الفصل الأول {عرشمان}

1.2K 97 142
                                    

الرجاء تشغيل المقطع الصوتي أدناه للإستمتاع بالفصل. قراءة ممتعة!

27/أيار/2004

"تم و بعون الله توصل إلى هدنة بين القوات الموالية لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر و الجيش الأمريكي..نأمل أن تتحسن الأوضاع." قال المذيع في الراديو.

أوضاع العراق تزداد سوءاً..فالناس في الملاجئ لعلّها تحمي عائلتها و أولادها، و جميعهم باتوا يخافون بأن يُطلق عليهم قنابل كيميائية في أي وقت، فلذلك كانوا دائماً يحمون أنفسهم بإغلاق النوافذ و تعتيم المنازل لكي لا يصيبهم مكروه. العراق، بلد القوة..صار مهدداً بالدمار!
جهزّت نفسها بحقيبة الإسعافات الأولية و القماش المبلل..لكي لا يمسّها مكروه، رغم أنّها طوال سنينها التسعة و العشرون لم يكن لديها أي إسعافات أولية. طوال وقتها تقرأ القرآن و تدعي لربها خاشعة باكية بأن يعفو الله عن وطنها.

رغم الخبر المفرح قليلاً إلا أن صريخ الناس كان يملئ أذناي عرشمان..و يجعلها تنكمشُ حول نفسها بوهن! خسرت عملها و قوت يومها في هذه السنة، تمنت موتها على موت موطنها..فكلما خرجت أكلَها الحزن و هشم روحها..! ترى الأطفال على أحفة الأرصفة  و لا تستطيع فعل شيء..! يخطر لها أحياناً أن تساعد عدداً من الأطفال و لكن حالها يمنعها رغم إيمانها بفكرة أن إذا ساعدت أحد، سيساعدك الله. فهي لا تملكُ الكثير..فما منزلها إلا غرفة وعلى يسارها الحمام و مطبخ متصل بالصالة. و لكنها راضية عنها، فهي عانت لامتلكته..عملت سنيناً طويلة لجمعت سعره إلا  أنه لم يكن باهظاً.

السعي وراء الأفضل كان عنوان حياتها! رغم الألم الذي يحاوط حياتها مذ صغرها إلا أنها تماسكت. كانت فتاة يتراوح عمرها بين العاشرة عندما تشردت بسبب اغتيال أبيها السياسي من قبل الاسرائليين الذي كان ضدهم..كما كان يقدم المساعدات الغذائية للمحاصرين الفلسطينيين آنذاك. رفضتها عائلتها كلها بسبب نقص المناعة الذي كانت تُعاني منه..فقد كانوا يخشوا من أن تنقل لهم مرضاً، و لكن السبب الصادق وراء رفضهم كان خوفهم على حياتهم. عانت كثيراً، و لكن حكمتها و ذكائها و طبعها القوي جعلها تقف على قدميها بعد أن استلمت من ورثة أبيها قليلاً من النقود و بدأت رحلتها..عملت كخادمة سنيناً لأنه كان الشيء الوحيد الذي تجيده! تربت على أيدي السيدات القديرات التي عملت لديهن و لكنها كانت تربي نفسها بنفسها غالباً. قصة الحب التي عاشتها مع مالك المطعم لن تنسى و الأيام التي قضتها برفقة ذاك الرجل تعتبرها من أجمل أيام العمر. و لكنها قررت كتمانها، و قفلها في صناديق قلبها. اشترت المنزل و  بدأت تنسى ذاك الرجل و استنتجت من العلاقة الصغيرة أن تكون لنفسها كل شيء..و أن الحياة هي تجارب عديدة و علينا أن نفوز في إحدى التجارب. و قالت أنها اختارت أن تفوز بهذه التجربة لتستنتج شيء قد يجعلها تعيش بضمير مرتاح. و أفادتها أيضاً بأن الحب أرقى من أن نحب بالجهر! لأننا لا يجب أن نفرط بقلوبنا!

عرشمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن