الفصل الثاني عشر... الماضي لا يموت.
فتحت ماسة عينيها فجأة إثر رائحة نفاذة اخترقت أنفها فأحرقته. استقامت من مرقدها على الأريكة الغريبة تتطلع حولها بتشوش، تحاول أن تتذكر ما حدث. وجدت زوجين من العيون يحدقان بها بقلق فسألت بضعف وصوتها لا يكاد يسمع عم حدث لكن مالك وضع زجاجة العطر التي يحملها جانبًا قبل أن يسألها بقلق عما ألم بها فقد سقطت دون مقدمات وسببت الهلع لهما.
تطلعت بخزي نحو وجه السيدة العجوز القلقة قائلة بملامح وجه حزينة أنها لا تعرف ما حدث تحديدًا فقد شعرت بدوار مفاجئ ثم أظلمت الدنيا أمام عينيها. حينها تحدثت العجوز بتفهم أنها تفهم الآن سبب إغمائها فقد أخبرها مالك بأن مراد يكون عمها لذا لم تتحمل الصدمة.
ازداد شحوبها قائلة بأسى: عمي الراحل، فقد قُتل منذ عدة ليالي ولا أدري بأي شيءٍ قد تورط فلقد رحل ورحلت معه كل الأسرار ولم أعد أعرف بِمَ أؤمن، أأؤمن ببراءته أم تورطه بشيء انبعث من ماضيه فأنهى حياته؟ فالماضي لا يموت كما يقولون بل يندثر تحت طيات تجاهل الذاكرة ويتغلف بالنسيان بينما يكبر ويستعد حتى يجد فرصة في غفلة من الزمان لينهض نافضًا عنه رماد السنين، كعنقاء انبعثت من بين رمادها لتحترق من جديد بل وتحرق كل من تسبب بدفنها كل تلك السنوات.
ربتت السيدة العجوز التي كانت تجلس على مقعد يجاور أريكتها على كتفها بحنو قائلة:
لا عليك يا ابنتي! السيدة وفاء أخبرتني بأنها لا تريد أن يعرف مكانها الجديد الذي انتقلت إليه أي أحد من ماضيها، لذا فأنا آسفة لأنني لن أستطيع إخبارك بعنوانها الجديد لكن بإمكاني أن أجيب عن بعض أسئلتك التي تودين طرحها عليها.
سألتها ماسة بقلق: هل تعلمين ما حدث تحديدًا لها؟
نظرت العجوز نحو موضع قدميها مليًا ثم تنهدت لترفع رأسها، تنظر نحوها قائلة: نعم، أعلم!
خاطبتها ماسة برجاء: هل تستطيعين إخباري بما حدث؟
ماذا تريدين أن تعرفي تحديدًا؟ (سألتها العجوز).
- كل شيء! كل ما تعرفينه عن موضوع الشكوى التي رفعتها في المحكمة ضد الطبيب إياه.
بلهفة شديدة قالتها ماسة فصمتت العجوز تستجمع أفكارها ثم قالت بعد فترة بصوت بطيء منهك:
_ حدث هذا منذ عدة سنوات...
أمي، لم لا أستطيع أن أحظي بطفل كما تفعل كل الأمهات؟ هل أنا منقوصة؟
هوني على نفسك يا ابنتي، لا تعترضي على قضاء الله.
قالت وفاء من بين دموعها الغزيرة: لا أستطيع يا أمي، لا أستطيع!
ثم علا نشيجها مرة أخرى مكملة: صدقيني، قلبي ممتلئ بالحسرة منذ أن أخبرتني الممرضة بعدم قدرتي على الإنجاب.