مقدمة..
في ماضي كلٍ منا أسرار، علاقات عابرة أو ربما عميقة...
وهناك الجانب المخزي الذي لا نتورع عن دفنه داخل مجاهل الأزمنة...
نحتاج لردمه تحت طبقات من التصنع والتظاهر وربما بعضٍ من السعادة الزائفة...
نخاف أن ينكشف المستور ذات مرة فتُعرف حقيقتنا التي واريناها كثيرًا في التراب...
ومن منا يحب فعل ذلك؟
لا أحد!...
لا أحد بتاتًا يسعى لذلك الخراب.
***
البداية
انتابته نوبة من السعال الشديد، أمسك منديلًا ورقيًا سريعًا ليضعه على فمه. يعلم كيف ستنتهي تلك النوبة، بضع قطرات صغيرة من الدماء ستخرج إلى المنديل الورقي وربما تزايدت لتصبح قطرات كبيرة.
كانت تلك حاله في الآونة الأخيرة، يشعر بدنو أجله كما أخبره الأطباء؛ فحالته ليست جيدة ونتائج فحوصاته تخبرهم بأنه لن يصمد بسبب نهش المرض صدره؛ فالتشخيص المتأخر لسرطان الرئة الذي أصابه منذ ما يقرب من الشهرين كانت نهايته معلومة بعد رفضه العلاج الإشعاعي التلطيفي، حيث فضّل أن يقضي ما تبقى من عمره في تصحيح أخطائه والتمتع بدفء أسرته الصغيرة.
انتهت نوبة السعال بقطرات كبيرة من الدماء. نظر إلى المناديل الممتلئة بدمائه نظرات واجمة. يبدو أنها تدنو سريعًا، نهايته المحتومة تلك!
اتخذ قراره في النهاية فرفع هاتفه المحمول ليتصل برقم ما يحفظه عليه خصيصًا لهذه اللحظة، أجرى مكالمة مع الطرف الأخر فحواها أنه يريد مقابلته الليلة لأمر هام، وسوف يتأخر في الشركة بعد موعد انصراف الموظفين؛ فقد كانت تلك المقابلة السرية تترتب عليها الخطوات التالية فيما تبقى من حياته. يعلم أنها قد تدمر حياة شخص في مقابل إنقاذ من يستحق الإنقاذ بنظره، لذا كان يحتاج المساعدة في اتخاذ ذلك القرار بناءً على ردة فعل الطرف الآخر.
لكن دائمًا ما ننسى أن الحياة لا تسير وفق أهوائنا، وقد كانت حياته على مشارف الفقدان!
الفصل الأول... غرفة العم
جلست على المقعد في أقصى ركن منعزل من البهو الكبير بفيلا المتوفى حديثًا مراد خطاب، عمها. أخذت تنظر إلى حذائها الموحل الذي جف الطين عليه بتأمل، ترى التشققات التي رسمت خطوطًا متعرجة وكأنه طريق وهمي يسير إلى اللا معلوم مثل حياتها.
إلى الآن تعيش حالة من الانكار، فمنذ وصول خبر مقتل عمها رجل الأعمال المعروف بدهائه وقوته وبنفس الوقت حنانه وعطائه الذي كان يحيطها به منذ رحيل والدها عن الحياة، وهي تعيش في عالم غير حقيقي كأنها تطفو على الأوهام.