عادت أسيل إلى غرفتها بعد تلك اللحظة السحرية على الدراجة مع صالح. قفزت إلى سريرها، واستلقت على ظهرها، تنظر إلى السقف بخيالات تملأ ذهنها. كانت ابتسامة عريضة ترتسم على وجهها، بينما تتذكر تلك النظرات التي تبادلتها مع صالح، وكلماته البسيطة التي أثارت في قلبها مشاعر لم تكن تتوقعها.
"وحشتيني..." كانت تلك الكلمات تتردد في أذنها، وكأنها أغنية تملأ قلبها بالدفء. تحولت الذكريات إلى صور حية، تشعر بشيء من الحماس يغمرها. كيف يمكن لشخص واحد أن يؤثر فيها بهذه الطريقة؟
نهضت من سريرها، وبدأت تتجول في الغرفة، تخطو بخفة، وكأنها تحاول أن تمسك بتلك اللحظة. لم تستطع منع الابتسامة من الظهور على وجهها وهي تفكر في كيفية خجلها أمامه، وكيف كان قلبها ينبض بشدة. تذكرت الطريقة التي نظر بها إليها، ذلك الوهج في عينيه، وكأن العالم من حولهما قد اختفى.
"وش جالس يصير لي؟" همست لنفسها، بينما تسير في الغرفة.
"مو كأني قاعدة أفكر كثير باللحظة العابره ذيك؟" شعرت بشيء من الضياع، لكنها كانت مستمتعة بهذا الشعور الجديد الذي اجتاحها.كلما تذكرت تلك اللحظة، كانت ابتسامتها تتسع أكثر. تمنت لو تستعيد تلك اللحظة مرة أخرى، لو تتكرر. ولكن في الوقت نفسه، كانت تعرف أنها هنا من أجل هدف أكبر. المعسكر التدريبي هو فرصتها لإثبات نفسها في عالم الإعلام الرياضي.
بينما كانت تتجول في الغرفة، أخذت تفكر: "يمكن ألقاه مرة ثانية.
بدور عنه، وأتكلم معاه!." لكن في قلبها كانت تدرك أن تلك اللحظة، تلك البداية، كانت خاصة بها وحدها، وستظل تذكرها كلما نظرت إلى السماء أو استنشقت هواء إسبانيا النقي.استمرت أسيل في الحوم داخل الغرفة، تتأمل اللحظة التي مرت بها مع صالح، عندما فجأة رن هاتفها. كانت رسالة من عبدالإله. فتحتها بفضول، لترى جدول التمارين والفعاليات في المعسكر.
"صباح الخير، أسيل! هذا جدول التمارين، ولازم لازم تكونين جاهزة فالوقت المحدد. أول تمرين للاعبين بيكون في الساعة تسعه. لا تنسي تجهزين الكاميرات وملابسك حقت الطاقم الإعلامي. متحمس أشوفك هناك!"
ابتسمت أسيل وهي تقرأ الرسالة، متشوقة لمشاهدة اللاعبين أثناء التدريب. فكرت: "اليوم بكون قريبة منهم، أحتاج بس أكون مميزة."
سرعان ما غيرت ملابسها إلى طقم الاتحاد الخاص بالطاقم الإعلامي، الذي كان أنيقًا ومرتبًا. وقفت أمام المرآة، وضعت مكياجًا خفيفًا لتبرز ملامح وجهها، ثم تسمرت لبضع ثوانٍ وهي تراقب نفسها. تمتمت بكلمات تحفيزيه .
بمجرد أن انتهت، ركضت أسيل بسرعة وهي تخرج من غرفتها في الفندق، قلقها يتزايد مع اقتراب باب المصعد من الإغلاق. لحظة واحدة، وفي الوقت المناسب، ضغطت على الزر، وفتح الباب على مصراعيه. ابتسمت بحماس، ونظرت إلى الداخل وكأنها تتحدث إلى المصعد.
"لحقتك!" قالت، وقد شعرت بالانتشاء.
صالح، الذي كان يقف داخل المصعد، التفت نحوها بدهشة. "لحقتي مين؟" سأل، مستغربًا من حماسها.
"لحقت باب المصعد؟" أجابت بأسلوب مرح، مشيرة إلى الباب.
ضحك صالح، وهو يستوعب مزاحها. "حلو، بس كان يمكن نتأخر لو تأخرتي أكثر!"
"المرة الجاية بركض أسرع!" ردت أسيل، وقد بدأ الدفء يملأ قلبها وهي تتحدث معه.
تبادلا الابتسامات، وفجأة شعرت أسيل أن تلك اللحظة كانت بداية شيء جديد، مفعم بالحيوية والإثارة.
بعد نهاية التدريب، كان الملعب هادئاً. اللاعبون قد غادروا، ولم يبقَ سوى أسيل وصالح في المكان. كانت الشمس تغرب في الأفق، مرسلة أشعتها البرتقالية الذهبية على الملعب. أسيل كانت مشغولة بترتيب الكاميرات وإعادتها إلى حقيبتها بحرص. لم تكن تلاحظ الخطوات البطيئة التي اقترب بها صالح نحوها.
توقف على بعد خطوات قليلة منها، وصوته كان هادئاً حين قال: "عادي أجرب أصور؟ يعني أصورك مع الغروب وزي كذا.."
رفعت أسيل رأسها وابتسمت، تلك الابتسامة التي تعبر عن خليط من المفاجأة والإعجاب. "أكيد!" قالت بحماس. مدت الكاميرا إليه، وبدأت تشرح له كيفية استخدامها، بحركات خفيفة وسريعة من يديها الصغيرتين على يده. كان صالح مستمعاً باهتمام، يشعر بتلك اللمسات الدقيقة وهي تشرح له تفاصيل التصوير.
"هنا تضغط، وهنا تتحكم بالإضاءة..." قالت، وعيناها تتألقان بالحماسة.
بعد أن انتهت من الشرح، ابتعدت بضع خطوات، مستعدة لتأخذ وضعية أمام عدسة الكاميرا. وقفت بثقة، تحاول أن تكون طبيعية قدر الإمكان، لكنها شعرت بالخجل، فأخفت ابتسامتها قليلاً.
صالح كان ينظر من خلف الكاميرا، يفكر في شيء يثير ابتسامتها بشكل أكبر. وفجأة خطرت له فكرة. بدأ يعد بهدوء، لكن بصوته العميق: "واحد... اثنين... ثلاثة..."
ثم، بدلاً من قول "Cheese" كما هو المعتاد، قال بهدوء: "أحبك."
رفعت أسيل عينيها نحوه بدهشة، والتقت نظراتهما. ابتسامتها، التي كانت خجولة في البداية، أصبحت أكثر دفئاً وعمقاً. لحظة واحدة مرّت بينهما، وكأن الزمن توقف، والغروب خلفها يزيد من سحر اللحظة.
التقط صالح الصورة في تلك اللحظة، لكن شيئاً في قلبه أخبره أن تلك اللحظة، بكل تفاصيلها، ستكون محفورة في ذاكرته لفترة طويلة، تماماً كما في تلك الصورة
أنت تقرأ
نَجم في مرمى الأسئلة
Novela Juvenilأحيانًا تأتي الصدف كالأمواج، تحملنا إلى أماكن لم نتوقعها، تفتح لنا أبوابًا كانت مغلقة. وفي كل لقاء، قد نجد ما كان يختبئ خلف الأضواء، قصصٌ تُروى، وأحلامٌ تتحقق. Started: 20 sep Finished : 28 oct