الفصل التاسع : دِفءُ المَطَر

279 45 20
                                    

فيليكس استفاق على صوت كبير الخدم وهو يناديه للعشاء وكان الليل قد حل بالفعل، تجمد في مكانه للحظة مراقبا المطر من النافدة و متعجبًا من الشعور الغريب في جسده.

لقد نام لوقت طويل أكثر مما اعتاد عليه وكأن الزمن قد سحب نفسه ببطء خلال غفوة مفاجئة، نظر حوله في الغرفة فكل شيء كان هادئًا جدًا وكأن الأشياء نفسها تذكره بشيء غريب.

تردد في النهوض لكن ذهنه بدأ يتسابق مع ذكريات الحلم الذي رآه.

في الحلم، كان طفلا صغيرا يرتدي ثيابًا بيضاء ناصعة و وجهه شاحب من التعب بينما عيناه تغرق في الحزن والألم.

جسده كان مغمورًا في عذاب لا يُحتمل وكان يتنقل في فضاء أبيض شاسع ليس له بداية ولا نهاية، كان المكان هادئًا بشكل غير طبيعي وكل شيء فيه ثابت وكأنه جمد في لحظة واحدة.

بينما كان يلهث ويعاني دخل الطفل المغمش من ذاكرته ولكنه كان يحمل شيئًا غريبًا، قنينة صغيرة مملوءة بثلاث فراشات ملونة.

بمجرد أن جلس الطفل بجانبه وضع القنينة بحذر على الأرض ثم حرر الفراشات واحدة تلو الأخرى.
الفراشات التي كانت مغمورة في السكون بدأت تهتز بأجنحتها بلطف قبل أن تطير بحرية في الفضاء الشاسع وكأنها قد استعادت حياتها.

بدأ الطفل المغمش يروي له قصة عن الفراشات بينما يراقبانها، صوته كان هادئًا دون أيّ مشاعر ولكن الكلمات كانت تحمل معنى عميقًا.

كان يتحدث عن الرحلة الطويلة التي تخوضها الفراشات وكيف أن كل واحدة منها تمر بتجربة شبيهة بالتحول من الضعف إلى القوة، من الظلام إلى النور.

بينما كان يروي القصة، كانت كل من الفراشات تحلق حولهم وكأنها تعبر عن تلك الكلمات بطريقة لا يستطيع العقل تفسيرها.

فاجأه منظر الفراشات وهي تطير حولهما تحلق بحرية، تجذب الأعين والمشاعر مع كل حركة.
كلما نظر في أعين الفراشات، شعر وكأنها تحمل شيئًا منه، شيئًا كان محجوزًا في أعماق قلبه و لم يكن فقط يراقب الفراشات وهي تطير، بل كان يشعر بأن هناك علاقة غير مرئية تربطه بها، كأنهما جميعًا جزء من نفس القصة، قصة التحول، البحث عن الضوء والهروب من الألم.

ومع مرور الوقت في الحلم، شعر فيليكس بأن الألم الذي كان يعاني منه الطفل في الحلم بدأ يخف تدريجيًا.

ربما كان التحول الذي تحدث عنه الطفل في قصته هو ما كان يحتاج، كان هناك شيء ما يحتاج إلى أن يتحرر، كما تحررت الفراشات.

ثم آخر ماتذكره كان كلمات الطفل قبل مغادرته.

ذهب فيليكس لتناول العشاء لكن عقله كان لا يزال مشغولًا يحاول فك رموز ذلك الحلم الذي ما زال يرن في ذاكرته، جلس على الطاولة هادئًا في ملامحه، عينيه تائهتين بين الطعام، كانت أفكاره تسرح في الأسئلة الكثيرة التي تدور بباله، الأسئلة التي لم يحصل على جوابه بعد.

SON OF A BITCHحيث تعيش القصص. اكتشف الآن