يجتاز التقاطع، فيلتف على ما يختاره من شارعٍ، يلتقط رُكّابًا يقلّهم إلى وجهاتهم بسيارته التاكسي. يزجي الوقت بمراقبة فتاةٍ متسوّلة، إذ يتوقّف طابور السيارات، ويقفز صبية التقاطعات بمرشّاتهم وقطع قماش تتدلّى من أكتافهم، ينزلون على زجاج السيارات ومراياها يمسحونها من الغبار.
تنتقل المتسوّلة بين الاتجاهات، تراقب يد شرطي المرور، تنتظر صفارته لتنسحب إلى الرصيف، ثم تنزل حيث الشارع الذي سُدَّ بسيْل الجهات الأخرى.تكشف المتسوّلة المنقّبة عن عينين سوداويين واسعتين، وحاجبان مزجّجان، مرسومان كخنجرين معقوفين. تطلقُ استجداءاتها، تمدّ يدًا غُلّفت بقفّاز أسود، مكرّرةً جملاً معتادة.
ترافق عيناه الفتاة بينما تتجوّل بين السيارات، قاطعةً الاتجاهات المتعاقبة، وإذا فُتح الشارع ومضى موكب السيارات؛ تتعلّق رقبته تجاهها، بينما تسلك سيارته تجاهًا آخر.
تقاطعت عيونهم البارحة، بقيت تنظر له، كما سمر عينيه عليها عندما انحرفت سيارته في اتجاه آخر، واستدارت عيناها مع حركة المركبة.
شعر بالمتسوّلة ميّزته دون أحدٍ من السواق المتطفّلين.
فغدا يمرّ بالتقاطع كلّما اتفق له، سالكًا شوارع تعيده لتقاطع الجسر.
تنظر له وكأنّها كانت تنتظره، ما عادت تتقدّم نحو السيارة، ولا تطلب منه الصدقة، تتحاشاه، تتسوّل من سائق قبالته، فتتجاهل السائق وماذا سيضع بكفّها، وتبقي عينيها نحوه، تأخذ نظراتها تعبيرًا مفهومًا، نظراته أيضًا، ومروره اليومي من ذات التقاطع، يشي به. دربًا يعبر من عينيه نحو عينيها، تسلكه الرغبة.
توقده عيناها، تلهب جسده، وتشعل نارًا في أحشائه. يريد أن يكشف نقابها، يجردها من البحر الأسود الذي تغطس فيه، يعريها من أكوام القماش، وينفرد بها بعيدًا عن التقاطع والاتجاهات وسواق السيارات المتطفّلين، وزعيق المزامير. يمتلك جسدها المتواري، الذي يقترب ويبتعد في آنٍ.
لم يتخيلها غير امرأة عارية في فراش.
أرقه خياله، فعزم أن يحادثها، يكشف لها عن رغبته. يتراءى له يقف في تجاه مسدودة، وعندما تقترب يلوّح لها بعملة نقدية، وإذ تقدمت يضع بكفها ما لوّح به، وسيفاتحها برغبته، سيختار حوارًا عفويًا، وسيقس استجابتها، وعندها سيتصرف.
قدم إلى التقاطع نهاية اليوم. يخيم الليل بسواده على الجسر ومنعطفاته، بدت الشوارع تعبة على قدر ما سُحقت من السيارات والمارة، كذلك هي، صك سمعها الزعيق، وأتعب قدميها المشي، وفترت عضلات ساعدها إثر مدّها وسحبها، تترنّح تعبة، تنقل قدميها بثقل، كان قد أخذ جرعة كافية من مشروب روحي لاذع يفضله، فاختلط برأسه مع الدخان وأضواء المركبات، وعندما اقتربت منه، لوّح لها بورقة نقدية مغرية، تقدمت بوهن، واتكأت بيديها على فتحت باب السيارة المزاح زجاجها، كعادتها عندما تطلب العطية، حياها بتحية المساء، فوجدت ذلك حسنًا، وردت التحية بصوتٍ يختلف إيقاعه عن نغمة التسول.
مدت كفها بخدر، فوضع المال في راحتها وقبل أن يسحب يده، عرض عليها أن يوصلها للبيت إشفاقًا على تعبها، أمعنت النظر بعينيه السوداوين الفاترتين، وعضلات وجهه المرتخية، ودون أن تنطق بكلمة فتحت الباب وصعدت.
هي ذي تجلس جنبه، طيف خيالاته، تنبعث منها رائحة جسد بشري صهرته الشمس وخالط عرقه التراب، اخترقت الرائحة أنفه ومرت، كان دماغه مشغولاً. وما أن خرج من التقاطع حتى شرع يتكلم. تم الاتفاق بكلماتٍ أقلّ مما حضَر، فهرع يقطع الشوارع باحثًا عن مكان لركن السيارة، تذكر مبنى الطب العدلي الواقع في حي قل زائريه، فاتجه نحو المبنى. وجد الشارع خالياً ومظلمًا. فلا أحد يمكن أن يزعجه، أخبرها سيتوقف، أشارت برأسها موافقة وبقيت سارحة تنظر من خلال النافذة. توقف هدير السيارة، انطفأت أضواؤها وهمدت كجثة، فأنزل سحاب بنطلونه، وأخرج عضوه المتصلب، وطلب منها أن تلعقه، رفعت غطاء نقابها ورمته على رأسها، ونزعت قفازيها وتناولت عضوه، وضعته بفمها. شعر برعشة اخترقت جسده مثل شظية، رطوبة فمها وبرودة لعابها لامستا قضيبه، وتجمعتا عند الرأس المتورم. تلعق، فيشتاط معها. ينقبض صدره وينبسط، ينتفض جسده، وتتصاعد أنفاسه، فيبعث أنيناً مكتوماً. يدخل عضوه فمها ويخرج، تمسكه بيدها وتعصره بخدر، تجمع جلده ليصغر فتولجه في فمها حتى يكاد يلامس بلعومها، وتغص به غصة الغريق، ثم تخرجه وتفرد الجلد ليكبر، فيتقاطر منه لعابًا لزجًا، ينزل على كفها خيوطًا مذابة. تشنج اللذة جسده كنوبة صرع، فلصق جذعه على متكأ المقعد ورفع وسطه، وأغمض عينيه، وراح يتأوه بصوتٍ عالٍ، مسك رأسها، وشد أصابعه على كتفها، وبلعثمة مشوبة بخدر أخبرها سيقذف، ومن فورها دفعت عضوه في فمها، أوصلت رأسه إلى الأعماق ليقذف ماءه في مجرى البلعوم، رعشت قدماه وأغمض عينيه، ومن خلف السيارة انفتقت صرخة امرأة كالصاعقة.