وصلت آية وعائلتها إلى الصين بعد رحلة طويلة ومليئة بالمشاعر المختلطة بين الحماس والرهبة. لم تكن قد زارت بلدًا بعيدًا كهذا من قبل، فكل شيء من حولها بدا غريبًا؛ اللغة، المباني الشاهقة، وحتى رائحة الهواء، كانت تحمل لمسات من الغموض والحضارة القديمة. شعرت وكأنها دخلت عالمًا مختلفًا تمامًا، بعيدًا عن شوارع الجزائر وأحيائها البسيطة.
بينما كانت آية تستكشف محيطها الجديد، كان والدها يوسف منهمكًا في العمل منذ اللحظة الأولى. لم يكن الأمر سهلًا؛ فقد كان عليه أن يبدأ من الصفر تقريبًا، يبني علاقات جديدة، ويضع أسس شركته بين عمالقة صناعة السيارات الصينية. ولكنه كان على يقين بأن هذا البلد يحمل الفرصة التي طالما حلم بها لتحقيق طموحاته. آية كانت تتابع تحركات والدها بإعجاب، تدرك حجم المسؤولية والتحدي الذي ألقى بنفسه فيهما، وكلها أمل أن يتمكن من تحقيق النجاح الذي يستحقه.
في أحد الأيام، وبينما كانت آية في طريقها إلى المدرسة الجديدة التي التحقت بها حديثًا، شعرت بخوف طفيف من فكرة الاختلاف الثقافي واللغوي. المدرسة كانت ضخمة، مليئة بالطلاب الذين يتحدثون لغة لا تفهم منها سوى القليل. حاولت أن تتصرف بثقة، لكنها لم تستطع التخلص من الشعور بالغرابة. عندما دخلت الفصل، استقبلها الطلاب بفضول، وبعضهم تبادلوا النظرات والهمسات، غير مدركين أن نظراتهم تلك كانت تؤلمها بعض الشيء، لكنها تماسكت، ورفعت رأسها محاولة أن تبدو قوية.
كان هناك زميلة في الصف تُدعى "ليونا "، فتاة صينية هادئة ورقيقة الملامح، لاحظت إحساس الغربة الذي كانت تشعر به آية، فاقتربت منها بابتسامة صغيرة وقالت بلغة إنجليزية بسيطة:
"مرحبًا، أنا ليونا،ناديني ليو. إذا احتجت لأي مساعدة، أنا هنا."
تلك الكلمات البسيطة حملت الدفء الذي كانت آية تحتاجه في تلك اللحظة. ردت عليها بامتنان، وشعرت بأن لديها صديقة يمكن أن تساعدها على التكيف في هذا العالم الجديد. بمرور الأيام، أصبحت ليو أقرب أصدقائها، وكانت تصحبها في جولات لاستكشاف المدينة والتعرف على ثقافتها. كانت تُعرّفها على الطعام الصيني، وتأخذها إلى المعابد القديمة، وتروي لها قصصًا عن عادات وتقاليد الصين التي كانت غريبة على آية في البداية، لكنها سرعان ما بدأت تستمتع بها.
في إحدى تلك الجولات، أخبرتها ليو عن "مهرجان المصابيح"، وقررت آية أن تحضره معها. في تلك الليلة، تزينت السماء بمصابيح مضاءة تحمل الأمنيات، أطلقها الناس نحو السماء بتفاؤل وأمل. وبينما كانت آية تحمل مصباحها وتكتب عليه أمنيتها بأن تجد القوة والشجاعة في هذا البلد الجديد، أدركت أن الانتقال إلى الصين قد يكون بداية لتحقيق حلم أكبر مما تخيلت.
في تلك الأثناء، كانت شركت والدها يوسف تُخطو خطوات واثقة نحو النجاح، لكنه كان يدرك أن هذا النجاح لم يأتِ دون تحديات. واجه صعوبات كبيرة في التفاوض مع الشركاء المحليين، واحتاج إلى العمل ليلًا ونهارًا ليكتسب ثقتهم. لكن تصميمه على تحقيق أحلامه كان يدفعه للاستمرار دون تردد. أحيانًا كانت سامية، والدتها، تجده مستغرقًا في العمل في ساعات متأخرة، فتهب لتحضر له الشاي وتجلس بجواره لدعمه وتشجيعه.
أحد أبرز التحديات التي واجهها يوسف كانت إيجاد توازن بين الالتزام بالجودة التي يطمح لها وتوقعات السوق الصينية، التي تركز بشكل أكبر على السعر المعقول والكفاءة العالية. ولكنه لم يتراجع، كان يسعى دائمًا لإيجاد حلول مبتكرة تجذب العملاء وتبني سمعة شركته.
في خضم كل هذه التحديات، لم يكن يوسف وحده من ينمو ويتطور. آية كانت تتعلم هي الأخرى دروسًا قيّمة في حياتها الجديدة، ومع الأيام، شعرت أن الصين لم تعد غريبة كما كانت من قبل. بدأت تتحدث اللغة الصينية ببطء، وانخرطت في المدرسة بنشاط، تشارك في الأنشطة الثقافية، وتتعرف على قصص أصدقاء جدد من مختلف الثقافات.
لكن رغم سعادتها المتزايدة بهذا العالم الجديد، كانت آية دائمًا تشعر بوجود شيء غامض يحيط بوالدها، لم يكن واضحًا تمامًا بالنسبة لها، لكنها لاحظت أن هناك أوقاتًا يكون فيها والدها شديد التوتر، ويقضي ساعات طويلة في مكتبه مغلقًا على نفسه، يتحدث في الهاتف بصوت خافت. وبينما كانت تحاول التركيز على دراستها وحياتها اليومية، كانت تساؤلاتها تكبر يومًا بعد يوم.
أنت تقرأ
صدى الرصاصة الأخيرة
Acciónآية فتاة لطيفة جزائرية 🇩🇿 انتقلت إلى الصين مع والديها بسب صفقة ضخمت لإنشاء شركة سيارات فكيف ستكون حياتها