و على الارضية الرخاميه البارده كنت انا اجلس منذ اكثر من ثلاث ساعات .. القلق يأكل اجزاء قلبي مع كل رنه تمضي و لم يُجب .
الشهقات لازالت مستمره مع تدافع الدموع من عيناي .. نادمة اشد الندم .. نعم لقد بالغت كثيراً في تأنيبي له فلست انا الوحيده التي اشعر هنا فهو ايضاً له الحق في ذلك .. لديه الحق في الحزن و الغضب و الفقد .. هو الذي لم يجد يوماً الحنان الذي وجدته انا لم يجد حنان الام و الاب و دفئهما بينما انا كنت غارقة بينهما .. اتمتع بكل شيء .. كل ما اطلبه اجده .. وكل ما أَمر به مطاع فور قولي ..لدي عائلة كبيره كثير من الاخوه و الاخوات و العديد من الاقارب و الاصدقاء .. بينما هو يكاد لا يجد محبوباً غيري و غير عمله الذي ظل يكدح حتى يكون شيئاً ذا مكانة عاليه و قد كان و لم يزل .. انا فعلاً انانيه و مغروره و ليس لدي ادنى الاحساس بمشاعر الاخرين .. ضربت جانب راسي المتكى على الحائط به مراراً و تكراراً لعلي به اخفف قليلاً من وجع قلبي و عادت دموعي تنهمر مرة اخرى و كأنما تغسلني من خطيئتي .
و بعد اكثر من نصف ساعه سمعت تحرك المفاتيح في تلك البوابه الضخمه و شعوري بشخص ما يدخل .. كنت أأمل انه محمود و اشعر بهذا و لكن لم استطع التحرك بسرعة للتأكد.. لانني من اولئك الاشخاص الذين عند شعورهم بالخوف يعجزون عن اتحرك او اطنني تيبست في مكاني من كثرة الجلوس هنا .
مكاني الذي كان في اخر الصالون الواسعه خلف احدى الكنب و الاضاءه الخافته لم يسمح للداخل برؤيتي .. سمعت خطواته تصعد للاعلى و بعد لحظات ارتفع صوته منادياً < نوره > اثناء ذلك كنت انا قد نجحت في الوقوف و التقدم الي اخر السلم صاعدة اليه .. سحبت قدماي ببطى و قلبي يكاد يسبقني فرحاً بعودة حبيبي و اظن ان من يراني الان يجزع كمن رأى شبحاً لانني اكاد اكون مخيفة مثله شعر مبعثر .. ملابس واسعه .. هالات سوداء تحت عيناي مع تورمهما و اثار الدموع في وجهي .. و مشية بطيئه جداً .
و صلت اخيراً الى غرفة نومنا و وقفت امام بابها اراقب محمود الذي كان جالساً على الارض بجانب السرير يراقب شيئاً ما عليه و يـبــتـســم.. آآآه كم احب ابتسامته .. ثم شهقت و عدت للنواح مرة اخرى جعلت محمود يلتفت خوفاً ثم يهرع الي و يضمني بقوه : اسف .. انا حقاً اسف .. لم اكن اقصد بأن اصفعكِ و لكن اعصابي ثارت فجأه و غضبت .. سامحيني يا عزيزتي .
آه كم هو حنون .. لقد كنت اريد ان اتأسف له كطريقته و لكنني فضلت الطريقه الفظه فكورت كفي و ضربته على صدره : لمَ لم ترد على الهاتف آيها الأحمق لمَ .. لقد جعلتني اقلق عليك .. ثم انني لا احب البقاء وحيده .. و الجو بارد .. و لم أأكل طعام العشاء .. المرة القادمه عندما تصفعني عليك البقاء هنا حتى نتناول الطعام ثم غادر ... قلت كل هذا وانا مازلت اضربه على صدره بقبضتي و هو يضحك و يتصنع الالم : ههههههه .. حسناً حسناً يا جميلتي الغاضبه لن اكررها مرة اخرى .. ثم ما هذا انتي دائماً تشعرين بالجوع حتى و انتي مريضه تأكلين اكثر مني ..
قلت متصنعة الغضب : و لكن هذه معدتي خُلقت كبيرة هكذا .. يجب علي ملؤها بالكامل عندما تشعر بالجوع ..
قال : اتسائل احياناً اين يختفي كل الطعام الذي تلتهمينه فأنتي كالريشه ..
قبل خدي بخفه ثم جرني الى السرير قائلاً : سأريكِ شيئاً ستحبينه .
اظنه يقصد ذاك الشيء الذي كان ينظر اليه و يبتسم .. ربما كانت هدية جلبها إلي .. يا فرحتي ^_^ .حمله الي و وضعه بين ذراعي و هنا توقفت قدرتي على الاستيعاب .. تدلى فمي حتى لمس الارض من هول دهشتي ..
* إنــه طـــفلـــ *
قلت بصوت بالكاد يُسمع : ما هذا ..!
تحدث محمود بحماس بكل ما حدث له منذ خروجه من هنا غاضباً حتى عودته سعيداً و فرحاً ..
محمود : سنسميها هبه كإسم ابنتنا التي توفت و نجعل شهادة ميلادها لهبه هذه .. ثم لا تنسي باننا لم نخرج لها شهادة وفاة بعد.. و ايضاً لا احد بعد يعلم بعودتنا الى الوطن لذالك لا احد سيشك .. لا اظن ان احد سيبحث عنها و الا لما رموها بهذه الطريقة البشعه .. ثم اننا سنعتني بها و نحبها كإبنتنا التي فقدناها و سنكون لها ابوان رائعان .. اليس كذلك ..!إقتنعت بكلامه كله .. فنحن حقاً بحاجة لها .. رفعت نظري اليه و قلت :
أنا لن أندم أبداً على حبي لك ...
أنت تقرأ
قيل بأن القمر هو الشاهد
Misterio / Suspensoحين تغفو المشاعر و يصبح الغضب و الحزن هو الميسطر .. ..حين يمنع الحقد الحب من ابداء رأيه .. .. حين نمضي قُدماً دون التفكير في عواقب ما نحن مُقبلين عليه .. ... هنا و في هذه اللحظات سيبقى الندم حليفاً الى الابد مرافقاً و محباً لنا مبتسماً بفخر لعثوره...