الفصل(14): لو كنتِ تعلمين

100 10 0
                                    


في مساء الاثنين المعهود وافى أحمد بك نظيم وكيل دائرة صدقي باشا إلى قصر الأميرة نعمت هانم، ففتح له الخدم القاعة وسأل عن الأميرة، فأبلغوها خبر قدومه، فقالت: «ما خبره؟ ما كنتُ أظنه يزورني قط!» وبقيت في غرفتها تقرأ في روايتها نحو ربع ساعة، ثم سألت: «ألم يزل موجودًا في القاعة؟» فقيل لها: «نعم.» فوافت إليه تجر أذيال العُجْب والخيلاء، فحيَّته وهو انحنى لها ثم جلست على المقعد رزينة جدًّا تثقلها الكبرياء ويستخفها الجمال البديع. وكانت كما علم القارئ واجدة على أحمد بك؛ لأنه لم يتمم رغبتها في قبول يدها وعدَّت ذلك منه إهانة، وكان بعد دخولها على القاعة سكوت هنيهة بترته بقولها: أمِن حاجة لك يا أحمد بك فأقضيها؟

– لا أرجو إلا سلامة سيدتي، فما أتيتُ لقضاء حاجات بل لزيارة، فإن كانت زيارتي في غير حينها فأعود من حيث أتيت.

– ليس من عادتي أن أكون فظة إلى حد أن أطرد زائري طردًا وإن كنت في حاجة إلى النوم؛ لأني سهرت الليل السابق كله.

– إذن ائذني لي يا سيدتي بالانصراف أستودعك الله.

وهمَّ أن ينصرف، فقالت له وهي تبحث في نفسها عن طريقة لإغاظته واحتقاره: بل تبقى ولو نصف ساعة على الأقل؛ لئلا تقول إن نعمت خشنة.

– من يستطيع أن يقول ذلك يا مولاتي، وأي خشونة منك ليست كل اللطف والرقة؟

– أشكر لك إطراءك وأرجوك أن تدعنا من هذا الموضوع.

سكتا هنيهة، ثم قالت: ما بالك ساكتًا يا أحمد بك؟ أتنتظر أن تفاتحك بالحديث سيدة؟

– كلا، وإنما لا أدري ماذا أتكلم يا سيدتي؛ لأني كيفما تكلَّمت أشعر أن كلامي في غير محله.

– لا لا، وإنما أحب أن تعلم أن كلامك معي صار يجب أن يكون محدودًا بحدود، فلا يخفى عليك أني أود أن أسترد الابتذال الذي ابتذلته لك، وأنا أظنك أرفع نفسًا مما ظهر لي منك.

– مهما تنازلتِ يا مولاتي فإني لا أجهل قدرك، على أني أشعر بأن القدر لم يجعلني مستحقًّا تنازلك …

– لا لزوم للتمادي بهذا الحديث لئلا يثور طبعي، فكفى ما ثار سخطًا وغضبًا وحنقًا على الأمير عاصم بسببك حتى أصبحنا كالعدوين، لولا ما جُبِلْنا عليه من طيب القلب.

فتلمظ أحمد بك ريقه وجعل يزدرد كلامه مخافة أن ينتشر مِن فيه شررًا حاميًا فيحرقه، وبعد سكوت هنيهة قال: ماذا تعرفين يا مولاتي الآن عن الأمير نعيم؟

– آخر رسائله لي من فينَّا منذ شهر، وبعد ذلك لم أدرِ أين هو، مسكين نعيم، ما أشد تأثير هذا الحادث عليه! مضى عام على فرار جوزفين الخائنة وهو لم يزل هائجًا غاضبًا كما كان يوم فرارها؛ لأنك تعلم أن نعيمًا أعظم المتمسكين بشرف النفس، مسكين! مسكين! إن تلك الملعونة وحدها سبب شقائه.

أسرار مصر ✔ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن