الفصل (6): مستودع الأسرار

197 11 0
                                    

بينما كان الأمير نعيم وجوزفين يتناقشان بهذا الموضوع الاجتماعي، كان أحمد بك نظيم رئيس الدائرة زائرًا في قصر الأميرة نعمت هانم شقيقة الأمير نعيم، وقد ساقتهما الأحاديث إلى ما يأتي: إني لأعجب من صبرك يا أحمد بك، لقد مر أكثر من خمسة أعوام على توددك هذا فلم تنقص ولم تزد، فإلى متى تلعب في فؤادي؟! أبثُّك الآن حبي الشديد الخالص، فإن كنت تخاف أن تبسط لي حبك فأنا أشجعك الآن.

- لا تجهلين مقدار غرامي يا مولاتي، تعلمين تمام العلم من غير أن أصرح به بلساني، فإن في كل جارحة من جوارحي آية بينة على هذا الحب، ولكن أين أنا منكِ يا نعمت؟!

- تعني الفرق بيني وبينك في النسب؟ إنه فرق بسيط جدًّا يا أحمد، وإن لي من المقام الذي أحرزتَهُ أنت في الهيئة الاجتماعية والمكانة التي اتصلتَ إليها في نظر الكبراء والعظماء ما يرفعك إلى مقام أسرة الأمراء، ثم إن لي من ذكائك وفطانتك وظرفك ما أفخر به، فلا فرق بيننا، وما أنا أول من تجاوز دائرة الأسرة من أميراتها، ولو شئت لعددتُ لك كثيرات من الأميرات اللواتي تزوجن من غير الأمراء، ونرد على ذلك أني كأخي نعيم لا نعبأ كثيرًا بهذه التقاليد الباطلة السخيفة، وعندنا أن شرف النفس أفضل من شرف الأصل.

إني يا عزيزي أحمد أكلمك بكل حرية؛ أولًا لأني أعتقد أنك تقدِّر معنى حريتي هذه قدرها فلا تعدها تبذلًا، وثانيًا لأن لي بك ملء الثقة بأن لا تتخذ إعلان ودادي لك سلاحًا تشهره عليَّ في حين من الأحيان ...

- معاذ الله يا أميرتي أن أحط من مقامك مهما رفعني الحب إلى الغرور! فإني أحبك جدًّا وأعلم بعظم محبتك لي، ولكن الحب لا يعميني عن محامدك وفضائلك وعلو مقامك.

- إذن دعنا نتكلم صريحًا بكل حرية.

فاضطرب أحمد بك كأنه يخاف نتيجة الحديث، بيد أنه لم يستطع حسم المحادثة فقال: مري ما تشائين يا سيدتي.

- تؤلمني إذ تقول «سيدتي»، نحن وحدنا الآن والحب يجعلنا متساويين، والحقيقة أننا متساويان، ألا تذكر كم كنتَ تتودد إليَّ قبل وفاة زوجي؟! (فاحمر وجه أحمد بك).

لا تضطرب، كنت ألاحظ كل حركة من حركاتك، بل كنت أسمع كل نبضة من نبضات قلبك.

- ولكني كنت أجتهد أن أغالطك؛ لكي لا تفهمي أن هذا التودد عن حب مبرِّح؛ لأنه حب محظور.

- ولكن دلائل الحب إن اختفت عن الناس فلا تختفي عن المحبوب، فقد قرأت صفحات فؤادك حينئذ وتجاهلتُ؛ لأني كنت في عصمة رجل لا يجوز لي أن ألتفت إلى سواه، ثم بعد وفاة زوجي تفاهمنا كفاية وأدركتُ مطامح نفسك، أفلا تذكر أنك كدت تصرِّح لي مرة بأمنيتك؟

- نعم أذكر، وليتني ...

وتوقف أحمد بك كأنه لا يود أن يقول ما يعني.

- ليتك ماذا؟ أفصح.

- ليتني لم أفصح حينئذ عن غرامي يا سيدتي؛ لأنه غرام عقيم.

أسرار مصر ✔ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن