7/آب/2011.
مرّت السنين على عرشمان - رغم الحرب - مروراً جميل..فالطفل ليث غيّر حياتها رأساً على عقب، و قد حلت مشكلة التبني و صار ابنها بالتبنّي. كان يقصُّ عليها ما كان يفعل مع أمه و لكنه لم يذكر أبيه إلا مرةً واحدة عندما قالَ لها: أنه طيلة الوقت في عمله و كانت لا تسنح له فرصةً في رؤيته أبداً..فقد كان يذهب لعمله و يعود من عمله أثناء نومه! كبر ليث كثيراً و الآن بلغ من العمر خمسة عشرة عام..مذ وعيَ أن وطنه في حرب و هو متاثر بشكل مبالغ! دائماً يتابع الأخبار و يتحاور مع كائن مع كان ليثبت وجهات نظره، فقد علّمته عرشمان أن يكون مثقفاً و أن يدرس عن كل الأشياء و لا يجعل آفاقه العلمية و الثقافية محدودة أبداً! كان يقول لعرشمان أنّه يوماً ما سيكبر و يصير رئيس وطنه ليحميه من الشجعين .
"تعالَ يا ليث و اسمع هذا الخبر الجديد!" نادته عرشمان بحماس. فركض من الغرفة لغرفة المعيشة.." عاجل أعزائنا المشاهدين! إقالة وزير الكهرباء بتهمة توقيع عقود وهمية بمئات ملايين الدولارات.
أمس الأحد، رئيس الحكومة نوري المالكي أصدر قرارا بإقالة وزير الكهرباء العراقي رعد شلال على خلفية إجراء الأخير عقودا وهمية بقيمة تصل إلى مليار و700 مليون دولار." أنهى المذيع في التلفاز كلامه."لماذا يخونون بلادهم؟" قال ليث بألم و مشي متوجهاً نحو باب المنزل ليخرج..لعلّه يخفف شيئاً من ألمه! فكم يوجعه انهيار وطنه! يضايقه أنّه في نظر الناس شاباً طائشاً..ليس لديه رأي سياسي أو شخصية تجعله يتكلم عن رأيه بحرية! لديه قناعة كاملة..أن هذه الحرب لم تخطط بسنة أو شهر..بل تخططت من عقود كثيرة! فالملف العراقي كان مطروحاً و بشدة للقادة اليهود منذ مرحلة الإعداد للكيان الاسرائيلي في فلسطين و حتى بعد قيامه..فمشروع إعادة ترحيل الفلسطينيين المستبعدين و توطينهم في العراق مشروع قديم، حيث العديد من الساسة طلبوا من بريطانيا التي كانت محتلة العراق آنذاك المساعدة في المشروع! و يبدو أن الحكومة البريطانية استجابت للمشروع باعتبار العراق غني بثرواته و خيراته و أيضاً ظهر المشروع بشكل قوي في سوريا و لبنان و الأردن..فإذاً بالطبع الملف العراقي كان مرتبطاً يشكل أو آخر بقضية فلسطين. قد قرأ كثيراً و بشكل مبالغ فيه عن القضية و من عدة وجهات نظر و كما أخذ وجهات نظر من أرض الواقع! و أخذ يحلل الأفكار التي تمقته و الأفكار التي تعجبه و يربط حدثاً بحدث حتى تكونت فكرة بلوريّة لديه!
كفى ألماً! متى سيقفُ القلم عن كتابة هذه القصة؟ و متى الحروف ستتبعثر لتمحي هذا التاريخ؟ علمتنا الحرب شيئاً..فعلمتنا أن في شدة الأزمة و الضيق يظهر الصديق! و أن عندما نغمضُ عيوننا عن شيء..سيعتقد الناس أننا عُمينا! فيضعون عصابة على عيوننا! و يعتقدوا بعضهم أننا قد أخطنا أفواهنا خوفاً...و لا يعرفون أن الصمت حل لا يدري عنه أحد! علّمتنا الحرب أن القمر له دائماً جانباً مظلماً و أن النجوم ملونة و ليست لها لوناً واحداً! أوضاع البلدان الأخرى هزّت كيانه، و أحداث سوريا كانت الضربة القاضية له. لذلك كان يفكر لما لا يذهب ليحارب؟ لما لا يدافع عن وطنه الذي يريد فعلاً أن يحميه! قد يرتاح ضميره و يضحي بعمره في سبيل وطنه!
كانَ تفكيره مشابه جداً لتفكير عرشمان عندما نَوَت أن تتبناه، الزمنُ دائماً يتكرر، و التاريخ يعيد نفسه من دون أن يعرف الأشخاص هذا..لأنّ هذه هي حياتنا؛ دوامةٌ تدورُ و تدور!"قررت!..قررت يا أمي أن أتطوع للحرب..! سأدافعُ عن وطني! و لن أجعل أي طفلاً يُعاني كما عانيت! سأسجد عند انتصارنا! لن أجعل قصتي تتكرر. أطفالنا المشردة واجب علينا، لن أدع بلدي يتشرد أبداً فليست العراق من تتشرد..و العراق أُخذت من الرجل العريق، أي الأصيل يا أمي، و أُخذت من عرق و هو أساس كل شيء و نحن أساسنا عرق أصيل من بلاد الرافدين حيث الكرم و الأصالة..حيث التضحية و الشجاعة! أنا عراقي..و واجب عليّ أن أدافع عن تراب العراق، لأنني سأُرَدُّ لها! و بإذن من خلقني من تراب لن أعود للتراب إلّا شهيداً.." قالَ فور دخوله للمنزل..و بدت عرشمان متأثرة بكلامه، و خصوصاً عندما انحنى عند ركبتيها..نزلت لعنده تعانقُ رأسهُ و تقبّله مراراً. "عرقاً صافياً نقياً كسماء صيف و شهامة تشهد البلاد لها..أنت يا ولدي عظيم! و لا أستطيع التخلّي عنك! أرجوك لا ترحل! ابقى لتبلغ السادسة عشر ربيعاً أقل ما هنالك! لأنني لن أمنعك أبداً من الدفاع عن وطنك..و لكن ليس الآن يا ولدي..ليس الآن." بدات تهجش بالبكاء فهزَّ رأسه موافقاً. تعلّقت به حتى أنّها تخشى من أن يفلت يداها..و خصوصاً في هذه المرحلة، فباتت تفكر في راني كثيراً و لا تحب هذا..فحسّها ينبؤها بأنها ستراه! و تخاف عندما ترى التشابه المريب بين راني و ليث، تخاف أن يكون لديه صلة فيه!
*******
شكراً للقراءة!!
رأيكم؟ توقعاتكم؟
بحبكم!!!
![](https://img.wattpad.com/cover/73686182-288-k318638.jpg)
أنت تقرأ
عرشمان
Historia Cortaتلك سيّدة تُخبّئ الحزن في جوفها و تقتله، و تخيط في قلبها ضحايا..سيدة لا تعرف الكثير عن الانسحاب! تكابرُ عينها عن لسانها، و تبكي بصمتٍ في حبال صوتها! تعاندُ الانكسار معاندةً كعنادِ غصنِ شجرةٍ بأن يُقطع، فتلك السيدة لا ترضى بالبتر أبداً! حُبها مُكا...