الفصل الخامس ... خبايا النفوس.
كانت عينا مالك يتسع عمقهما كلما استمرت ماسة في سرد الحكاية، أخبرته باعتقادها أن سبب الجريمة لم يكن السرقة وأنها تعتقد أن السبب شخصيّ. أخبرته عن ذلك الشبح المتسلل المصر على اقتحام غرفة عمها بكل عزيمة متسلحًا بالعنف والشر، فبينما كان متخذًا احتياطاته في أول مرة عندما اقتحمت ماسة عزلته فحقنها بمادة مخدرة، لم يتوان عن ضرب جمانة مسببًا لها ارتجاجًا في المخ، وتعتقد أنه إن صادف في المرة الثالثة أي فرد منهم فلم يكن ليتورع عن قتله بدم بارد.
سألها مالك باهتمام شغوف عن عدد مرات اقتحامه وكأنه تعجب من الرقم الذي ذكرته، لكنها أكدت له الرقم مكملة بأنها كانت في الغرفة عندما فعل لكن لحسن الحظ لم يرَها إذ اختبأت، وفي لحظة اعتقدت بأنه سيكتشف وجودها لولا توتره وتعجله لمغادرة الغرفة، فلم يهتم بالبحث عن مكانها بالرغم من الصوت الذي أصدرته باحتكاك يدها بجدار الخزانة المختبئة فيها، وهذا أثار حيرتها قليلا؛ فقد بدا لها اللص في الزيارة الثالثة مختلفًا عن المرتين السابقين، بدا جبانًا متوترًا ويرتدي ملابسًا تختلف عن الأسود الذي رأته به هي وجمانة.
قال لها بتوبيخ ضمني: كان من الممكن أن تتُقتل، لا تقومي بمخاطر غير مأمونة فيما بعد يا ماسة!
ردت بقلق: أريد أن أتأكد أن عمي سيقتص ممن قتله حتى وإن كان ميتًا.
أكد كلامه بثقة: لا تقلقي فكلنا في نفس القارب، أنا لست مقتنعًا بتحليل الشرطة لدوافع القتل وبالأخص بعد أن رأيت طريقة كتابته للوصية.
أشرق وجهها اللحظات؛ فقد أعجبها أن يتفق معها أحدهم برأيها ولا سيما إن كان هذا الشخص هو مالك، لكنها سألت بتعجب: وصية؟ هل كتب عمي وصية قبل مماته؟
بلهجة واثقة أجابها: كتبها منذ حوالي عشرة أيام، اتصل بي ذات ليلة لأذهب إليه في مكتبه في موعد مسائي متأخر، بدا لي بأن هناك ما يؤرق باله بطريقة غير اعتيادية، تحدثت معه بشأن عدة أمور قانونية يريد معرفتها وقال لي أن عليّ العودة إليه في الغد كي أستلم وصيته التي يريد الاحتفاظ بها مغلقة لحين وفاته.
سألته بتعجب: وصية مغلقة مثل الأفلام، هل فيها سر؟
ضحك من تفكيرها الطفولي، قال وقد ازدادت ابتسامته: نعم مثل الأفلام، ولست أعلم ما بها، ستفتح بعد أسبوع من وفاته.
سألت بفضول تحثه على التحدث: ماذا تتوقع أنه كتب فيها ليستدعي الأمر كل هذه السرية؟
هز رأسه برفض قاطع قائلًا بتأنيب: أنت محامية وتعرفين أن الوصية لا تفتح إلا في الوقت المحدد لها، كما لا يمكنني إخبارك بمحتواها الآن حتى وإن كنت أعلمه، تعرفين القانون!
قالت بتذمر محتجة كالأطفال: أريد تجميع قطع الأحجية لفك اللغز يا سيد مالك، أما الوصية بذاتها فلا أهتم بها، هل يمكنك على الأقل إخباري عَمّا سألك بخصوصه؟