جلس وسيم بعد أن خرج الجميع يتأملها تلك الفتاة التي حينما عاد للحياة كانت أول شيء يراه, يرتبك ولكنه أخيراً يسأل : هل أستطيع أن أسألكِ سؤالاً متطفلاً بعض الشيء ؟؟
_أجل سيد وسيم , يمكنك أن تسأل ما شئت , هل تريد ممرضاً ليعتني بك عوضاً عني , هذا حقك لن يزعجني.
* لا لا لا , أنني مرتاح جداً هكذا , أريد ان أسأل عن اسمك ,, يقولها وقد خفض ناظريه إلى الأرض
_إنه مكتوب على هذه البطاقة المعلقة على عنقي , اسمي ((بلسم ))
*اسم على مسمى , أنتي فعلا كالبلسم , حتى عملك هذا ينطبق عليكِ
_تجيب بصوتٍ خجول ومرتجف : هذا من لطفك سيدي , اعذرني الآن ; اطلبني إن احتجت لشيء
* أجل! سأطلبك قريباً , قريباً جداً
تخرج بلسم وقد اختلطت تعابيرُوجهها فقد شحب لونها وباتت كالتائهة لا تعلم بأي اتجاهٍ تخرج , تنظر لها شآم فتقول بخبث لمساعدة وسيم بإقناع والدته بعد أن لاحظت أعجابه بالفتاة: يالها من فتاةٍ جميلة ورقيقة , لقد أهتمت بوسيم جيداً , محظوظ الرجل الذي سيتزوجها فهي ناعمة كزهرة البنفسج ومجدة وذات قلب ذهبي ,, تلتفت أم وسيم قليلاً ثم تتبع الممرضة , تضحك شآم بشدة , فينظر لها مجد ويضيع في تفاصيل ضحكتها , لتنتبه له ثم تستدير متجهة إلى غرفة وسيم , يسمع بعد لحظات وسيم يناديه فيذهب إليه , فيقول : مجد لقد غرقت يا مجد , أرى أطفالي مع بلسم يلعبون حولنا
مجد: أنتظر من هي بلسم؟ وهل أنت متزوج لترى أطفالك , أفقدت عقلك يا رجل هههههههه
وسيم:أنها الممرضة يا ذكي , أخبرتني أن اسمها بلسم , وأطفالي أقصد في المستقبل لأنها ستكون زوجتي
مجد:وما يدريك أيها العاشق المجنون لعلها مرتبطة أو ما شابه ؟؟
وسيم: أجل أصبحت مرتبطة , إنها ملكي أنا
مجد: مجنون هههههههه , يبدو أنك لا تزال تحت تأثير مخدر العملية
تنظر لهما شآم لتبدأ الضحك بعد كلام مجد دون توقف , فيتذكر الاثنان أنها معهما في الغرفة , فيوبخها وسيم لأن ضحكها يخجله , بينما عاد مجد مجدداً ليتيه في تلك الضحكة , شعر وكأن العالم بأثره يضحك , ثم يقول من غير تفكير : (( يتيه العاشق في تفاصيل أنثاه ,يخفق القلب طرباً فينسى الدم مجراه, أضعت صمودي يا حوا فما عدت أراه ))
تنظر له شآم مطيلةًَ النظر , فيبدأ وسيم بمحو علامات الأستفهام والتعجب التي تعلو رأسه ويبدأ بالقهقهة : هاهاهاها هل قلت للحظات أنني أنا المجنون؟ يا سيد نزار , يضحك مجد ويخفض رأسه على غير عادته فقد شعر بشآم تنظر له , لا يستطيع مواجهتها حينما تكون بكامل أنوثتها , لا يقوى على النظر لعينيها تقابل عيونه , لذلك يأتي عندما يراها غاضبة لأنها تكون خبأت القليل من جاذبية الرقة لديها , يسأل نفسه: لابد أنها شعرت أنها المقصودة لأنها المرة الأولى التي تنظر لي هكذا متجاهلةً وجود وسيم أيضاً, وكيف لا تشعر وهي من عشاق الشعر وكتابه , أذكر كيف كانت المديرة في الثانوية تعلق قصائدها على حائط المدرسة فأكتبها في مدونتي اليومية , إنها رقيقة بكلماتها كَ نسمةِ الرياحيين , طليقة اللسان , وأميرةً على بحور الشعر بالأوزان الأنثوية المتوازنة والمترنمة بموسيقى خفيفة تروي الأذنان .
وسيم : بالمناسبة مجد ما الذي حصل البارحة ؟؟ شعرت بأن النزاع بات أعنف يقتل دون تمييز
مجد: أجل فقط استشهد البارحة صبي في السابعة من العمر برصاصة اخترقت رأسه بينما كان يهرب إلى المنزل , وامرأة حامل في شهر ولادتها , لقد تلقيت مكالمة من صديقي أعلمني بذلك , والآن يعيش الشارع حالةً من الاستياء لما حصل , ويتوعد شباب الثورة بالأنتقام
*إذأ فهي الحال تسوء شيئا فشيئا
_أجل! مع الأسف
*أنت ممن قاموا بالمظاهرات في بدايتها أليس كذلك؟
_أجل لقد كان كل شيئاً سلمياً دون إراقة الدماء إلى أن بدأ النظام الطاغية بممارسة العنف ضدنا , فلم يستطع الشباب رؤية الاعتقالات تحدث كل يوم فقط بتهمة التظاهر السلمي , فقد فقدت كثيرا من الأسر معيلها إثر ذلك
*قولوا لبلسم أن تتزوجني , قبل أن تسوء الأحوال أكثر
_أحمق ههههههه , هذا هو همك الوحيد في الحياة
تدخل بلسم مع أم وسيم وكان رجل مع امرأته ومعهم أبو وسيم , ثم يدخل الجميع كانوا الثلاثة مستغربين لا يفهموا ماذا يحدث
أبو وسيم : إن هذان الشخصان المحترمان هما أبو بلسم وأم بلسم ,يلقي الجميع التحية عليهما , ثم تقول أم بلسم : ليحميهم الله,, لديكِ ثلاثةُ أطفالٍ كما القمر المنور وهذه الفتاة الرقيقة ليحميها الله
شآم : شكراً يا خالة على جمالِ كلماتكِ تلك
يقف مجد مستغرباً كيف أنه لا أحد منهم وضح لعائلة بلسم أنه ليس إبنهم , ثم وقفت أم وسيم بجانب مجد وبدأت تطبطب على كتفه وتقول:إن هذا الأمير هو أغلى أبنائي
نظر لها مجد نظرة اليتيم البريئ وبدأ يبكي أمام الجميع , ليركض ويخرج من الغرفة , لم يتمالك نفسه لقد شعر بالفرح ومعه تذكر والدته التي كانت تتباهى به أمام الناس , تبعه أبو وسيم
لحظة صمتٍ عمت غرفة وسيم , كانت شام تعلم لم فعل هذا , كانت تريد اللحاق به, شيء داخلها يدفعها لذلك , لكنها ثبتت ولم تذهب لأجل الناس الذين جلسوا ينتظروا باستغراب .
أبو وسيم :مابك يا بني
احتضنه مجد قائلاً , أعد هذا يا أبي قل لي بني مجدداً ومجدداً
أبو وسيم: يا بني , أحكي لأباك ما سبب دموع الرجال المتناثرة بألم تلك؟
مجد:أنا والداي متوفيان منذ أن كنت صغيراً , وعندما قالت الخالة فاطمة ذلك الكلام لي شعرت بالأمان والفرح الذي فقدته منذ سنين , وتذكرت أمي وكلامها
أبو سيم : هيا يا عزيزي , لا اعتراض على قضاء الله , ادعو لهما بالرحمة والغفران , أنا أيضاً يتيم الوالدين ,كان عمري حين فقدتهما بحادث سيارة خمس سنوات , إنه شعور مؤلم أعلم , لكن لا تنكسر للحزن فهذه هي الحياة أناس يولدون واناس ينتهي عمرهم , ((ولكل ٌ أجل هو ملاقيه ))
يحتضن مجد أبو وسيم بقوة أكبر ويقول : أشعر بحضنك دافئا يشبه حضن والدي , هل تسمح لي أن أناديك والدي؟
أبو وسيم :شرفٌ لي يا بني ان أكون أباً لشابٍ طبع على جبينه المجد وخلقت الرجولة له مثلك , فأنت من الذين يطالبون بحقنا بالعيش بكرامة دون الخضوع لأي أحد, هيا الآن يا مجد فأمك تحضر لنا مفاجأة ووسيم يحترق شوقاً ليعلم ما الموضوع ,لنذهب إليهم .
أنت تقرأ
إلى مابعد النُزوح
Casualeقصة تروي مأسآة تعيشها فتاة مراهقة حين تندلع الحرب في بلادها فترى المشاهد الوحشية العديمة الرحمة وتتعرض للتعنيف من كافة الجهات المتنازعة هناك أحداث القصة تسري في سوريا وهي قصة واقعية ليست من نسج الخيال تتدرج الحكاية الى أن تصل الفتا...