٤ ~ بين النجاح والعيون المترقبة

227 24 5
                                    

12:00 مساءً - 20 يوليو

استيقظت أسيل على صوت المنبّه الذي قطع سكون الغرفة. اليوم كان مختلفًا، يومٌ لطالما انتظرته وحلمت به.
اليوم هو يوم تخرجها.
لم تكن مجرد مناسبة عادية، بل كانت اللحظة التي توجت فيها كل جهودها وسهرها الليالي الطويلة بالدراسة.

نهضت من سريرها ببطء، وما إن وقفت أمام المرآة حتى شعرت بمزيج من الفخر والتوتر. اليوم ستخطو على المنصة، وسيتم نطق اسمها أمام الجميع كواحدة من الأوائل في دفعتها. ابتسمت لنفسها وهي تتخيل اللحظة، ثم بدأت تستعد.

بدأت بغسل وجهها بعناية، متأملة ملامحها التي حملت معها إرهاق السنوات الماضية، لكنها اليوم كانت مختلفة. كان هناك نور يشرق في عينيها، وكأن التعب قد تلاشى وحل محله شعور بالإنجاز والفخر.

توجهت لخزانتها واختارت فستانًا أبيض طويلًا، ناعم الملمس وبسيط التصميم، لكنه كان مثاليًا لهذا اليوم. عندما ارتدته، وقفت أمام المرآة للحظة. شعرت وكأنها البدر في تمامه. ابتسامتها كانت هادئة، لكنها حملت معها شعورًا بالسعادة والطمأنينة. أخذت فرشاة الشعر وبدأت بتمشيطه ببطء، متذكرة كل اللحظات التي مرت بها خلال السنوات الثلاث الماضية.

بينما كانت تضع لمساتها الأخيرة على مكياجها الخفيف، كانت تفكر في هذا اليوم الذي لطالما حلمت به منذ دخولها الجامعة. أخيرًا، ستقف أمام الجميع، وستحمل شهادة تخرجها بين يديها، لكنها لم تتوقع أبدًا أن هذا الحلم سيأتي مصحوبًا بمشاعر أخرى تجاه شخص لم تكن تتوقعه.

كانت الساعة تقترب من 1:30 ظهرًا، والوقت يمضي بسرعة. وضعت أخيرًا قبعة التخرج على رأسها، ونظرت لنفسها مرة أخيرة في المرآة. بدت وكأنها مستعدة لمواجهة العالم، بنظرات تحمل الكثير من الأحلام والطموحات.

ومع اقتراب الساعة الثالثة عصرًا، كانت الأجواء في قاعة التخرج مليئة بالحماس والترقب. الجميع ينتظر اللحظة التي يصعد فيها الخريجون إلى المنصة، لكن الأعين كانت تبحث عن واحدة بينهم؛ أسيل، الفتاة التي كانت تشع جمالًا وتوهجًا وكأنها البدر في ليلة صافية.

كانت أسيل، بفستانها الأنيق وعباءة التخرج السوداء التي تضفي عليها مزيدًا من الرقي، تسير بخطى واثقة نحو مكانها في الصف الأول. كانت ابتسامتها الهادئة تنير وجهها، وكانت عيون الحضور تتبعها بإعجاب. لم يكن هذا اليوم فقط تكريمًا لإنجازها الأكاديمي، بل كان اعترافًا بما تحمله من طموح وجمال داخلي وخارجي.

بينما كان الخريجون يتسلمون شهاداتهم واحدًا تلو الآخر، اقتربت اللحظة التي انتظرتها أسيل. الصوت الصافي للمذيع في القاعة بدأ ينادي الأسماء، حتى جاء دورها:

"أسيل سُلطان الغامدي ... الأولى على دفعتها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف!"

دوى التصفيق في القاعة، وانطلقت الأنظار نحوها. كانت تلك اللحظة بمثابة تتويج لكل جهد وسهر قضته خلال سنوات دراستها. تقدمَت بخطوات ثابتة نحو المنصة، وكل خطوة كانت تعبر عن الإصرار والعزيمة التي رافقتها طوال تلك السنوات.

عندما وصلت إلى المنصة، التقطت شهادتها بابتسامة لا توصف. كانت أشبه بالنجمة التي تسطع في سماء النجاح، وكان الجميع يشعر أن هذه الفتاة أمامهم ليست مجرد خريجة عادية، بل هي شخص يسير نحو مستقبل مشرق مليء بالإنجازات.

لم يكن الحضور من الأهل والأصدقاء فحسب، بل حتى أعضاء هيئة التدريس كانوا ينظرون إليها بفخر. تلك الطالبة التي أبهرتهم بتميزها وتفانيها، كانت الآن تقف أمامهم وقد حققت أحد أكبر أحلامها.

بعد أن عادت إلى مقعدها، لم تتوقف الابتسامة عن وجهها. كان الحفل بأكمله يدور حول تلك اللحظة التي شعرت فيها أنها اجتازت مرحلة مهمة في حياتها، وبدأت فصلًا جديدًا مليئًا بالأمل والطموح.

في تلك اللحظة، لم تكن فقط أسيل التي تحتفل، هناك في نقطة أخرى من قارة أوروبا ..

في مكان بعيد، وفي غرفة هادئة داخل فندقٍ في إسبانيا، كان صالح يجلس على الكرسي أمام الطاولة، واضعًا جهاز الآيباد أمامه. كان في منتصف معسكر الفريق التحضيري، لكن ذهنه لم يكن بالكامل في كرة القدم في تلك اللحظة. أمامه كانت شاشة الآيباد تعرض بثًا مباشرًا لحفل تخرج، حيث كانت أسيل محور تركيزه.

كان يتابع تفاصيل الحفل بتمعن، وكأن الزمن توقف من أجله. بدا وكأن شيئًا داخله يدفعه لمتابعة كل حركة وكل ابتسامة. منذ أن بدأ الحفل، وعيناه لا تفارقان الشاشة. كانت هي تلك الفتاة التي رأى فيها شيئًا مختلفًا. تميزها وتفوقها جعلها
وكأنها أمنية تحققت بدعوات أمها.

عندما نادى المذيع باسمها، "أسيل سُلطان الغامدي ... الأولى على دفعتها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف!"، أحس بنبضة قوية في قلبه. كان يشاهدها وهي تتقدم بخطوات ثابتة نحو المنصة، كما لو كانت هي النجمة التي ينير بها سماءه. بدت أمامه وكأنها رمزٌ لكل جهدٍ وطموحٍ وشغف.

ابتسامتها، ثقتها، طريقتها في تسلم الشهادة وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ الأزل. شعر وكأنها ليست فقط تحتفل بنجاحها الأكاديمي، بل تعلن للعالم عن قوة شخصيتها التي رأى منها لمحات خلال تلك الأشهر القليلة الماضية.

صالح، وسط كل ما كان يدور حوله من تدريبات ومسؤوليات، وجد نفسه يفكر في أسيل أكثر من أي وقت مضى. كانت هي تلك الفتاة التي يرى فيها شيئًا أكبر من مجرد النجاح الدراسي، كانت وكأنها الفتاة التي كان يبحث عنها في دعواته وأحلامه.

وهو جالس في غرفته، بعيدًا عن صخب الحفل، شعر بأن جزءًا من حياته يتغير.

نَجم في مرمى الأسئلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن