الفصل الرابع: مواجهة الظلام
كانت أضواء المدينة البعيدة تتلاشى شيئًا فشيئًا، وكأن المدينة نفسها كانت تحتضر في ظل هذا الهجوم المروع. ارتفع ضجيج الرياح بين الأبنية القديمة، وزادت همسات الظلام التي كانت تحيط بجيوفاني وسنان. بينما كان الظل الأكبر يقف أمامهما، كانت عيونه المتوهجة مثل جمرات مشتعلة في ظلام دامس. كان جسده الضخم مغطى بظلال تتحرك وكأنها كائن حي آخر، وعيناه كانتا تبرقان بغضب قديم، كأنها تحترق بعزيمة لا تنتهي.
"أنتما من تسميان أنفسكما محققين، أليس كذلك؟" قال الظل الأكبر، وصوته يرن في الهواء كالرعد. "أنتما مجرد خيال ضائع في عالمي. أنا من يقرر متى ينتهي كل شيء."
كانت همسات الظلام تتصاعد في الأجواء، وكأن كل شبر من المدينة كان يتنفس في تناغم مع هذا الكائن الرهيب. كان الضوء الذي يحيط بجيوفاني وسنان يتضاءل، وكأن الظلام نفسه كان يغطي كل زاوية وحافة في المكان.
لكن جيوفاني لم يظهر عليه أي قلق، كانت ملامح وجهه لا تزال باردة، وعيناه تراقبان الظل الأكبر بحذر. "لن تستطع السيطرة على هذه المدينة. ليس الآن، وليس بعد الآن."
سحب جيوفاني سكينه المصنوعة من الفضة، التي كانت تلمع في الظلام مثل شعاع ضوء خافت، بينما أخرج سنان سلاحه الخاص، مسدسًا مزودًا برصاص مكهرب. كان الاثنان يعرفان أن مواجهتهما مع الظل الأكبر لن تكون سهلة، لكنهما كانا مستعدين. لم يكن لديهما خيار آخر. كانت المدينة كلها، وحياتهما، على المحك.
اندفع الظل الأكبر نحوهما بسرعة لا تصدق، كأن الأرض نفسها كانت تهتز تحت خطواته. كان يتحرك بمرونة غير طبيعية، وكأن جسده لا يتبع قوانين الحركة البشرية. كانت أيديه تتشكل في ظلال متغيرة، كأنها أطراف غامضة تسعى إلى قتلهما.
جيوفاني كان سريعًا، تحرك إلى الجانب بسرعة مذهلة، وأصاب الظل الأكبر في أحد أطرافه بسكينه الفضية. انبعث ضوء خافت من الجرح الذي أحدثه السكين، ولكن لم يكن التأثير كما كان يتوقع. الضربة لم تضعف الظل، بل زادت من غضبه.
"أنت لا تفهم شيئًا، يا محقق!" قال الظل الأكبر، وهو يعاود الهجوم، "لقد أنشأتني، وأنت من سيقضي على نفسه الآن."
في تلك اللحظة، شعر سنان بنوع من الانفصال عن الواقع. كانت الأضواء حوله تتلاشى، وكان الظلام يلتهمه شيئًا فشيئًا. كانت أصوات الغيلان تقترب، وصوت ضحكة الظل الأكبر يتردد في كل زاوية. كانت أصواتهم تصم الآذان، وكأن الظلام يتحدث إليهم مباشرة.
لكن سنان لم يتراجع. لقد شعر بقوة غامضة داخله، شعور لم يشعر به من قبل. كان يعلم أن هذا هو التحدي الأكبر، ولكنه لم يكن ليخضع له. دفع جيوفاني خطوة للأمام، وحينما انقض الظل الأكبر عليه، أطلق سنان رصاصة مكهربة نحو جسد الكائن. لحظة بعد لحظة، كان شعاع الكهرباء يلتف حول الظل، لكن الظل الأكبر لم يتأثر سوى لحظة قصيرة.
لكن هذه اللحظة كانت كافية. في تلك اللحظة من الضعف المؤقت، باغت جيوفاني الظل الأكبر بضربة سكين أخرى، فشقت السكين جسده الظلامي، وأحدثت انفجارًا هائلًا في المكان. كان الظل الأكبر يصرخ، لكن صوته كان يختفي تدريجيًا في الدخان الأسود المتصاعد.
لكن القتال لم ينتهِ بعد. في وسط الدخان، انتفض الظل الأكبر مرة أخرى، أقوى من قبل. كان يتغذى من الظلام الذي يحيط به، وكلما أرسلوا ضربة، زادت قوته. جيوفاني وسنان كانا على وشك الانهيار، لكنهما صمما على إتمام مهمتهما.
قال جيوفاني وهو يلهث: "لا نستطيع القتال إلى الأبد. يجب أن نضع حدًا لهذا."
"كيف؟" سأل سنان بصوت مختنق، وهو يشعر بجسده ينهار من التعب.
"نحتاج إلى تجميع قوتنا معًا، فقط هكذا سنتمكن من إيقافه. الظل الأكبر يعتمد على الظلام، ونحن نملك الضوء." أجاب جيوفاني وهو يلتقط أنفاسه.
في تلك اللحظة، شعر سنان بشيء غريب. كانت فكرة قديمة، فكرة عن الضوء والظلام، تتشكل في ذهنه. فهم فجأة أن الظل الأكبر كان مخلوقًا يعتمد على القوة السلبية، بينما كان النور هو ما يمكنه هزيمته. دون تفكير، أطلق سنان ضوءًا مكهربًا هائلًا من سلاحه، في نفس اللحظة التي وجه فيها جيوفاني سكينه الفضية في قلب الظلام.
تجمعت الأضواء في ضربة واحدة، وعندما اصطدمت بالظل الأكبر، كان كل شيء يتساقط حولهما. كان الدخان يختفي، وكان الظل الأكبر يصرخ بألم شديد. أخيرًا، أطلق الظلام عواءًا عميقًا، ثم اختفى في الهواء، تاركًا وراءه فقط الصمت، وصوت الرياح.
ولكن، بالرغم من فوزهما المؤقت، كان جيوفاني وسنان يعلمان أن هذا لم يكن نهاية الظلام. بل كان مجرد بداية لمواجهة أكبر. كان الظل الأكبر قد اختفى في الظلام، ولكن قوى أكبر كانت تلوح في الأفق، ولن يستطيعا الوقوف في وجهها إلا معًا.
"لن تنتهي اللعبة بعد، سنان. هذا مجرد بداية"، همس جيوفاني وهو ينظر إلى المكان الذي اختفى فيه الظل الأكبر.
وفي ذلك الليل البارد، بينما بدأت المدينة تتنفس من جديد، كان المحققان يدركان تمامًا أن الظلام الذي اختفى أمامهما الآن، سيعود ليواجههم في وقت قريب.
![](https://img.wattpad.com/cover/382358164-288-k877120.jpg)
أنت تقرأ
الصمت المظلم
Terrorفي عالم تتداخل فيه الحقيقة مع الأساطير، يقف المحقق الإيطالي الشهير جيوفاني، بشخصيته الباردة وذكائه الفذ، في مواجهة قوة خفية تهدد العالم. يعمل جيوفاني في منظمة تحقيقات دولية تتصدى للغيلان، كائنات خارقة مختبئة بين البشر. في رحلته إلى باريس، ينضم إليه...