مرارة فقد

617 34 4
                                    

كانا يتشاجران كثيرأ وكل يوم لأسباب تافهة لم يكن يمضي يوم نرتاح فيه انا واخي من شجار والديِّ الدائم سباب وشتائم وضرب في كثير من الاحيان .... ولم يكن بمقدورنا فعل شيء سوى الامساك ببعضنا البعض في زاوية الغرفة ونصرخ بأعلى صوتنا ودموعنا قد اغرقت وجهيِّنا ... كنا صغار ابرياء على هذه الحياة اللئيمة لا اعرف لما والدينا انجبانا ان كانا لا يطيقان بعضهما البعض ماكان ذنبنا ان نكون شهود على شجاراتهما الدائمة حتى تململ الاقرباء من الصلح بينهم .... لم يكن كليهما ناضج كفاية لوضع حد لهذه الخلافات العقيمة ليفتح صفحة جديدة وينبذ الخلافات فقد كان جليأّ انهما يضمران الكره الشديد لبعضيهما ولايودان ان يسامحا او يغفرا بل يكرها ويحقدا للابد وكأن كل منهما ينتقم من الاخر ولا اعرف كيف ينتقما بخصاماتهما التي لا طائل منها!
وأخيراً وبعد صبر طويل طلبت امي الطلاق من والدي وكان الطلاق احلى من الشهد على قلب ابي فاعطاه ما ارادت بكل رحابة صدر وتخلص منها ولكنه لم ستطع ان يتخلص منا _ انا واخي _ ليبدأ حياته الجديدة ... فأمي وبكل بساطة رفضت ان تأخذ الوصاية تحت اجبار من أهلها بأن لا تأخذنا وتتركنا لوالدنا ليحمل همه لوحده في تربيتنا .... كنا صغاراً كنت في العاشرة واخي في السابعة من العمر  لم نكن نعي مجريات الامور التي بدأت ترسم  لنا حياتنا البئيسة القادمة فبعد ان بقينا عثرة في طريقيهما راح الاثنان يزيحانا بشتى الامور فابي يرسلنا لأمي وامي تعيدنا لأبي لان اهلها لا يقبلون لها ان تتكفل هي برعايتنا واستقر بنا الحال  أخيراً ان نبقى عند ابي ...
لم تكن بداية حياة سعيدة أبداً فأبي الذي قد تخلص كن امي أخيراً وارتاح منا كما كان يقول دائماً ان الاوان له ان يبدأ حياته من جديد مع شريكة جديدة تعوضه عن الكابة التي عاشها مع امي _ على حد قوله _ .
وتزوج ابي الفتاة التي ستغير حياته وفعلاً اتت لتغير حياته فأول ما أرادت تغييره ! هو وجودنا انا واخي حوله ... فشرطت عليه ان لا نعيش نحن الاثنان معهم وان يرسلنا البيت والديه _ جداي _ لنعيش معهم ..
لم يكن اتخاذ القرار الامر الصعب فما بين زوجته الجديدة ومابين ابنه وابنته فلذتي كبده اختار زوجته !
وتم ارسالنا كما ارادت بالضبط الى بيت جدي وصار هذا البيت بيتنا الجديد وصار جدي وجدتي هما والدينا الجديدين . .... كان علي ان اشكر زوجة ابي على هذا الامر فلولا هي لما كنا قد عشنا ايام راحة مثلما عشناها مع جداي ...
كانت تلك الفترة من طفولتنا وحتى سن المراهقة والنضوج كنا ننعم بالراحة تحت جناحيهما .
كان يسكن مع جداي عماي الاثنان وزوجاتهما لم تكونا ودودتين معنا في حال بل لم يكونا ودودتين مع بعضهما في اغلب الاوقات .... ولكننا كنا تحت حماية جدتي فلا نتأذى منهم .
في احد الايام كان عمي كمال قد نزل غاضبا من غرفته على ما يبدو انه قد تشاجر مع زوجته وكنت انا احمل صينية الشاي اقدمها لجدي وجدتي فزمجر بي لاني لم احضر له كوب شاي هو الاخر فرحت على الفور احضر له واحد وبعدها قال لي بغضب ان اقوم بكي قميصه لم اكن لأنطق بكلمة اعتراض او رفض فغضبه كان يخيفني وكنت على وشك ان أخذ قميصه لكيه كما امر ولكن جدتي نهرته ومنعتني من الامتثال لأمره وقالت في وجهه زاجرة " لم لا تكويه زوجتك هل يدها مكسورة .. لديك زوجة تقوم بخدمتك لذا لا تلقي الاوامر على حفيدتي او حتى حفيدة لم احضرهم الى هنا لكي يخدموكم انتم وزوجاتكم .. فهمت?! "
كان هذا الحديث كفيل بتحذيرهم جميعا من التعرض لنا انا واخي .. كانت جدتي قوية وكلمتها مسموعة وامرها ينفذ بلا نقاش فلم يكن يجرأ احد على الاعتراض او مخالفة امرها لذا قد وضعت كلماتها هذه حاجزا لكل من اراد ان يستغل ضعفنا ان كان من اعمامنا او من زوجاتهم وبالطبع اصبحنا في دائرة الكره بالنسبة اليهم ... لم يكن يهمنا امرهم على اي حال فمادمنا تحت حماية جدتي لا يهمنا من يكرهنا ومن يحبنا ...
واستمررنا على هذا الحال الى ان اتممت. السادسة عشر من عمري عندها قد انتهت تلك الحصانة التي احتميت تحتها فقد ماتت جدتي وتركتنا يتامى انا واخي نتلوى مرارة الفقد بألم وحسرة ذهبت جدتي واخذت معها ايام الراحة والطمأنية لتتركنا تحت رحمة زوجتي عماي ...
لقد جاءت الفرصة الذهبية بعد ان اصبحت الساحة خالية من القيادة فباشرا بألقاء الاعمال المنزلية حالما انتهت ايام العزاء ولم تأخذهم الرحمة او مراعاة سني بلَ القيِّا الاعمال وكأننِي خادمتهم الجديدة .
اما اخي فقد تكفل به عماي بالتعويض عن ايام الدلال الذي لاقاه في كنف جدتي . فقام بأخذه معه الى العمل واصبحٌ عاملَ  يعمل لديه كان لا يزال صٌغٌيِّر وفتيِّ لَيِّعٌمَلَ فِّي تّلګ أّلاعمال الشاقة صغيرا على الاستيقاظ باكرا كل يوم َ وهو يهرع بكل سرعته في ارتداء ملابسه ان تأخر قليلا في النوم خوف من غضب عمي حتى انه كان يخرح في اغلب الاوقات دون تناول لقمة واحدة يقوي بها نفسه ليبقى صامدا طوال النهار كنت اراه وهو يعود عصر كل يوم خائر القوى متهالك من التعب يرمي نفسه على سريره دون تغيير ملابسه حتى ويرقد في نوم عميق من شدة التعب ... لازال هذا الشقاء باكرا جدا على عمره هذا فما الذي يدعوه كل هذا التعب أطفاله يموتون جوعا اواجباته المنزلية تستدعي كل هذا العمل اهناك اسرة معلقة في رقابه حتى يهلك في العمل لأجلها ... لقد كنت ابكي حالي وحاله كل ليلة وانا الوم امي التي لم تكلف نفسها عناء رعايتنا والوم ابي الذي قد رمانا لأعمامي وزوجاتهم واعتكف لتدليل زوجته .
وقف جدي ضد هذه الاحكام الجديدة والاوامر التي امرونا بها ولكن جدي لم يكن بقوة جدتي التي كانت تحكم هذا البيت اذا انه بعد وفاة جدتي اصبح هزيلا ضعيف وحيد منعزل عن الجميع اصبح اسير حزنه لفراق محبوبته وكأنه اصبح يتيم مثلنا .
عندما حاجج عماي بشأن اخي مصطفى وحاججهم بشأن زوجاتهم اللتان لم تترحما بالقاء الاعمال علي لم يجد الا المعارضة والصياح والاستنكار كانت زوجة عمي كمال تقول وبكل جرأة وبلا احترام وبصوت عال " لقد كبرت وعليها ان تتعلم اعمال المنزل فيوم ما ستتزوج وعليها ان تتعلم الاعمال المنزلية ... ثم ماذا تريد منا برأيك هل ترغب في ان نقوم بخدمتها نحن !"
ولم يسكتها زوجها بل اكمل عنها بشأن اخي قائلا "
ان مصطفى قد اصبح رجل الان وعليه تعلم تحمل المسؤولية فهو مسؤول الان عن نفسه وعن اخته وعليه تحمل مصروفهما "
لم يستطع جدي ان يتفوه بكلمة ما وهو يتلقى الهجوم من هنا وهناك لقد خاف على نفسه من أولاده ان يلقونه في مأوى العجزة لذا أستسلم لهم مثلما استسلمنا انا و اخي وتلقينا الاستعباد على مضض منا بدون التفوه بكلمة اعتراض واحدة و فوضنا امرنا للواحد القهار.
كان جدي العزيز عندما يراني اعمل يرأف لحالي ويحزن حزن شديد لعجزه عن الاتيان بشيء فكان يعمد الى مساعدتي سرا فمتى ما رآني منهمكة في غسل الثياب الوسخة للجميع ساكني هذا البيت كان يساعدني في حمل طشت الماء الكبير الذي كان يصعب علي تحريكه وهو يتلفت يمينا ويسارا وهو قلق من ان يروه وينهروه . لقد عانى جدي بعد وفاة جدتي بشيء من الخرف او ما شابه لذا كان قلق وحذر ومرتبك منهم على الدوام وكنت انا اخاف عليه حقا من ان يتململوا منه ويلقونه حقا في دار العجزة مثلما كان يخاف دائما. لذا اخذت على عاتقي الاهتمام به وبأحتياجاته وخدمته ولا اتركهما تقومان بعمل له حتى لا يشكيا لزوجيهما منه.
ومرت سنين من حياتنا ونحن على هذا الحال وفي يوم من الايام كانتا سهام زوجة عمي كمال وليلى زوجة عمي مؤيد قد اخذتا اطفالهم وذهبوا لزيارة اهليهم كانت مقدار الزيارة 3 ايام لذا فقد ترك عمل البيت بأكمله على عاتقي مثل كل مرة وكم يكون متعب ومرهقا في كل مرة .. نهضت باكرا وقمت بالتنظيف ثم الطبخ حتى عادا عماي كلاهما ومصطفى من العمل فقمت بنصب مائدة الغداء ليتناول الجميع غدائهم واتموه بعد فترة وكل غادر الى غرفته ليأخذ قيلولة وليريح جسده وذهب مصطفى واخذ معه جدي ليناما هما الاثنان في غرفة جدي حيث ننام ثلاثتنا هناك وحالما انتهيت من غسل الصحون لحقت بهما لأجدهما قد غطا في نوم عميق فنمت انا تحت قدمي جدي فلطالما كنت اجد الراحة في النوم هناك وغفوت بهدوء وبسرعة .... لا اعلم كم مضى من الوقت وانا نائمة ولكني استيقظت وقتها وانا اشعر بالحر الشديد فقد كان الجو حار في ذلك الوقت ولامست يدي قدم جدي فوجدتها باردة  واستغربت لذلك فناديت عليه ولم يجب هززته لأيقظه من نومه فلم يعتد ان يبقى نائما في هذا الساعة الساعة الخامسة والنصف عصرا كان دائما يستيقظ عند الخامسة ولايتعدى عليها بدقيقة لذا هززته اكثر وانا ارفع صوتي منادية عليه ليستيقظ حتى استيقظ اخي ووجدني احاول ايقاظ جدي لقد كان الرعب في عينيه وهو يتخوف من الاقتراب من جدي ليأكد ما يخاف قلبه تصديقه ولم اجد نفسي الا والدموع تهاطلت والنداء اصبح صراخ عليه وانا ارجوه ليستيقظ ولكنه هذه المرة لم يلبي ندائاتي وضل نائما نومة ابدية .
لقد انكسرنا انا وأخي بعد هذا المصاب وقال لي اخي يومها " لم يعد لنا احد بعد الان اننا يتامى وحيدون في هذا العالم "
فعلا كما قال لم يكن لنا ناصرا في هذا البيت واصبح سكان هذا البيت في نزاع وشجار دائم فيما بينهم وكل منهم يطالب بورثه حتى تقرر اخيرا تقسيم الورث وبالتالي تقسيم البيت الذي نعيش فيه جميعا وأول قرار اتخذته سهام وليلى كان بأرجاعنا الى والدنا فلا واحدة منهما تود ان نكون معها ولا نحن نود ذلك حتى فلماذا سيهتمون بنا ويوجد لدينا اب وام على قيد الحياة .. وجهة نضرها صحيحة وغير قابلة للنقاش ولكنها كانت تؤلمنا تلك الحقيقة دائما.
لم تكن زوجة ابي لتوافق على هذا القرار بالطبع فلماذا ستتحملنا الان لذا اصبحنا في شتات لانعرف ما الحل ومالذي سيحدث لنا حتى قرر ابي اخيرا ان يستأجر لنا بيت صغير ويعيد امي زوجته ولكن على الورق فحسب واخذنا من بيت جدي الى بيتها حيث كانت تسكن مع اخوالي ومع جداي - والديها - وامرنا ابي ان نتوسل اليها لتوافق على هذا الامر حتى لانضيع ونتشتت ودخلنا اليها ونحن نتوسل اليها ان تعود من اجلنا ولكم احسست بالمرارة والذلة وقتها فيا لسخرية الاقدار وسوء الحظوظ أيوجد طفل يتوسل بأمه ان تعتني به
عندما وافقت اخيرا قالت لنا انها كانت دائما تريد ان تكون معنا وترغب برؤيتنا ولكن أخوالي واجداي كانا يمنعانها من وصول عتبة داره .
سكنا نحن الثلاثة في هذا البيت الصغير الذي استأجره ابي لنا واصبحت هي زوجته على الورق كما تم الاتفاق عليه من قبل كان ابي يتراود علينا بين الحين والاخر لم يطل المكوث طويلا او ينام معنا في هذا البيت كان يتردد علينا لساعتين او ثلاث ثم يغادر كأنه يزور اقربائه وليس عائلته واولاده ..
تلك الساعات القليلة في الزيارات الاولى كانت مسالمة وهادئة حتى شيئا فشيء عادا الى جدالاتهما القديمة العقيمة .. في كل مرة وفي كل زيارة كانت جدالاتهما لاتنتهي على اتفه الامور وجدت نفسي استذكر الطفلة الصغيرة التي بداخلي عندما كانت تبكي وتصرخ هي واخوها كلما شب شجار ونزاع بين والديها ... لم يتغير شي لم يغير الزمان من عقليهما وكرههما تجاه بعضهما ...
كان اخي يسأم ذلك الشجار ويكره البيت الذي يعيش فيه قر. العودة الى العمل وكان في كثير من الاحيان لايعود الى المنزل كان ينام في المحل الذي يعمل فيه كان يعود لبضع ساعات يستحم ويغير ملابسه وفي بعض المرات يأخذ ملابس معه ثم يناول امي بعض النقود كمصروف لها ولاحتياجات البيت وكان يعطيني مصروفي المستقل كنت ارجوه ان لا ينام في مكان عمله و أن يعود للمنزل من اجلي ولكنه كان يعتذر " لا استطيع انا حقا لا استطيع لقد مللت منهما ومللت من حياتي هذه مكان عملي وتعبه وشقاه اهون عليه من مشاهدة شجاراتهما التافهة اتركيني احضى ببعض السلام قليلا يا اختي ...انا اسف ".
لقد كنت اشعر بالحزن الشديد بعد فراق اخي فلماذا مقدر لي بأن يتركني احبابي واحدا تلو الاخر لماذا احرم من صحبتهم الطويلة في البدء جدتي ثم تبعها جدي والان احرم من اخي وهو على قيد الحياة .. اليس شعورا غريبا وصعبا ان اشعر كالغريبة وانا اعيش مع امي وابي لقد كنت اتألم نفسيا من هذا الحرمان ثم بدأ الالم يصبح جسديا كانت الالم غريبة تراودني بين الحين والحين اشعر فيها اسفل بطني وفي كل مرة كان يعود فيها الالم كان يعود بقوة اكبر ولمدة اطول قالت امي في البداية انه اثار النضوج والبلوغ ولكني قد كبرت على هذه الفترة ومن غير المعقول ان اتألم الان بعدما بلغ جسمي ونضج منذ سنين ولكن بعد ان رأت ان الحالة تسوء وتتفاقم قررت اخذي الى طبيبة نسائية مختصة في تلك الامور وبعد التحاليل الازمة التي طلبت منا اجراءها امعنت النظر في التحليل وترددت في اخبارنا ولكن امي طلبت منها ان تتحدث بكل صراحة فقالت الطبيبة بنظرات يملؤها الاسى " انا اسفة حقا لأبلاغكم بأن هناك ورم على المبيض الايمن وعلينا اجراء عملية مبكرة لأستأصاله  بسرعة قبل ان يتفاقم الوضع "
هل العزاء في ذلك الوقت كان ليفي حقه في مواساتي هل كلمات الصبر كان لترفع من معنوياتي هل نبرات الهدوء التي كانت تصطنعها امي كافية لعدم تخويفي ... كنت ارى القلق في عينيها ورغم ذلك كانت تطمأنني بأنه ليس بالشيء الخطر .
دخلت العملية بعد اسبوع من ذلك الفحص واستأصلوا المبيض بأكمله وتبقى المبيض الايسر وحيدا هناك دون توأمه ... حضيت بالعطف والشفقة والاهتما والرعاية ثم عدت الى مزاولة حياتي الفارغة بكل رتابة دون تغيير في حياتي بكل ملل وكأبة اقضي يومي وانتظر عل فرج قريب يأتي من هنا ليخلصني من حياتي هنا وجاء الفرج ولكنه جاء بوجه اخر غير الذي في توقعاتي ! فتحت عيني فجأة لأجد رأس ابي فوقي وانا ممدة على سرير متحرك وهو يقول لاهثا لاتخافي ولاتقلقي سوف ينهون الامر بسرعة وعدت الى غفوتي وبعد ان فتحت عيني مرة اخرى قد وجدت نفسي في المستشفى وامي تجلس جانبي وابي يقف على مقربة مني شارد الذهن وابرة تخز يدي متصلة بعامود ينتصب جانبي متدلي منه كيس يحمل ماء مغذي ليسري في شرايني ..
فسألت عما حصل ولم انا في المستشفى فقالت لي امي " لاتخافي لقد اضطروا لعملية كشط صغيرة لمكان العملية سوف تكونين بخير ليس بالامر المخيف "
الغريب في الامر قد حصل بعد هذه العملية الاخيرة فوالداي اصبحا قليلي المشاجرة بل اصبح من النادر جدا ان يتشاجرا وكنت المح شيء يخفوه عني في عيونهم وكلما جلسا ليتحدثا كان في بعض الحديث همس ونبرات صوت منخفضة ارتبت للأمر ولم اعرف ما يجول في خواطرهما وما سر هذا التغيير المفاجئ حتى جاء اليوم الذي حصلت فيه على اجابات لأسئلتي . جلس ابي وامي جلسة جادة معي وقال " علينا ان نصارحك بأمر يا أبنتي كنا نود ان نخفيه عنك ولكننا في النهاية قررنا ان نبوح به لك لأنه من غير الممكن ان لا تعلمي بأمره "
فسألت " ما الامر انكما تقلقاني ?!"
قالت امي بتردد وتلكأ " عزيزتي ... ان عمليتك لم تكن عملية كشط فقط بل كانت ازالة المبيض المتبقي لأنه كان يحمل ورم هو الاخر فلذا اضطروا الى اجراء عمليه اخرى لأستأصاله "
قلت ودموعي غالبتني " يعني انتهى كل شي انا الان مجرد نكرة "
فما الذي سيميز الامرأة عن الرجل سوى انها تحمل الجنين في احشائها وانا الان لن اجرب هذا الشعور مطلقا. اصبحت امراة فارغة مجوفة مجرد روح في جسد ياكل وينام ويشرب لا امال ولا طموحات ولا انتظار للمستقبل لأن المستقبل انعدم ..
كنت اكره النظر في المرآة ففيها ارى حسني وجمالي الذي لا يعود بفائدة علي تمنيت لو كنت امرأة قبيحة حتى يخفف من هول الامر علي ويقلل من نكراني لذاتي ... بدأت اصبح بليدة عديمة المشاعر باردة الاحاسيس تلك الفتاة التي كانت تصرخ باكية كلما تشاجر والداها اصبحت الان تطالع التلفاز بلا مبالاة للشجار الذي ينشب بينهما غير مهتمة بهما وبشجاراتهم وكأنها معزولة عن العالم ...
كان يتقدم خاطب لخطبتي وهو مأخوذ بأمر جمالي كان لابد ان نطلعه بأمري فلا يمكن ان تخفي امي او ان ارضى حتى بأخفاء هكذا امر عن من يتقدم لخطبتي كانت ردة فعل كل واحد منهم هي الصدمة والسكوت والعجز عن قول اي كلمة ويولي الادبار مغادرا دون رجعة ... ولكم كرهت نفسي بعد كل مرة رفض وكأنه يزيد علي من كرهي لحياتي ويبعد تذكرة الزوج الذي لطالما كنت اريده ان يأخذني فيزا الى عالم الزواج ليعوض علي ايامي القاسية ولكن يبدو هذه الرحلة التي انتظرها سيطول انتظارها ولن تأتي حتى !
جاء شاب مع عائلته متقدما الى خطبتي كان قد لحق بي الى منزلي دون علمي وقد جذبه الي حسن وجهي مثلما قد اجتذب الاخرين قبله وعندما اخبرناه بسرنا غادر كمثيليه السابقين وبعد اسبوع كامل قدم الينا رجل ناضج برفقة اختيه ووالدته وجلس معه ابي وامي في غرفة استقبال الضيوف كان امره غريب وليس مثل سابقيه قال لأبي بنبرة جادة " لو سمحت هلا تفضلتم بمناداة الفتاة لتحضر معنا اود التكلم معها مباشرة في حضرتكم ان لم تكن تمانع "
فوافق ابي ونادئ علي وجلست معهم فوجه كلامه لي قائلا ومن دون اي مقدمات " اعلمي يا بنت الناس اني ابن خال الذي تقدم لك منذ اسبوع مضى وانا اعلم بأمرك وبما حل بك ... اود ان اخبرك وبحضور اهلك اني كنت متزوج وزوجتي قد قضت نحبها منذ اكثر من شهرين في حادث سير وهي عائدة من عملها بسبب سائق طائش قضى نحبه هو الاخر معها تاركة لي ابنتي الصغيرة رشا ذات السنتين ونصف ... وانا وامام اهلك طالبا اياك زوجة وام لأبنتي الصغيرة فقط وان شئتم أريتكم الفتاة الان "
فسأل ابي " لماذا اين هي الان "
فاجاب " انها في السيارة مع اختي "
ثم طلب من اخته الجالسة ان تذهب لتحضر ابنته وعادت بعد دقائق حاملة تلك الطفلة الصغيرة ذات المبسم الجميل على ذراعيها تناولتها منها واحتضنتها ... لا اعلم ما الذي قد جرى لي في تلك اللحضة وانا احتضنها وكيف لي ان اصف تلك المشاعر المستفيضة التي جارفتني حينها لقد دخلت قلبي حالما رأيتها وددت لو اخبئها في احضاني حتى احميها من شرور الدنيا القاسية التي لاقتني خشيت عليها من قسوة الاغراب والاقراب كما قاسيت انا وددت لو امدها بحجم الحنان الذي كنت اتعطش اليه في ايام حرماني وددت لو تغمرني طفولتها برغبتي العارمة في ان اكون اما ... حتى امي وابي اللذان لطالما كانا قاسيين رف قلبهما من اجل الطفلة اليتيمة وترقرقت عيناهما بالدموع .
وافقت وتزوجت ... وكان هذا اجمل شيء حصل في حياتي هذا الزوج الذي ارسله الرب لي والذي لم ينسني حينما ضننت والذي كان يشملني بعطفه دائما على رغم الامتحانات التي امتحن بها صبري ليجزني بهذه الهدية السمية الزوج الذي اصبح لي الاب والام والعائلة والحياة السعيدة الكاملة انعم علي بهداياه وعطائه وعوضني عن ايام الحرمان واصبحت تلك الصغيرة طفلتي المدللة التي لو اعطيها روحي ما اكتفيت من تعويضها .
تمكن زوجي من تدبير عمل جيد لأخي معه وبعد فترة تزوج من احد اقرباء زوجي واصبح يسكن بجواري واصبح جاري ... اما امي فقد عادت الى اهلها وابتعدت للمرة الاخيرة عن والدي .. وكانت تزورنا نحن الاثنين انا واخي بين فترة واخرى وابي يفعل معنا الشيء نفسه
كل الايام السوداء التي رأيتها جازى الله صبري بأنعم جزاء الذي اتحمده ليل نهار عليه .

احكي يا شهرزاد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن