إيمان

533 26 28
                                    

نجوتُ بمعجزةٍ، بفضلِ الخضرِ نجوت

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

نجوتُ بمعجزةٍ، بفضلِ الخضرِ نجوت.

كاد أن يقضيَ عليَّ، يتركني متيبسةً مثل غصنٍ قُطع من شجرة، ويذهبَ ليكمل يومه وكأنَّ شيئاً لم يكن. أعرف روحه فقد خبرتُها، كان يقول:
"أمي وأمُّ الرئيس القائد ابنتا عمٍّ، فما يجري بعروقي من دم، ما يدفعه القلب فيمدُّ الجسد بالحياة، يجري بعروق الرئيس، لذا اكتسبت بعضاً من صفاته، فقد سرتْ بالجين وتشاركتْها العائلة".

وصفاته الأخرى: حاجباه الكثَّان، شاربه الرئاسي، عيناه الخزيرتان، بيريته الحمراء المثبتة على طوق رأسه وكأنها مخيطةٌ على الجلد، يميل طرفها وينزل على جانبه بخشونة، حركاته وسكناته، كان يجلس قبالي ما إن ينتهي، وبينما أرتدي ثيابي، يخرج سيجارةً يشعلها وينبتها بين شفتيه، ثم يمتصُّها بعمق، وينفث الدخان كما ينفث القائد، فتتجمعُ غيمة رمادية تحجب وجهه، فيشتتها بيده مكركر بقهقهة تراقص كتفيه، فتهتزا ككتفي الرئيس عندما يضحك.

لم يدعْ شيئاً يفلت منه، نسخة مصغرة من قائده. بزته مرقطة كجلد الفهد، كم أمقت هذا الزيَّ، منذ اللحظةِ الأولى، عندما كنا أطفال نصطفّ في ساحة المدرسة صباحات الخميس، وتستعرض فتيات الطلائع، تقودهنَّ معلمة الرياضة، وقد تغلفنَّ بزيٍّ عسكري، يتقدمن مثل فصيلٍ مقاتلٍ، يرفعن أرجلهنَّ الناعمة ويضعنَها على الأرض، حتى يصلن إلى الصارية، فتتقدم الأمهر بينهنَّ، تحلُّ عقدة العلم، تقبله وترفعه إلى القمة، وإذ يرفرف خفاقاً، تشهر المعلمة مسدساً أُعطي لها كونها عضواً في الحزب الحاكم، ثم تطلق ثلاث رصاصات في الهواء، ينخطف معها قلبي الوجيف. منذ اللحظةِ تلك، اقترنتْ الدمغات الهلامية المنقوشة على بزة الطلائعِ مع الرصاصات، ومعلمة الرياضة الشديدة، والعصا التي كانت تتبختر بها، وتنام مقلقةً تحت إبطها، وأصابعي الحمر. ومنذ أن دخلَ حجرتي أول مرةٍ، وشاهدتهُ غارقاً ببزةِ؛ العسكرِ أعادتِ الدمغاتُ الذكرياتِ، فخفقَ قلبي، وقد أثبتتْ لقاءاتُه المتكررة خوفي، وبررتْ رعشتي.
واليوم عندما دخل، كان على غير عادته، أقسى وأغلظ. أفلت جزمته بقدميه، ثم نتف قميصه العسكري ورماه أرضاً، سحبَ بنطالهُ وألقاهُ بعيداً، واستلَّ لباسه، وانتصب واقفاً، ودونما كلمة رماني على السرير، وقبل أن يبدأَ، لكمني، فصعدتْ حرارة اللكمة إلى عيني، شعرت بفصها قد مردَّ بكفه، ثم أعقب اللكمة بأخرى، فرنَّ طنين في أذني، وطار رأسي بالوشيشِ والدوارِ، فأدمعتْ عيناي، وكأنما الدمعَ آثاره؛ فانهالَ عليَّ لكماً وصفعاً، فأخذت أتقلب على الفراش، كتقلبي بين الوعي والإغماء، ثم فرق بين رجليَّ، وأشخصها على كتفيه، ودسَّ عضوه فيَّ، وراحَ يرهزني كالمحموم، وإذ قارب أن يقذف ماءه، طوق رقبتي بكفيه الثقيلتين، فشعرت بالهواء انقطع، وكأنَّ حجر أُلقي في بئر، اظلمتْ عيناي، وشهقت شهقتي الأخيرة، فعبرتْ برأسي قبة المقام، خضراء ساطعة تحت الشمس، وفي سكرة الموت نذرت إن نجوت سأحني باب الخضر، فانتقلتْ الصورة لومضة خاطفة، أجدني أجلس على ركبتيَّ أعجن الحناء، أدوف مسحوقَ الوريقاتِ المتيبسة بماء الورد، فتصاعدَتْ الرائحة إلى وجهي ونقلتني لباب المقام الخشبية، وأراني أطبع بكفيَّ على الجدران الجصية طبعات النذر...
وبين الصحوة والموت شعرت بحرارة دبتْ في رحمي، بفعلِ ماءه الدافق، ومن النفق المظلم أبصرت الحياة، فقد أرخى قبضتيه بعد أن قذف، ثم نهض كجندي أجهز على عدوه، ومن غبشِ عينيَّ الغائمتين، وأنا أعالج الهواءَ ببلعوم فعصتْ حنجرته؛ شاهدته يلتقط بنطاله من على الأرضِ ويدسُّ قدميه في فتحتيهما، ثم رفع السحاب بينما عضوه ما زال يقطر، ارتدى قميصه، ونفض ما علق على نجمتيه الذهبيتين من غبار، فالتمعتا، ثم ارتدى جزمته وخرج، فصرت ألهج بحمد الله، والثناء على الخضر، وأشهق الهواء ببلعوم جريح. يومها قررت أُغير البيت والمدينة
ما إن أوفي نذري.

ظِل الشَفَقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن