الفصل (17): أما سألت عني؟

101 13 0
                                    


اتوقع هذا فصل طويل تعويض للايام الماضية 😉
_______________________________

لا بد أن يدرك القارئ من نفسه كيف كانت حالة الأمير نعيم حين غادر القطر المصري هائمًا على وجهه من شدة الحزن والغم والغيظ.

لم يقتنع في أول الأمر أن جوزفين قد خانته لما كان بينه وبينها من الحب العجيب والولاء الثابت والإخلاص النقي، ولكنه لم يستطع أن يئوِّل رسالتها وغيابها تأويلًا يقبله العقل.

وكان أقاربه يقنعونه أنها خانته، وأن مثل هؤلاء الفتيات خادعات ماكرات، وذكروا له شواهد عديدة عن مكرهن، وقصُّوا عليه حكايات مختلفة جرت لأشخاص معروفين مع أمثال جوزفين، وأقنعوه أنه لطيبة قلبه جازت عليه حِيَل جوزفين في حبها له واستيلائها على قلبه وثم على قصره وماله.

ولما تواترت أقوالهم بأنها خائنة لم يعد في وسع نعيم إلا أن يسلِّم بأنها خائنة، وبالتدريج انقلب كل غرامه بها إلى انتقام حادٍّ، حتى إنه لم يعد يستطيع البقاء في القطر المصري ملتحفًا بعار خيانتها، فبرح إلى أوروبا أولًا لكي يروِّح نفسه من عناء هذه الأزمة، وثانيًا لكي يعد نقمة لجوزفين تليق بصفاته وأخلاقه الطيبة.

فيرى القارئ الكريم أن مشروع الأمير عاصم نجح نصفه الأول؛ أي تفريق جوزفين عن الأمير نعيم، وأخفق نصفه الثاني؛ أي تقريب أخته الأميرة بهجت إلى الأمير نعيم، بل بالحري ازداد تنائيًا؛ لأن الأمير نعيمًا التهى عن كل الناس بأحزانه وغمومه التي لم يكن الأمير عاصم لينظر بلوغها هذا المبلغ، وقد علم القارئ أنه أخفق أيضًا في امتلاك فؤاد الأميرة نعمت وقطع الأمل من الحصول على يدها؛ ولذلك صمَّم على إفراغ جعبة نقمائه الخفية من نعيم ونعمت. وقد عرف القارئ كيف أن أحمد بك ردَّ سيف نقمته عن الأميرة نعمت وجوزفين في وقت واحد.

وقد تنقَّل الأمير نعيم بين مدن أوروبا بغية أن يُسرَّى عنه، فلم يكن إلا ليزداد غمًّا ولوعة؛ لأن غيظه كان مقرونًا بالحزن، ووجده على جوزفين مشفوعًا بالغيرة، ولأنه ما زال لذلك العهد يحبها بعض الحب، ولكن نفسه الأبية تنكر عليه أن يُصفح عنها.

وفي ذات يوم وهو في باريس وردت إليه بطاقة زيارة باسم جوزفين؛ إذ كان نازلًا في فندق رويال، فلما وقع نظره على البطاقة جعل بدنه يرتعش وقلبه يختبط في صدره وصعد الدم إلى رأسه حتى اعتراه صداع شديد، فحار ماذا يعمل، فخاف أن ينزل إليها ويبتدرها بضربة قاضية، وافتكر أن يستقبلها في غرفته لكي يؤنبها ويهينها، فخاف أيضًا أن لا يتمالك نفسه ويضربها.

فقال لخادم الفندق: قل للسيدة صاحبة هذه البطاقة أن تختفي من أمام وجهي لئلا تضطرني إلى ارتكاب جناية، وما خلصها من نقمتي الهائلة إلا وجودي في بلاد غريبة لا نفوذ لي فيها.

والذي يسمع هذا الكلام يتوهم أن الأمير نعيمًا رجل سفَّاك دماء وعدة شر، ولكن الذي حنَّكته الأيام يعلم أن كثيرين من الناس يقولون ولكنهم عند الجد لا يفعلون، ولا سيما طيبو القلب؛ فإنهم في عزلتهم وخلوتهم يستشيطون متغيظين ويحرقون الأرم غاضبين، ولكنهم متى قابلوا خصومهم بشُّوا لهم؛ لأن قلوبهم توحي إليهم أن المسألة أفضل.

أسرار مصر ✔ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن