الصمت المظلم

عودة الظلام

الفصل الخامس: عودة الظلام

لم يمر سوى أسبوع واحد على المعركة المدمرة في باريس، ولكن المدينة لم تكن كما كانت من قبل. على الرغم من أن الظل الأكبر قد اختفى في اللحظة الأخيرة، كانت هناك علامات واضحة على أن شيئًا مظلمًا كان لا يزال يلوح في الأفق. جيوفاني وسنان كانا يشعران به، كأن الهواء نفسه يحمل تهديدًا خفيًا، شيء كان يترصد في الظلال التي تحيط بهما.

في صباح ذلك اليوم، دخل جيوفاني إلى مكتب التحقيقات وكأن شيئًا ثقيلًا يضغط على صدره. كانت الهدوء المزعج قد خيم على المكان. كان يراقب شاشة الكمبيوتر، حيث كانت تقارير الشرطة تتدفق باستمرار. ولكن ما جعله يرفع حاجبيه هو تقرير واحد فقط. كانت الحوادث في المناطق الأخرى تتزايد، وعادت تلك الكائنات الغريبة في أماكن عدة، وكلها تحمل نفس السمات التي واجهوها في باريس.

"هذه ليست مصادفة، سنان. الظل الأكبر لم يكن يهاجم من تلقاء نفسه، بل كان مجرد أداة." قال جيوفاني بصوت خافت، كأن الكلمات نفسها كانت تثير الخوف في قلبه.

سنان، الذي كان جالسًا بالقرب منه، لم يبدُ عليه الارتياح. كان يشعر بشيء غير مريح، وكأن الظلال التي تلتف حولهما هي نوع من المراقبة المستمرة. كانت عيناه تركزان على الشاشة قبل أن ينطق أخيرًا. "إذاً هو ليس وحيدًا. ربما كان يتبع أوامر من شخص آخر، شخص أكبر."

صمت لفترة، ثم أضاف جيوفاني بنبرة جادة: "أو شيء أكبر."

ركضت قشعريرة عبر جسد سنان، وهو يفكر في الكلمات التي قالها جيوفاني. شيء أكبر؟ هل هناك شيء أكثر رعبًا من الظل الأكبر؟ ربما كان هذا ما كانوا يحاولون الهروب منه طوال الوقت، الظلام الذي يلتهم كل شيء في طريقه.

ثم، دون سابق إنذار، دوى صوت رنين الهاتف في المكتب. التقط جيوفاني الهاتف بسرعة، وعيناه لم تفارقا شاشة الكمبيوتر.

"جيوفاني؟ أنت بحاجة لمجيء سريع. هناك شيء غريب يحدث في المدينة. عدد غير طبيعي من الغيلان... لكنهم ليسوا مثل الآخرين." قال الصوت على الطرف الآخر من الخط.

"أين؟" كان جيوفاني يعرف أن الوقت قد حان للتحرك.

"ميدان سان ميشيل. بسرعة، سيكون لدينا وقت محدود قبل أن يصبح الوضع أكثر سوءًا."

أغلق الهاتف بسرعة، وأشار إلى سنان ليلاحقه. "لنذهب، هذا هو وقتنا."

---

في ميدان سان ميشيل، كانت المدينة مغطاة بضباب كثيف. كان الظلام يبدو أكثر كثافة، وكان يحيط بالميدان وكأنه يريد ابتلاع كل شيء فيه. عندما وصلا إلى الموقع، كان المشهد أسوأ من أن يوصف. كانت المخلوقات التي اجتاحت الميدان أكبر وأقوى من أي شيء شاهده جيوفاني وسنان من قبل. كانت أعينهم تتوهج بألوان غير طبيعية، وكانت أجسادهم مشوهة ومغطاة بجلد داكن يشع بغرابة.

ولكن أكثر ما لفت انتباه جيوفاني هو وجود شخص واقف في وسط الميدان. كان يرتدي معطفًا طويلًا وغطاء رأس يغطي وجهه، ولكن من هيئته كانت تبرز هيبة غير مألوفة، كأن هذه الشخص كان يتحكم بكل شيء.

"إنه هنا." همس سنان وهو يحدق في الشخص الغامض.

نظر جيوفاني إلى السنور العجيب الذي بدا وكأنه يسير بثقة نحوهم. "هذه هي لحظتنا."

تقدم الاثنان نحو الشخص الغريب بحذر. كان الظلام يزداد كثافة مع كل خطوة، كما لو أن المكان كله كان يزداد توترًا. كان الهواء ثقيلًا، وكل شيء كان يهمس بصوت خافت في آذانهما.

"أنتما ليسا الوحيدين اللذين يطاردهم الظلام." قال الشخص في المعطف بصوت منخفض، محاولا خنق الكلمات في حلقه. "أنا هنا لأنني أرى ما لا تستطيعان رؤيته. الظلام الذي كان يملأ قلبكم الآن أصبح جزءًا منكم."

توقف جيوفاني عن الحركة، وعيناه ضاقت. "ماذا تعني؟"

رد الشخص وهو يرفع يديه إلى السماء كما لو كان يطلب شيئًا. "الظل الأكبر كان مجرد بداية. الحقيقية الآن ستظهر أمامكم، شيء أقوى، أكثر شرًا، ليس في الظلال فحسب، بل في كل روح على هذه الأرض. أنا... أول من عرف تلك القوة."

في تلك اللحظة، بدأت المخلوقات حولهما تتجه نحو الشخص الغريب، وبدت ملامحها أكثر تعقيدًا وغموضًا. كانت الظلال تتراقص حولهم، وكأنما كانت تدور في حلقة مغلقة. كان الظلام يزداد كثافة، حتى أصبح المكان غير مرئي تقريبًا.

فجأة، انطلقت واحدة من المخلوقات نحو جيوفاني وسنان. تحرك الاثنان بسرعة مذهلة، لكنهم لم يكونوا مستعدين لهذا الهجوم المباغت. انطلقت عدة ضربات من المخلوقات نحوهم، وكانت هناك قوة غريبة في الهواء، قوة لا يمكن تفسيرها. بدأت الجدران المحيطة تتشقق، كما لو أن المدينة نفسها كانت تتنفس.

في لحظة متقلبة، شعر جيوفاني وسنان بكل قوتهما تهتز. أدركا فجأة أن الشخص الغريب لم يكن سوى متلاعب بالظلام، وأنه كان محرك كل هذه المخلوقات المظلمة. كانوا في مواجهة مع شخص أو كائن يستطيع التحكم في كل شيء، وكان الظلام أكثر من مجرد تهديد عابر، بل كان في طريقه ليأخذ شكلًا أكثر وحشية.

"لن تفلتوا مني، أبدًا." قال الشخص الغريب، وهو يبتسم ابتسامة مرعبة. "لقد بدأ العهد الجديد، حيث لا يوجد نور... فقط الظلام."

المعركة بدأت الآن، لكن هذه المرة لم تكن مثل أي معركة خاضوها من قبل. كانت المعركة من أجل أرواحهم، ومن أجل بقاء الإنسانية نفسها.