اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
ـ 1 ـ
تتقافزالأقداممسرعةفوقالعشبالمُخَضَّل، تنبعث منه رائحة عَبِقة، تُنيره مصابيح مُلونة، مُعلقة بحبالٍ تتدلى من سطحالقصر وتنتهي برؤوس النخيل. شبكة متقاطعة من الحبال المضيئة بوهج اللمبات، تلألأ صورالرئيسالقائد بين المصابيح، أشرطة تحمل لقطة مكررة، طُبعت على قطع قماش مثلثة، يظهر فيها الرئيس مبتسماً، يُفرج عن شفتيه فتظهر أسنانه المرصوفة.
يتخاطف النادلون بقمصانهم البيض وبنطلوناتهم السود وورود الياقات الحمر بين الموائد، ينقلون الطعام والحلوى والمكسرات وقناني الماء وزجاجات المشروب الفاخر. تتلقفها أيدٍ ماهرة؛ ندلاء متخصصون في صفِّ الأواني على الموائد، وتوزيع الفاكهة والأطعمة والأكواب على الكراسي، ليصل إلى أيدي الجالسين دونما جهد.
يتصاعد من غرفة المطبخ دخان أبيض، وروائح شواء مع هسهسة لحم. تعاون طباخان ماهران ومساعدان فطنان على المناقل المتوهجة بالجمر، يشويان السمك واللحم والحمام. تتقلب على السفافيد طيور اليمام والخضيري الطرية، سريعة الهضم. تنساب روائح الطبيخ من كوةٍ في جدار المطبخ، مخلوطة مع توجيهات الطهاة لمساعديهم، يحثونهم على السرعة والإتقان. وفي قلب الساحة يشع مسرح اُشبع بالأضواء الساطعة، تملؤه فرقة موسيقية منشغلة بضبط أجهزة الصوت، ودوزنة الآلات. فتهرب نغمات لآلاتٍ موسيقية متعددة، إيقاعات معتادة لأغانٍ كلاسيكية، تتداخل النغمات، تخف وترتفع مع درجات الضبط.
بدا البستان كخلية نحل، يدوي بأصواتٍ متهامسة، وأوانٍ ترتطم، وأقدام تجتر العشب مسرعة. وفي نهاية البستان، عبر سياج من الخوص غارق بالعتمة، يسقطضوءفضيلقمر بعيد، يتكسر فوق موجاتٍ متهادية لشطٍ ينحدر من نهر المدينة، ينساب دونما صخب، عابراً بكائناته لضافٍ أخرى.
ـ 2 ـ
يقف على شرفة حجرة مطلة على الساحة والنهر، يرقب التجهيزات، يرفع يده ويمسد شعره المصفوف، متماسكاً وخشبياً بفعل مثبتات الشعر. صبغه الحلاق أسوداًفاحماً، كما صبغ شاربه. هوذا كأنما عاد بالزمن، تغمره الفرحة، يُطالع الاحتفال بتسميته محافظاً على المدينة. حفلة أعدها تاجر من كبار التجار، ودعا لها الوجهاء والأعيان. أنزل التاجر المحافظ الجديد في حجرته ذات الشرف الثلاث المطلات على البستان والنهر والساحة، وقدم له بدلةبيضاءمنالحرير، فمنذ أن ظهر الرئيس في التلفاز يرتدي بدلة بيضاء، حتى صارت تقليداً شائعاً بين كبار الحزب. فحرص رجالاته المتقدمين على أن يظهروا ببدلة بيضاء، شرط أن يكون ظهورهم من أجل مناسبة تستحق تقليد القائد. يقف مبتسماً، يُحيي بيده من دخل مسار رؤيته ووجده شاهقاً رقبته إلى الشرفة، وشفتاه تلهجان بالتحية، فيرفع يده حتى صدره، ويلوي شفتيه بابتسامة باردة، دون أن ينطق بكلمة أو ينظر تجاه المُحيي. يتوافد المدعوون إلى البستان، يستقبلهم التاجر ولفيفه، يُوصلوهم إلى صالةالقصر. رجال الدولة، جنرالات الحرب، والتجار الكبار، يسلكون الممر المفروش بالكاشي الملون، قاصدين صالة الاستراحة.