الفصل الثاني... حالة انكار
اختلى عمر بغرفته وهو يشعر بالغربة؛ فكلام ماسة له لم يكن منطقيًا البتة! كان متأكدًا بأن ما تقوله مجرد هلوسات جراء صدمتها بوفاة عمها الذي كان خير سند لها بعد وفاة والدها منذ عامين، وخاصة أن إيثار لم تكن تعاملها جيدًا.
تذكر نظرة إيثار منذ قليل عندما صعدت للأعلى لتجده يتحدث مع فيروز عن ماسة. كانت فيروز قد صعدت للأعلى بحثا عن أختها فقابلت عمر في المطبخ. طلب منها بقلق أن تهتم لأمر أختها التي يبدو أنها تعاني من صدمة شديدة، حينها دخلت إيثار المطبخ لترمقهما بنظرة جامدة قبل أن تقول لعمر: جمانة تحتاجك في الأسفل.
تطلع نحوها بحيرة يستشعر غضبها المكبوت قبل أن يومئ برأسه قائلًا بهدوء: حسنًا!
استدار ليخرج من المطبخ لكنه استطاع سماع تقريعها لفيروز على الرغم من خفوت صوتها. لا يدري سبب غضبها ذاك، هل تخشى اقترابه من فيروز لأسباب يجهلها؟ دارت في رأسه تساؤلات عدة دون أن يصل إلى إجابات منطقية لها.
دخل غرفته ولم يهبط للأسفل، شعر بالإرهاق فاستلقى على سريره لبعض الوقت ثم تذكر ما رآه في أرضية غرفة والده فأخرج الحلية الذهبية الرقيقة التي وجدها تلمع بجوار باب غرفة الملابس. كانت الحلية غريبة عن حلي والدته، لم يرها ترتديها من قبل! تبدو أنها حلية سقطت من قلادة ما وتحمل حرفي أو(o) وإف (F) باللغة الإنجليزية، مرتبطين بعروة على شكل قلب.
ظل يتطلع نحو الحلية يفكر متسائلًا عن الحافز الذي دفعه لإخفائها عن ماسة. ربما ظن أنها كانت لوالده ولم يكتشف سرها بعد، أم ربما تكون لأحدى الخادمات اللاتي يعملن بالفيلا؟ لكن هل ترتدي الخادمات مثل هذه الحلي الذهبية؟! ما زال ينظر لها مليًا وقد لفت نظره حرف (F) وأعاد إلى ذهنه مناسبة بعيدة بعض الشيء، لكنه غير متأكد من العلاقة بينها وبين ما يراه. قرر أن يحتفظ بها لنفسه حتى يكتشف سرها وحده. لا يريد أن يريها لماسة فيقلقها دون داعٍ وقد بدت قلقة دون تدخل خارجي، لذا نهض وأخفاها بعناية بين طيات ملابسه في خزانة الملابس.
شردت أفكاره نحو غرفة والده، تذكر بأنه رأى بها علب أدوية متراصة على الطاولة الجانبية بجانب الفراش. لم يكن يعلم أن والده يأخذ أدوية خاصة من قبل عدا أدوية الضغط، لذا دخل غرفة والده كي يتفحصها؛ فبحكم دراسته في السنة الأخيرة في كلية الصيدلة كان يعرف الكثير عن الأدوية واستخداماتها.
أمسك أول علبة طالتها يده ليطالع اسمها ففتح فاه من الصدمة، هذا دواء يستخدم في الحالات المتأخرة من علاج السرطان. هل كان والده يعاني من السرطان؟ ألذلك قرر أن ينعزل في غرفة خاصة به كي لا تعلم والدته حقيقة مرضه؟ أمسك باقي العلب يقرأ أسماءها وللأسف فقد كانت كلها تحمل نفس الوظيفة، علاج تلطيفي لمرضى السرطان.
سقط من الصدمة على الفراش، شعور البؤس والإحساس بالذنب يغمره كليًا الآن. أكان والده مريضًا بمرحلة متأخرة من السرطان دون أن يُعلمَهما؟ متى كان ينوي أن يخبرهما بحقيقة مرضه؟ هل كان موته بالرصاص نوع من رحمة القدر لئلا يعاني في لحظاته الأخيرة؟