الفصل الخامس {زواج}

382 57 55
                                    

حكى ليث لأبيه عن الإمرأة الذي تبنّته و كيف وجدته بينما يمشيان للمنزل، ليقول لعرشمان أنّه وجد أبيه! و لكنه كان مُتعبٌ جداً..بات محتاراً بين عرشمان و أبيه! من سيختار؟ ما القادم؟ ما ردة فعل عرشمان؟ كان ينظرُ خلسة كل ثانية لأبيه و يبتسم..لقد عاد أبيه! أعاده اللّه إليه..خطواته تحكي لهفته، و كان راني يلاحظ هذا. رغم قلقه من أن يكون ليس ابنه، ربما حنينه قد جعله يصدق بسرعة! كان قد سأله عن اسمه و سنة ميلاده و اسم أمه و أي معلومة قد تفيده، و وجد كل شيء مطابق، و لم يأخذ حتى وقتاً ليفكر!

الشمسُ قد انطفأت سامحة للقمر بأن يهلّ، و صار الجو أكثر برودة..و وشوشةِ النسيم اللطيف يأخذ الأشجار يميناً و يساراً! نظر راني للهلال في الأعلى، إنَّ القمر استمدَّ نوره من الشمس، و الشمس أيضاً تُخبئ نفسها تفانياً لكبرياء القمر! رغم أنّها عندما تخرج تقتل كلَّ النجوم حوله..و لكنّها تبقى تُعطي و لا تأخذ..تماماً كعرشمان!

ما كانَ يُعطي راني أملاً للبقاء أكثر، هو وجود عرشمان! فكان يعرف أنّها في مكانٍ ما؛ حيّة! فقلبه كان يُخبره بأنّها حيّة..كان يشعر بنبضات قلبها في قلبه! يسمعُ صوتها في أذنيه، و يسافر بروحه لها..ليطمئنُّ أنها ما زالت تفكر فيه! تماسك كلَّ تلك السنين و لم يبكي..و لكن عندما رأى فلذة كبده حيّاً أمام عينيه حسَّ أن المياه سقت صحراء حياته...

وصلا لباب المنزل الخشبي القديم..ثمَّ جلجلا الجرس. فتحت الباب إمرأة يتراوح عمرها بين الثلاثين ربيعاً، لا تضع على رأسها حجاباً فلم تتوقع زيارة غريب، على يمين كتفها جديلة كستنائية تُزيّنها شريطةً حمراء، تلبسُ روباً أسود مزركش..يظهر الوهن في عيونها العسلية العميقة، التي تحمل نظرةً قوية ثاقبة. إمرأة؛ بدت مذهولة عندما وقعت يداها على جنبيها و جفلت ملامح وجهها، لم يرفُّ لها جفنٌ، و لم تُحرّك لسانها بحرفٍ..لمعت مقلتيها بدموعٍ سردت قصصاً و أسرار، كان واضحاً انكسارها من كتفيها اللذان ارتخت بيأس..الرجل الذي يقف قبالتها كان جزءاً من المستحيل! كان أمنية نطلبها من نجمة!

هي عرفته من بين كل الرجال، ممسكاً يد ليث بقوّة كادت أن تهشّم أصابعه..كانت العبرة تقف في حلقه! كم بحث سنيناً عن عيناها؟ يكفيه صدمة ابنه و الآن حبيبة قلبه؟ ليث كان أكثرهما تفاجؤاً و يشعر نفسه أنّه مهمشاً!
"لمَ عُدتَ الآن راني؟ لِمَ؟...و أنتَ ليث، من يكون هذا بالنسبة لك؟ هاه؟ أخبرني!" كان واضحاً في نبرتها ذعرها من إحساسها، جفل راني من ردة فعلها و أغمض جفناه وهناً ثم ألقى نظرة على ليث الذي قال: "هذا أبي!" لمعَ الانكسار في نبرته. و ثم سادَ صمتاً أخرس...

و لكن من دونِ إنذار أو تفكير، فجأة و بكل حُبّ؛ رمى راني نفسه في أحضان عرشمان..لم يفكّر في أيّ شيء! لم يعتبر الناس الذي تجمعت ثانية، أو الدين الذي يمنعه، أو مشاعر عرشمان، أو ردة فعل ليث..فكّر في عشقه لها بعد أن مرّت كلَّ تلك السنين..فكّر في كم يهواها و كيف لم ينسى حتى نظرة عينها، و لم ينسى الشّامة أسفل عينها اليسرى، كيف لم ينسى ملمس يدها! "أعادني القدر الذي كتب لنا قصةً لم تنتهي! أعادني قلبي الذي جعلني أخطو لهذه المنطقة..أعادني وجودك هنا، طالبت روحك بي فأتيت..أتيتُ يا شقيقة قلبي! أتيت يا من رزقني اللّه بحبّها لأنَّ كيانك يطالبُ بعودتي..أتيت ذائباً بحبوب البن في عيناكِ..أتيت من أجلك يا أيتها السنديانة!" وقعَ كلماته على قلبها كان كقرع الطبول..فجعل قلبها يرقص، هو لم ينساها. لم يتجرأ على نسيانها..الحب لا ينتهي ببساطةٍ هكذا!

عرشمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن