الفصل(11): ليست بخائنة

123 9 0
                                    

ولما اجتمع خدم القصر عند المساء استبطئُوا سيدتهم جوزفين والصبي يوسف، فظنوهما في قصر الأميرة نعمت هانم؛ لأن جوزفين كانت تستأنس بنعمت وتزورها أحيانًا ونعمت كانت تودُّها، ولما انتصف الليل ولم تعد جوزفين أرسلت وصيفتها أحد الخدم لكي يسأل عنها في قصر الأميرة نعمت، فورد الجواب أنها ليست هناك، فقلقوا جدًّا، فأرسلت إلى قصر الأمير عاصم تسأل هناك، فقيل ليست هناك، وقد وصل الخبر إلى مسامع الأمير عاصم - وبالطبع لم تغفل له عين ليلتئذ؛ لأنه كان عارفًا ماذا يجري في ذلك الليل في إحدى عزبه - فخرج من غرفته وارتدى رداءه وقصد إلى قصر الأمير نعيم وأظهر الاهتمام بالأمر وجعل يبحث ويسأل، وقد أرسل الخدم إلى جهات مختلفة يسألون عنها فلم يهتدوا إلى مقرها، حتى ضاء الصباح، فأرسل تلغرافًا إلى الأمير نعيم هذا نصه:
الإسكندرية، الأمير نعيم صدقي
فقد الخدم في المساء الماضي الأميرة جوزفين والصبي يوسف، فهل ذهبا إليك من غير أن تُعلِم الأميرة خدمها؟

الأمير عاصم
فلما قرأ الأمير نعيم هذا التلغراف قفز جنانه من صدره وحار في هذا الخبر المفاجئ، فأرسل في الحال تلغرافًا إلى الأمير عاصم:
مصر، دولتلو الأمير عاصم بك عزت
أخبرني سريعًا تلغرافيًّا تفصيل فقدان الأميرة جوزفين لكي أعلم كيف أبحث عنها هنا قبل أن أعود؛ فإنها لم تقدم إليَّ ولا أنا أستقدمتها!

نعيم
وجعل الأمير نعيم يطوف على منازل معارف جوزفين لعله يعثر عليها، فلم يقف لها على أثر، ثم ورد له هذا التلغراف:
الإسكندرية، الأمير نعيم بك صدقي
أذنت جوزفين عصر الأمس لكل خدمها أن يخرجوا حيث يريدون؛ لأنها هي خارجة مع يوسف لزيارة إحدى صديقاتها، ثم ركبت مركبة بالأجرة ومضت ولم تعد.

عاصم
فركب الأمير نعيم في قطار الظهر إلى مصر وقصد توًّا إلى قصره، فوجد الأمير عاصم فيه وأخته الأميرة بهجت والأميرة نعمت وسائر الخدم، وكلهم قلقون مهتمون بالأمر، فجعل يتحقق منهم فلم يقدر أن يستنتج شيئًا، وكان الأمير عاصم يهوِّن عليه الأمر ويخفف من غمَّه، ولكن الأمير نعيم كاد يُجَنُّ من جراء هذا الحادث، فهمَّ أن يمضي ويبحث في كل القصور والمنازل التي يظن أنها تمضي إليها، فقال له الأمير عاصم: لم نغفل عن قصر ولا عن بيت، سألنا عنها في الكل فلم نقف على خبر لها. فذكَّره الأمير نعيم ببعض البيوت والأماكن التي اعتادت جوزفين أن تمضي إليها، فأجابه أنهم بحثوا فيها كلها، فتنهد الأمير نعيم ملء رئتيه ولم يتمالك نفسه عن البكاء، فتفجَّر الدمع من عينيه، وصارت أخته والأمير عاصم والأميرة بهجت يعزونه ويعللون له غيابها تعليلات ركيكة تخفيفًا لآلامه، ولكنهم لم يكونوا إلا ليزيدوا غمه بتلك التعليلات، حتى ضاق ذرعه وطلب الراحة، ففُتِح له مخدعه فدخل إليه واختلى فيه، ولكن أخته الأميرة نعمت خافت عليه من وحدته فاستأذنته ودخلت عليه، ثم دخل الأمير عاصم والأميرة بهجت.

وأخيرًا خطر له أن يبلغ إدارة البوليس لكي تبحث عن جوزفين والصبي، وذكر هذا الخاطر للأمير عاصم فاضطرب عند سماعه هذا الاقتراح، وكادت نبضات قلبه تُسمَع، ولكنه تجلَّد وأخفى اضطرابه وأظهر في بدء الأمر استحسانًا لهذا الاقتراح لكي لا ينبِّه الظنون إليه بمعارضته، ولكن ما لبث أن فكر هنيهة حتى عاد، فقال: لا أرى من المستحسن إطلاع إدارة البوليس على هذه المسألة؛ لئلا تفضي النتيجة إلى أمر سيئ لم يكن في حسباننا.

أسرار مصر ✔ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن