الصمت المظلم

الظل الأكبر

الفصل الثاني: الظل الأكبر

مرت أيام على الحادثة المرعبة في شوارع باريس، لكن رعب تلك اللحظة لم يفارق سنان أبدًا. كان جالسًا في مكتبه داخل مقر التحقيقات، يتأمل الجروح التي لم تلتئم بعد على جسده. كان يشعر بشيء ثقيل داخل صدره، وكأن الظلام نفسه يلاحقه. بينما كان يفكر في غول الظلال الذي قابلاه، دخل جيوفاني، باردًا كعادته، يحمل ملفًا مغلقًا بإحكام.

جلس جيوفاني أمامه على الطاولة وألقى بالملف على السطح الخشبي. كان الملف ثقيلًا، وكأن داخله يحمل سرًا مروعًا. "لقد تلقيت معلومات جديدة"، قال جيوفاني بصوته الهادئ، لكن عيناه كانت تحترقان بالتفكير. "ما رأيناه لم يكن حادثًا عاديًا. هذا الغول، لم يكن من النوع الذي نواجهه عادة."

فتح جيوفاني الملف، وسحب منه صورًا ملونة لرجلين ميتين في إحدى زوايا المدينة. كلاهما كان ملطخًا بالدماء، لكن جسدهما كان مشوهًا بشكل غريب، وكأنهما تعرضا لهجوم وحشي. كان هناك شيء غير عادي في هذا. كانت ملامحهم البشرية لا تزال واضحة، لكن كان هناك ندوب عميقة على جسديهما، كما لو أن أحدًا حفر في لحمهم بوحشية. "تلك العلامات..." قال جيوفاني وهو يمرر أصابعه على الصور، "تذكرني بشيء قديم. هذه ليست مجرد هجمات عشوائية، بل رسالة."

سأل سنان بتردد: "رسالة من من؟"

أجاب جيوفاني ببرود: "من الظل الأكبر."

ظل أكبر؟ كانت الكلمة مثل الهمس في ذهن سنان، كان يعلم أن الظل الأكبر ليس مجرد أسطورة. كانت هناك شائعات في أوساط المحققين عن وجود قوة مظلمة تسعى للسيطرة على العالم من وراء الستار. قوى تلاعب بعقول البشر، وتمارس تأثيرًا قويًا على المخلوقات الظلامية، تمامًا كما كان يراها الآن. "أظن أنه حان الوقت للكشف عن الحقيقة."

خلال الأيام التالية، بدأ الاثنان التحقيق في مزيد من الأدلة التي كانت تشير إلى شبكة عميقة من الظلال التي كانت تتسلل إلى المجتمعات البشرية. كانت هناك تقارير عن اختفاءات غامضة في جميع أنحاء باريس، وأشخاص كانوا يظهرون مرة أخرى بعد اختفائهم وكأنهم أصبحوا غير بشر. قد تكون هذه أولى العلامات على أن الظل الأكبر كان يتلاعب بالعقول، ويخلق جيشًا من المخلوقات التي تعمل لصالحه.

في إحدى الليالي العاصفة، بينما كانت الرياح تعصف بالشوارع المظلمة، تلقى جيوفاني وسنان رسالة مشفرة من المصدر نفسه الذي قدم لهم المعلومات السابقة. كانت الرسالة تحتوي على إحداثيات لموقع بعيد في المدينة، لكن هذه المرة كانت هناك رسالة واضحة: "الظل الأكبر قادم إليكم، لا تختبئوا."

غادر المحققان إلى الموقع المحدد، حيث كان الجو مظلمًا وصمت الليل يطغى على كل شيء. اقتربوا من مبنى مهدم يبدو مهجورًا، لكنه كان يعكس أضواء ضعيفة من الداخل، وكأن هناك شيئًا حيًا ينتظرهم. توقفت سيارة جيوفاني في زاوية، ونزل الاثنان بعناية، مسلحين بكل ما لديهم من أسلحة غريبة مصممة خصيصًا للتعامل مع الغيلان.

"ابقَ حذرًا. الظل الأكبر ليس مجرد كائن، إنه فكرة، قوة... قد تكون على دراية بنا الآن"، قال جيوفاني بينما كانت خطواتهما تتناغم مع صمت الليل. مع كل خطوة يخطونها، كان الهواء يصبح أكثر كثافة، وكان الإحساس بالخوف يتسرب إلى عظام سنان.

دخلوا المبنى بهدوء، وكل شيء كان مظلمًا وباردًا، وكأن المكان نفسه كان يحتفظ بذكريات من الماضي الأسود. فجأة، سمعوا همسات غير مفهومة، أصوات ترددها جدران المكان، كانت تأتي من كل زاوية. توقفوا في مكانهم، وكأن المكان كان يراقبهم.

ثم، ظهرت أمامهم صورة غريبة: كان هناك كائن ضخم يقف في الزاوية البعيدة من الغرفة، عيونه تلمع كالنجوم البعيدة. تجمدت الدماء في عروق سنان، شعر كأن قلبه قد توقف عن الخفقان.

قال الكائن بصوت يشبه زئير الرياح: "أخيرًا، جئتما. كنت أراقبكما منذ اللحظة التي دخلا فيها عالمنا. أنتم مجرد قطع شطرنج في لعبة قديمة."

فزع سنان للحظة، لكن جيوفاني أطلق رصاصة في الهواء، وهو يصرخ بأعلى صوته: "نحن لسنا قطع شطرنج، ونحن نعرف كيف نكسر قواعد اللعبة."

مع تلك الكلمات، اندلع هجوم شرس. الكائن القوي الذي كان يقف في الظلام انقض عليهما بكل قوته، عينيه الحمراء تومضان بالغضب. لكن جيوفاني كان أسرع، قفز بسرعة وأصاب الكائن في نقطة ضعفه، بالقرب من قلبه. انفجر الكائن في طيف من الدخان الأسود، ليختفي في الظلال. لكن قبل أن يختفي تمامًا، نطق بكلمات أخيرة: "لن تنتهي لعبتنا بعد، المحققون. نحن أكبر منكم جميعًا."

في تلك اللحظة، شعرا بهدوء لحظة قصيرة، لكن في أعماقهما كانا يعرفان أن الظلام لا يزال يراقب. كانوا مجرد بداية للرحلة المظلمة التي تنتظرهم.

خرج الاثنان من المبنى، وكانت السماء تفتح أبوابها للأمطار الغزيرة. ومع مرور كل دقيقة، كان الغموض يزداد قوة. كانت هناك قوة أكبر، وحش أكبر في انتظارهم، لكنهم كانوا مصممين على مواجهته مهما كلفهم الأمر.

كلما اقتربوا من الحقيقة، كان الظلام يزداد عمقًا، وكان أحدهم يعرف، تمامًا، أن القادم سيكون أفظع.