– لقد وجدت حلًّا للمشكل يا سيدي سنتورلي، وإنما يستوجب منتهى الإقدام وكل الدربة.– أدامك الله يا سيدي.
– لم يكن غرضنا أن نجعل أنفسنا أولياء لأمر جوزفين، وإنما كنا نبغي أن نقصيها عن مصر وبالتالي عن الأمير نعيم.
– نعم، ولكن لم يصحَّ حسابنا؛ لأننا ما أودعناها في قصر العزبة … إلا على نية أن نقذفها بعدئذ إلى مكان قصي، وهناك ندفعها إلى السجن بحيلة إبليسية، ولكننا حبسناها في سجنها الحالي ولم نعد نستطيع إخراجها منه لئلا ينفضح أمرنا، وأما أننا نبقيها في سجنها فأمر متعذر علينا جدًّا؛ لأننا لا نضمن أن يبقى أمرها مكتومًا إلى أن تنقضي حياتها، كما أننا لا بد أن نملَّ السهر عليها ومراقبتها، والحق أقول لك إنه مرَّ عليَّ هذا العام وأنا لا أنام ليلة إلا مشغول البال؛ لأني أخاف أن يهتدي إليها ويعرف أمرها فتنفضح كل أسرارنا؛ ولذلك أرى أنه لا بد من إخراجها جسمًا بلا روح ودفنها قرب ذلك القصر.
– وهذا لا نضمن دوام خفائه يا مسيو سنتورلي، ألا تدري أن ثلاثة أشخاص صاروا فاهمين سرَّنا تقريبًا؛ وهم: «كتينا» الكهلة، وسليم، وعلي. وكل سر جاوز الاثنين شاع، بل إني صرت أخاف أن ينفضح سرنا على يدهم وجوزفين حية، فالأفضل أن ينفضح وهي جثة باردة.
– يالله! أتريد أن تقول «أنا الغريق فما خوفي من البلل؟!»
– إنك لجاهل غر، بل أريد أن أقول الأفضل أن تنفضح الجريمة فيها تحت ذقن غيرنا. (وضحك الأمير عاصم ضحكة الوجل.)
– تحت ذقن من؟
– دعنا نتكلم بحرية يا سنتورلي، لا ريب أن الأمر يهمك كما يهمني؛ لأنك أصبحت يدي العاملة في هذه الجرائم، فعلينا أن نشتغل معًا يدًا واحدة في صيانة أنفسنا من يد القانون والقضاء.
– الحق ما تقول، فما رأيك؟
– أنت تعلم مطامعي السابقة بالأميرة نعمت، أكلمك بحرية؟
– نعم نعم، أعرف جيدًا أنك كنت تهواها وتطمع بيدها وإرثها كما أن الأميرة بهجت كانت تطمع بالأمير نعيم.
– أما الآن فقد تحوَّل حبي السابق إلى الانتقام الحاد؛ لأن نعمت هانم رفضت طلبي مرارًا، وأخيرًا رفضته بتاتًا ولم يعد لي أقل مطمع بها البتة، وقد انتهى آخر اجتماع بيننا على عدائنا المتبادل؛ لأنها أغلظت لي القول، وأهانتني وأفهمتني بصراحة أنها تكرهني؛ لأني كنت السبب في حرمانها من أحمد بك نظيم الوكيل، ولكنها لحسن الحظ لم تفهم حقيقة القوة التي منعتُ بها أحمد من قبول يدها؛ لأن أحمد لا يقدر أن يعترف بجريمته التي يسهل عليَّ أن أبرهنها من رسالته التي أرسلها لك يوم اتفق مع الداية عائشة على دهورة الطفلين ابن جوزفين وابن الأميرة نعمت، وأنت تعلم أن هذه الرسالة عندي كتهديد له، وقد نهيته عن أن يتقرب من نعمت هانم فأطاع صاغرًا، ولما عرفتِ الأميرة بذلك حنقت عليَّ جدًّا وصارت تبتغي أن تنتقم مني وتغيظني، فالآن أنا وهي عدوَّان يجاهران بالعداوة؛ ولذلك أود أن أنتقم منها شر نقمة، أما الأمير نعيم فحسبي ما انتقمت منه لأختي، فهو الآن كالمجنون يطوف في مدن أوروبا.
أنت تقرأ
أسرار مصر ✔
Historical Fictionحدث أن تتواطأ الاثرة وحب المال على حياكة الأسرار ودفنها لسنوات طوال، لكنَّ انكشاف المستور وارتداد البَغْي على الباغي، لربما يحتاج لترتيبات قدريَّة استثنائيَّة، فتكون أرواح ومصائر معلَّقة بجوائز الغيب والمصادفة. يروي لنا «نقولا حدَّاد» في روايته الت...