تقرير منة البنت الصغيرة طلع ولا لسه؟
أجابها بهدوء وهو يخرج بعض الورق من درج ما في مكتبه: ايوة وكمان دا تقرير مفصل عن وفاة والدتها أخذت الورق وبدأت في قرأته وأخرجت مذكراتها لتدون ملاحظاتها: الطفلة الصغيرة ذات الخمس سنوات ماتت أثر تناول مخدر "الحشيش" مما أدي لأرتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وتجمعات دموية وبعد الوفاة تم خنقها، شعرت ليلى بالأسف نحو الفتاة الصغيرة وتعجبت ما الذي أدى إلى وجود مخدر مثل هذا في محيطها؟، تركت الورق الخاص بالفتاة، وبدأت في قراءة تقرير وفاة سماح والذي كان ملخصه أنها ماتت أثر الأعتداء الجسدي والعنف مما أدي لكسر الجمجمة ومن ثم تم تقطيعها بعدة ثقيلة تقطيع بلدي، بعد الأنتهاء من تدوين ملاحظتها سألت دكتور أشرف في فضول: انتوا ملقتوش سلاح الجريمة، نفي برأسه ولم يضف معلومة جديدة لذلك خرجت من مكتبه وقررت أن تمر على عمر من المؤكد أنه علم بوجود التقرير الطبي، ذهبت لمكتبه وطرقت الباب سمعت صوت يأذن بالدخول، وجدها ليلى تعجب ورحب بها قال: ليلى هانم بنفسها اهلا اهلا، وأشار لها على المقعد وقال: أتفضلي، أكتفت بالأبتسامة تنحنح عمر وقال في مرح: عاصم لسه مجاش، تعجبت من أجابته تلك فهي لم تسأله فقالت في هدوء: ما أنا عارفة
فقال عمر وهو يغمز بمشاكسة: الله يسهله، ثم عاد لشخصيته الطبيعية وقال: يبقي في مصيبة ضحكت ليلى ضحكة بسيطة وقالت: أقوم أمشي ياعمر بيه ؟ قال عمر بتعجب: عمر بيه مرة واحدة؟، تعجبت ليلى وسألته: هو فيها حاجة؟
أجابها في تمثيل الحزن والتأثر: اللي يشتغل مع عاصم باشا ينسي الأحترام والله، كنت وردة مفتحة يلا الحمدلله، ثم سألها بطريقة طبيعية وهو يرفع سماعة الهاتف: صح تشربي ايه؟
ضحكت ليلى عليه فهي بدأت بالأعتياد على طريقته وقالت: لو ينفع شاي بلبن قال لها عمر في جدية: في كوفي مكس لو عايزة سألته الأخرى بجدية: بجد لو في يبقي كتر خيرك قال لها عمر: يا ليلى لو في شاي بالنعناع بنحس أنه فرح، كوفي مكس طموحك عالي أجابته بأنفة: أنا اصلا كنت عايزة شاي بلبن على فكرة تجاهل كلامها وقال لمن في الهاتف: أتنين لمون يابني وأغلق سماعة الهاتف و وجدها تحملق
فيه بتعجب فقال بأستغراب: ايه
ضحكت ثم تمتمت بـ: لا ولا حاجة، بدآ في تجاذب أطراف الحديث، عن القضية والعمل مع عاصم وتقرير الطب الشرعي، وفي الساعة الواحدة ظهرا كان قد آتى المنتظر، قرر أن يمر على دكتور أشرف ومن ثم يمر على عمر لميعادهم للذهاب لموقف العمرانية، بعد مروره على أشرف وأخذ التقرير ذهب لمكتبه بدأ بقراءة التقرير وتعجب من موت الفتاة الصغيرة، ما الذي سيجعل فتاة صغيرة لا تكبر عن الخمس سنوات تتناول مخدر الحشيش وإلى ماذا يرمز هذا؟، هل هي ُخطفت هي و والدتها؟ ولكن أعضائهم موجودة نعم سماح مقطعة ولكن الأعضاء موجودة إذن هي ليست عملية سرقة أعضاء، خطف وأغتصاب؟ لم يحدث أعتداء جنسي على كلتاهما فقط أعتداء جسدي بالضرب والعنف على سماح مما أدي لكسر الجمجمة مما أدي لوفاتها، إذن لم يظل إلا حل واحد وهو الأنتقام.. ولكن مهلا من سينتقم من طفلة صغيرة، آثار الخنق تدل على التأكد من قتل الفتاة الصغيرة، من سيريد أن ينتقم منها؟ أكانت سماح.. عندما ذهب خيال عاصم لهذا الحل أستغفر ربه وقرر الذهاب لعمر ليذهبا إلى وجهتهما، كانت المفاجأة عندما ذهب، أنه وجد ليلى..
بعد دخول عاصم، صمت كل من عمر وليلى وأنتظراه أن يقول شيء، كسر حاجز الصمت وهو ينظر ل ليلى بـ: صباح الخير
ردا عليه الرد التلقائي ثم سأل عمر عاصم في هدوء وهو ينهض من مقعده: قريت التقرير بتاع الطب الشرعي؟
اومأ عاصم بعدما حول نظره لعمر، أستاذن عمر ليرد على مكالمة هاتفية وبقا الأثنان معنا وكالعادة الصمت ثالثهما، قطع الصمت بسؤال على غير العادة: مقولتيش إنك جاية؟
أجابت هي بسرعة البرق كأنها كانت متوقعة هذا: وأنت مبصتش على موبايلك.
عاصم من النوع الذي لا يهتم بهاتفه عموما نادرا مايتذكره عندما يريد أن يهاتف أحد يتذكر فقط أن نعم هناك هاتف، أين هو، فقال بتبرير: أنت عارفة أني بنسي أبص عليه
نظرت له نظرة ذات معني منذ متى وأنا أعلم عنك شيء؟، تنحنح عاصم وقال بمشاكسة على غير عادته: خلاص عديها، نظرت له بتعجب وسألته: هو أنت كويس؟
اومأ برأسه بمعني نعم وسألها ببرود: ايه في حاجة في شكلي غلط؟
أبتسمت ليلى وقالت: لا خلاص كده أتطمنت عليك، تنهدت وقالت: أنا أتصلت بيك الصبح ولما مردتش عرفت إنك نايم وأنا كان عندي فضول أعرف اللي حصل واقرأ التقرير فجيت وقرأته وبعد ما خلصت قولت أجي أقعد مع عمر لحد ما تصحي وتيجي بس
أبتسم أبتسامة وسرعا ما أختفت وسألها في فضول: وأيه رأيك في اللي قرأتيه؟
بدأت بقص عليه ملاحظتها والتي كانت تتشابه مع أفكاره التي راودته، تذكر أن هذا اصلا عملها وأنها من تفكر كيف ولماذا حدث وظل سؤال يراودها لا تستطيع أن تجد له إجابة: ايه اللي وصل المخدر دا لأيد بنت عندها خمس سنين علشان تأكله؟، مازال عاصم لم يجد إجابة
لهذا السؤال ايضا ما الذي جلب المخدر للفتاة، لم يجيبها.. دخل عمر المكتب وقال لعاصم وهو ينظر لهاتفه: مش يلا ياباشا علشان نروح الموقف؟ نهض عاصم وقال: يلا، أستوقفتهما ليلى وهي تقول بجراءة غير معهودة: لا ثواني موقف ايه؟ أجابها عاصم بأستغراب: موقف العمرانية، ثم سألها بنبرة تهديد: ايه هتيجي معانا ولا ايه؟ شعرت ليلى بالقلق من نظرته ونبرة صوته وقالت وهي توجه نظرها لعمر: هو مينفعش اجي؟
ترك عمر الهاتف وسألها: هتيجي تعملي ايه يا أنسة ليلى هي رحلة؟، نظر له عاصم بفخر وربت على كتفه وأستدار ل ليلى وقال: مش رحلة هي يا أنسة ليلى، ثم تذكر شيء وقال بنظرة خبيثة: أنت كمان عندك شغل لازم تخلصيه، نظرت له بمعني شغل ماذا؟ فأجابها بهدوء يمتزج ببرود: تحليل التحقيقات اللي حضرتك محضرتيهاش عايز تقرير مفصل عن كل تحقيق ونظرتك عنه لحد مانرجع، وبدأ في السير هو وعمر في طريق الخروج ثم تذكر وقال: أه صحيح التحقيقات هتلاقيها في مكتبي، روحي وهما هيدخلوكي وهتلاقي التحقيقات على المكتب ومعاه كمان تقرير الطب الشرعي لو حبيتي ترجعي ليه ورحل هو وعمر وتركاها، تعجبت ليلى من طريقته تلك وظلت تتسأل في داخلها من هذا؟ أهذا عاصم أم أنه أصاب بالانفصام؟
في موقف العمرانية..
بعد أن أخذ الطريق حوالي ساعة ونصف للوصول دخل عمر وعاصم الموقف الخاص بأسماعيل لكنه كان غير موجود، سأصف لكم المشهد لتروه معي، مثل أي مشهد لموقف ميكروباص يمكن أن يخطر على بالك، الكثير من التباعين وكل أحد فيهم يقول وجهة مختلفة مثل: فيصل فيصل، شبرا رمسيس رمسيس، دار السلام دار السلام، والكثير من الوجهات الأخري، كان بحق من أكثر المواقف زحام نظرا لأن المكان اصلا به كثافة سكانية، نظر عمر لعاصم وسأله: هنبدأ منين؟
_ أنا هقولك.
تفرق عاصم وعمر وبدأ عاصم بالسير لأحد السائقين وسأله كأنه شخص عادي ونركز أنه كشخص عادي: تبع مين الموقف دا؟
نظر له السائق بقلق وقال بصراحة: تبع المعلم أسماعيل بس هو مش متواجد دلوقت يعني سعادتك، نظر له عاصم نظرة مسحية من أسفل لأعلى وقال له: هات رخصك.
أما عمر فوجد سائق يقف ولكنه لا ُينادي ولا هناك تباع له فقط الناس يسألونه و ُيجيب يا بنعم يا بلا ويصعدوا فسأله عمر: رمسيس يا أسطي؟
نظر له السائق بفقدان شغف وقال: لا العزبة لو عايز رمسيس المكروباص اللي هناك دهون وأشار له على مكانه، أخرج عمر علبة سجائر وعزم على السائق وسأله: أشمعنا العزبة يعني؟
أجاب السائق وهو يأخذ لفافة التبغ: مش بأيدي أختار، المعلم هو اللي بيقول وبيحكم، تشكر يا رياسة على السوجارة
اومأ له عمر وسأله عن اسمه فأجابه: رضا ثم سأله رضا وهو ينفس لفافة التبغ: الرياسة بقي مباحث ولا مخدرات؟
بعد مرور ساعة ونصف من البحث والتحقيقات القصيرة، والتي كانت تنقسم لطريقة عاصم كأنه شخص عادي كما تعلمون وطريقة عمر الودية لأخذ المعلومات، وجد عمر كاميرات مراقبة تعمل في الموقف لذا أتصل برفعت زميلهم وطلب منه تفريغ لها، وعاصم سأم من التحقيق مع السائقين، وجد مسجد قريب من الموقف قرر الذهاب له، دخل كان هذا وقت تأدية صلاة العصر، تودأ وصلى ثم أنتظر رحيل المصليين جميعا وذهب وجلس بجوار أمام الجامع، الشيخ رمضان، رجل في نهاية الأربعين، أمام لهذا المسجد منذ خمسة عشر سنوات، أقترب عاصم منه وقال: السلام عليكم
رد الشيخ رمضان وهو ينظر له: وعليكم السلام يابني، أتفضل
بدأ عاصم بسؤاله الأسئلة الروتينية منذ متى وأنت موجود في المكان، هل تعلم من يمتلك الموقف، حسنا كيف شخصيته، أجاب الشيخ: إسماعيل مبيفوتش فرض ماشاء الله يعني، على
طول بيجي هنا يصلي، أنا أعرفه بقالي 11 سنة وهو بني أدم كويس يعني، حسنا يا عاصم لا فائدة، لا دليل ضده حتى الأن، كما نقول "بني ادم ابيض" ولكن هناك ما يساور الشك، من أين آتى بكل هذا المال ليبني عمارة له ولأهله ثم ليأخذ الموقف ويكون ملكه! هناك شيء ناقص..
في المكتب..
عندما رحل عاصم وعمر ذهبت ليلى للمكتب، تركها العسكري تدخل فهو يعلم أن لها إذن الدخول من قبل عاصم، دخلت في تؤدة أضأت المكتب لأول مرة تتأمل المكتب، أغلقت خلفها الباب، غرفة مكتب عادية ولكنها تحتوي على لمسات شارلوك هولمز الخاص بها، جلست على مقعده المريح المتحرك، ألقت نظرة على المكتب، مكتب ممل، يوجد عليه الأوراق التي أخبرها عنها، التحقيقات، وتقرير الطب الشرعي و.. لحظة، أهذه؟ إحدي روايات أحمد خالد توفيق العدد الخاص لما وراء الطبيعة كانت تنقص مجموعتها لتكمل كل أعداد ما وراء الطبيعة، تصفحت العدد، بداخله وريقة صغيرة تحتوي على بعض الكلمات، بخط رقعة منمق، مضمونها: كده أنت قفلتي الأعداد كلها، يلا ابدأي شغل.
كانت تشعر بالأستغراب من أين علم أن هذا العدد بالذات ينقصها، تذكرت لقد أخبرته ذات مرة، فلاش باك..
كانا يتحدثا عبر مكالمة هاتفية في الصباح وهو في الطريق للمكتب وهي تركض حول منزلها، كانت تخبره عن مدى حبها لد. أحمد خالد توفيق كان رده: على كده أنت عندك كل كتبه والأعداد بتاعت رواياته
أجابته بحزن: لأ للأسف مش كلهم، في حاجات مش موجودة إلا بنسخ قليلة، وفي حاجات مبقتش موجودة اصلا ودي لازم أروح دار النشر علشان أقولهم عليها وحاجات كتير كده
سألها بفضول: يعني أنت معندكيش كل ما وراء الطبيعة؟ أجابته وهي تتذكر: تقريبا عندي كلها، ثم تذكرت: ماعدا عدد من الأعداد الخاصة.. عودة للحاضر.. شعرت بالأمتنان لما فعله، أمسكت هاتفها وأرسلت رسالة له مضمونها: شكرا على العدد
الخاص.
ثم قالت لنفسها بحماس: كده نشتغل بقي، ثم بدأت بقراءة التحقيقات جميعها، من أول والدة سماح حتى ماتت، والد سماح، السيدة العجوز، نوح، والدة إسماعيل، وأخيرا التحقيق الذي حضرته مع أسماعيل، قرأته بالذات عدة مرات وظلت تحاول تذكر ملامح وجهه، ايمائته، نبرة صوته، حتى تتوصل لشيء، لاحظت أنه كان في التحقيق أغلب الوقت ينظر للأرض، مهما تم الضغط عليه، لا يتأثر إلى حد الأنهيار، يتأثر ولكنه ليس كما توقعت أن ينهار، طليقته والتي
كانت زوجته لمدة إحدى عشر سنوات تقريبا ماتت ميتة بشعة، وابنته قُتلت، كيف لا ينهار، هناك ما يساور الشك هنا أيضا، لم تجد ما ُيحلل في التحقيقات سوى تحقيق مع والدة إسماعيل، كيف فجأة أصبح عنده منزل خاص به وبعائلته وأصبح يمتلك موقف، أهو خريج كلية ما بها طلب للعاملين عمل قليل في مجاله ثم توجه لشيء مربح؟ ولكن إذا كان عمله الأساسي مربح لما سيتجه ليكون صاحب موقف إحدى وسائل المواصلات؟ هناك شيء ناقص.
بعدما أنهت ما تقوم به بدأت بقراءة العدد الخاص برفعت إسماعيل وفجأة دخل عليها عمر وعاصم كان عمر يقول بملل: الله يخربيت دي قضية، ثم وجد ليلى فقال لها وهو يجلس على الأريكة الموجودة: أطلبيلي مايه الله يسترك كانت تتعامل وكأنه مكتبها، جلس عاصم أمام مكتبه ينظر لها وكأنه هو الضيف كانت تتحدث لمن في الهاتف بلهجة أمر ولكن بلطف: هات مايه لوسمحت واتنين قهوة واحدة زيادة و واحدة سادة، ثم أنهت كلامها بـ: شكرا، وضعت سماعة الهاتف و وجدت عاصم يحملق بها فسألته بتعجب: ايه!
أجابها بتهكم: ولا حاجة منورة مكتبك، ونظر إلى اليافطة الموجودة على المكتب وقال: يا سيادة المقدم عاصم الأمام، صوت ضحك من على الأريكة صدر من عمر على طريقتهما وقال: لا حلوة والله، ثم أكمل بمزاحه المعتاد: تصدقي يا ليلى لايق عليكي اسم المقدم عاصم وأكمل ضحك، شاركاه الضحك وقطع ضحكهما صوت طرق الباب و وصول الطلبات بعدما خرج عم سعيد وهو من يجلب دوما الطلبات تحديدا لعاصم وهو ايضا من يعمل له قهوته وطلبات المكتب كله ولكنه يوصل لعاصم فقط، بدآ عاصم وعمر بسرد ما رآه وختم عمر كلامه بريبة: بس اللي اسمه رضا دا وراه حاجة، أكدت ليلى على كلامه وقالت بأقتراح: ماتجيبوه هنا وحققوا معاه، قال عمر بتأكيد على كلامها: ما دا اللي هيحصل، كان عاصم صامت يسترجع كل ما رأه وسمعه اليوم وقطع حبل أفكاره صوت هاتف عمر، أجاب عمر وقال: ايوه يارفعت.. بجد؟ طب أبعت بسرعة، سأله عاصم بعينيه فقال عمر وهو يوجه كلامه لكليهما: الكاميرات طلعت شغالة ورفعت هيبعتلي دلوقتي، تمتمت ليلى بصوت خفيض لم يسمعه سوى عاصم: رفعت إسماعيل، نظر لها عاصم وأخرسها بنظرته، نظرت على المكتب في حرج، قطع الصمت عمر وهو يقول في صياح وحماس: أهو وصل، ذهب كل من عاصم وليلى لجوار عمر على الأريكة ونظروا على بعض مقاطع المصورة، لا شيء فيها مريب ولكن لاحظ عاصم أن التوقيت مختلف فقال عاصم بثقة: الوقت بيتغير، فقال عمر بتعجب: ما أكيد يعني هيفضل ثابت، قال عاصم بعصبية خفيفة: لا ياغبي الوقت مقصوص منه، نظر عمر وليلى لما يقوله وكان صحيح، المقطع المصور صحيح ولكنه مقصوص منه مقاطع معينة بمواقيت معينة على سبيل المثال من التاسعة مساءا حتى التاسعة وخمسة واربعون، أي هناك فرق توقيت خمس وأربعون دقيقة، أين هما؟ نظروا جميعا لبعض
لتأكدهم بأن هناك شيء مخفي حقا وسيكتشفونه قريبا.. قريبا جدا.
يتبع..

من منظور مختلف.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن