الفصل الثالث : كِذبَةٌ مُتَمَاسِكَة

308 63 36
                                    

كان فيليكس قد فقد الإحساس بالوقت تمامًا. لم يعد يعلم كم يومًا أو أسبوعًا مضى عليه في هذا المكان، لكنه يعرف أن كل لحظة هنا كانت تضيف جرحًا جديدًا إلى عقله.

كانت الوثيقة التي أحضرها "الرجل المخيف" كما يسميه بين يديه الآن

الورقة لا تبدو مزيفة فالتفاصيل، التوقيع و حتى ختم الجهة الرسمية، كل شيء فيها كان يبدو حقيقيًا إلى حد يثير الرعب ومع ذلك فيليكس لم يستطع تصديقها.

كيف يمكن لهذه الوثيقة أن تدّعي ذلك؟ أن تخبره بأنه شخص آخر باسم آخر و بحياة أخرى لم يعرفها أبدًا؟ كان يعلم أن ذكريات طفولته مشوشة بعض الشيء لكنها لم تكن أبدًا تدل على هذا. كيف يمكن أن يكون شخصًا غير نفسه؟ كيف يمكن أن تكون حياته مجرد كذبة؟

الغرفة التي بدت خالية وبيضاء طوال الوقت أصبحت وكأنها تضيق عليه، تلتف جدرانها حوله ببطء وتخنق الهواء من رئتيه، لم يعد بإمكانه الجلوس بهدوء.

وقف مترنحًا قدماه بالكاد تحملانه وعيناه تحدقان في الوثيقة على الأرض التي بدت وكأنها تحرق جلده.

صوت الرجل المخيف لا يزال يتردد في ذهنه، نبرته الباردة التي تحمل تهديدًا خفيًا.

" لما شاب فرنسي يتضاهر بكونه كوريا؟"

لكنني كوري...

تمتم فيليكس بصوت متقطع، يحاول إقناع نفسه قبل الآخرين.

والدي أخبرني بذلك، قال إنني لا أشبههم لأن جدتي كانت من أصول أوروبية، وأنني ورثت ملامحها لهذا السبب أتحدث الفرنسية بطلاقة...

توقف للحظة فالكلمات التي خرجت من فمه كانت تبدو كافية دائمًا لتبرير كل شيء، لكنها الآن بدت ككذبة مكشوفة و هشة تكاد تنهار تحت ثقل الشك.

بدأ يلتقط أنفاسه باضطراب يحاول جاهدًا جمع شتات أفكاره، إن كانت تلك الحقيقة لماذا تبدو الآن مجرد وهم؟

حاول التفكير مجددًا لكنه كلما غاص أعمق وجد نفسه عالقًا في دوامة خانقة،إن لم يكن هو فيليكس فما تفسير عائلته بالموطن و كيف يمكن لذكرياته، لهويته الراسخة أن تكون موضع شك؟

ومع ذلك، كان هناك شيء واحد يعرفه جيدًا،هو ليس جاسوسًا.

هذه الفكرة الوحيدة التي تشبث بها كطوق نجاة في بحر من الفوضى لكن العالم من حوله كان ينغلق عليه ببطء.

الأسئلة التي كانت تخيفه بدأت تتحول إلى قيود تربطه.
الكلمات التي اعتادت أن تمنحه الأمان أصبحت ثقيلة عليه و غير قادرة على حمايته من الحقيقة التي باتت تقف أمامه متربصة.

SON OF A BITCHحيث تعيش القصص. اكتشف الآن