الفصل الثامن والعشرون

3.9K 271 5
                                    


طرق باب الغرفة ،فأحست بالوجل ،والخوف ،ليطرق مرة أخرى ،فتتذكر أن عليها أن تدعوه ليدخل ،لكن صوت كارول اخترق الباب :

- سيدتي ،هناك أمرٌ مهم يجب أن تشهديه .

تشهده ! وهل هناك أكثر ألماً ،وارهاقاً ،من أن تشهد مصرع والدتها أمام ناظريها ؟!

فتحت الباب ،لتخرج بجسد ضعيف ،بحالة ميؤوس منها تماماً ،بغمامة من الحزن والأسى ،فأشاح كارول وجهه بأسف ،بينما هم يتقدمها ،تتبعه في صمت شديد ،لتصل ممراً من الزجاج الخالص ،تكسوا جدرانه المرايا ،ليقول كارول :

- هنا يجب أن تكملي مسيركِ وحدكِ صاحبة السمو ،فأنا لا أستطيع العبور .

أخذت خطواتها تطرق المكان طرقاً ،ومع كل خطوة ينبض قلبها بقوة ،ليمزق صدرها ،ويمنعها من التنفس ،لتشعر بالدوار ،وأن الدنيا تصبح مشوشة ،لتتكئ على إحدى المرايا مخافة السقوط ،بدت في أوج حالتها من التعاسة ،واليأس ،من الهموم ،من العذاب ،هي تدرك أن ما تنتظره هو جثة هامدة ،لا حياة فيها .

توسع الممر المزجج ،بغرفة مليئة بالأصص الأزهار ،خضراء زاهرة ،يتوسطها تابوت مغطى بالزهور ،على طاولة مستطيلة ،تتدلى من أقدامها أوراق العنب ،أخذ قلبها ينبض ،وسرعة تنفسها تزداد ،وأصبح الشحوب يأكل جسدها ،وتعالت الأصوات داخل رأسها ،صراخ ،أنين ،ضحكات شريرة ،ليتثاقل الهواء المحيط بها ،وتشعر ببرودته يمزق أطرافها ،لتقترب نحو التابوت بسرعة ،وتنهار على الجثة المجمدة ،وتصرخ ببكاء حارق ،أليم ،مخنوق ،يجعل الفؤاد يتقطع :

~ أمـــــــــــــي !

ثم أخذت تبكي بكاءاً مراً ،متقطعاً ،تمسك يد والدتها الباردة ،تضعها على وجنتها ،لعلها تلتمس منها حناناً ،لعلها تعطيها بعض الدفئ الذي يعيدها إليها ،لكنها ما زالت باردة كالثلج ،مجمدة كالتمثال ،لا هواء يخرج من أنفها ،لا نبضات ،لا همس ،ولا أنين .

~ أمــــــــــــي !

صرخت مجدداَ ،وعادت تجهش بالبكاء ،وأخذ صوتها يضعف ،ويتحشرج :

~ أمــــي ! ... لا تتركيني وحيدة هنا ... لا تتركيني وحدي ... هيا نعد معاً إلى المنزل ... أريد أن نعود معاً ،حيث الهدوء ،والأمان ...

ثم تفجرت عيناها دموعاً :

~ أمـــــــــــي !

وانهارت على الأرض ،تبكي بحرقة ،حتى كادت روحها تخرج من مرارة دموعها ،لتهمس بأسى :

- أمي ! ... لمَ لا تجيبينني ؟!

***

مرت أيام ،لا يعرف أحد مقدارها ،تخفي فيها سايانا وجهها عن الجميع ،حتى وصيفاتها الثلاثة منعن من الدخول ،وحبسن في غرفة أخرى مؤقتاً ،حتى تعود سيدتهن إلى سابق عهدها .

Tied Bird In His Kingdom - (في مملكته أسيرة (قيد التعديلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن