توقّفت سومين على بُعدٍ مِن الحَديقه وإستقّرت إلى جانِب تِمثالٌ لحيوانٍ خُرافيّ يتساقط مِن فَمهِ سيلٌ مِن الماء تتبَعثر مِنها صوت الخَرير الراقي، ونباتاتٌ بَيضاء قد تناثرت حولَ قاعدةِ التِمثال فَزيّنتهُ.
رَمقت كيورا المَكان مِن حولها لتتفاجئ قَليلاً مِن جمالهِ الفاحِش، تَدرُجات الألوان النِحاسيّه على كُلِ تُحفّه وتِمثالٍ مُختلف النَمط ، نافورةٌ مُزدانة بالرُخامِ الأملس والخَزف تداخَلت بِها عِدة ألوانٍ زاهيه وبرّاقه ، وكأن أحدُ مصابيحَ السماء قَد عَلِقت بِها.
إنها تَبدو كأحدى النوافير التي تَمّ إنشاؤها في العَصر القديمة"سيهون حَدثني عَنكِ سابِقاً،" قوطِع حَبلُ تَأملاتِها التي لَم تَنهي إلى هذا الحَد، في الواقِع ما هُما بِهِ جُزءاً لا يتجزأ مِن المَملكةِ.
إضطربَت نبضاتُ قَلبها حالما تَلفّظت سومين بِتلك الجُملةِ التي إستحوذت عَقلها.
"بِماذا؟" تسائلت كيورا بِهدوءٍ شَديد وقَلقٌ بِداخِلها تَسري خيوطهُ بِجسدها كما تتدفق ألحان السيمفونية الخامِسه لبيتهوفِن، ضِدَ القَدر.
إبتسامَه بيضاء لَمِعت على شَفتيّ سومين بِشرودٍ."أخبرني كَم أنكِ جَميله، وشَخصيتكِ لا مَثيلَ لها، وكَم أنهُ كان يُحب تَلقيبُكِ بِفتاة النودِلز ليُثير إستفزازكِ، وفتاةُ العجائِب." رَكزّت بِنظرها على كيورا وأضافَت بهدوء."أخبرني أنهُ يُحِبُكِ، أنتِ فَقط لَم تريّ ملامحهِ التائِهه وهو شارِداً بتفاصيلَكِ." أنهَت سومين حَديثها بِهدوءٌ شَديد وكأنها تَودّ إلتماس قَلب كيورا، لَعلها تَلين.
لَكنها فَقط أرسَلت مَوجة ألمٍ بِداخِلها ، حَطّمت قَلبها وأستنتذفت أوردَتِها، لا يوجد بيدها شَيءٌ تَفعلهُ.
إبتسامه هادِئه أرتسمت على شَفتيّها لَكنها لَم تكن إلا إبتسامة ألمٍ لِسحقها قَلب ذاك الشاب الجَميل.
تَنفّست الصُعداء عِندما بَدأت بالإختناق، ولأنها قَويّه ولن تَستطيع هَدم ما بَنتهُ خاطَبت سومين بِهدوءٍ وأسف."لا يوجد بيدي شيءٌ أقدمهُ لَهُ."
"أنتِ حَقاً مُتزوّجه ؟" بِحذرٍ تسائلت سومين لتتجمد كيورا عَن التَعبير.
إنهُ سؤالٌ كَبير ومؤلِم، التظاهُر بِعكس الشَيء هوَ بِحد ذاتهُ وَجعاً غير مُتناهي ، تُريد أن تُخبرها بالنَفيّ وأن جون هي هو شَقيقها وَحسب وأنها بيدها الكَثير لتفعلهُ إلى سيهون لَكنها قَبل أن تَنجرف بِعقلها إلى جانِبها العاطفي ، قامت بِتقوية رباطةِ جأشها مُذكره نَفسها بِمُعاناتِها.
تَنهدت لتوميء بِثباتٍ."أجل، أنا مُتزوِّجه،" إبتسمت نِصفَ إبتسامه نَحو سومين."أسمعي سومين-شي، أنا أتفهم ما يَحملهُ سيهون لي جَيّداً، كان خَطأي مِن البِدايه حينما كنتُ أُجيبهُ عن أسئلتهِ في الكَثير مِن الأحيان، لقد أوقعتهُ في حُبي مِن دونِ قَصد، والآن سأعمَل جاهِده لأجعلهُ يَنسى حُبهُ لي." عَضّت شفاهها السُفلى بأكملِها لتُكبِت مشاعِرها المُثاره بحُزنٍ لِمَ يتفوهُ بِه فاهُها ، ليسَ مِن السَهلِ قَولَ ذَلك ، لَكن هذا ما يَجب أن تَفعلهُ أو تَقولهُ في مَوقفٍ كَهذا ، كما أن الوَقت يَنفذ مِن يَدُها ، فحيحُ الأفعى عالِقاً بِأُذنيها يَهمِس بينَ الدَقيقةِ والأُخرى.
ولأن الوعود يَجب أن تُنَفذ عَقّبت على حَديثها لتَمنع سومين مِن الإعتراض على ما قالتهُ."سأكون مُمتنه إن إعتنيني بِـ جون هي، هوَ ليسَ مُشاغِباً لِذا لن تُعاني مَعهُ، يَجب أن يَذهب إلى فِراشهِ الآن ، كما تَعلمين،" نَظرت نَحو الأُفق وأكملت."بزوغِ الفَجر على وَشك الحلول بَعد ساعاتٍ بَخيسه، يَجب أن يَرتاح."
دُونَ أن تُضيف كَلِمةً أُخرى كانت قد إستدارت لتَسير بِخطواتٍ ثابِته وواثِقه مِن باب القَصر المُزغرف بِرُقيٍّ وغموض، كما هوَ حال القَصر بأكملهِ.
حَدقت سومين بِجسدها وهو يُغادِر بِصدمةٍ، كيفَ لها أن تَكون واثِقه ولا مُباليه إلى هذا الحَد ؟
لا تبدو كإحدى الفَتيات الماكِرات، لَكن بالوقتِ ذاته لم تَكُن ضَعيفه..هذا فَقط غَريب، على الأرجح لأن سومين عَكسَ شَخصيتها تماماً.
زَفرت بِعُمقٍ وسَحبت قَدميها إلى الحَديقه الخَلفيه مِن جديد حيثُ يَقطُن كاي وتوأمهُ وجون هي وبيكهيون.
حالما وَصلت إندهشت مِن جلوسِ كاي بِمُفردهُ مَع جون هي الذي كان يَعبث بإحدى الدُمى المُمتلئه بأزهارِ القُطن الخالِص.
لا تَعلم أينَ ذهب يي هان و بيكهيون لذا تسائلت وهيَ تتقدم مِن كاي."أينَ البَقيّه ؟"
رَفع كاب نَظرهُ نَحوها وإبتسم بِهدوءٍ ليُجيب."بيكهيون في جناحهِ الخاص مَع حَبيبتهُ و سيهون لا أعلم إلى أينَ قَد ذَهب، كَذلِك الأمر ، لا أعلم أينَ ذَهب يي هان."
أومأت بِتَفهُمٍ وجَلست إلى جانبهِ فوقَ العُشب البارِد، تسائَلت مِن جديد بَعد أن أعادت كَلماتهِ بِرأسها."بيكهيون بِرفقة حَبيبته؟ هل يَمتَلِك حَبيبه؟"
هَزّ كاي رأسهُ بالإيجاب."أجل، إنهُ كَذلك. إبنَة كيم تاي وو، بالطَبع تَعرفينهُ."
إرتَعش بَدنها بِرَهبةِ وإتسعت حَدقتيها بِصَدمه، أليس هو الشخص ذاته الذي تَحدث سيهون ولوهان عَنهُ، وأنهُ مِن قبيلة مصاصي الدِماء الهَجينه وهو أَخطر أفرادِها، وبالنَظرِ في الأمر، إبنتهُ الآن في مِحورِ القَصر، وبِكُلِ تأكيد هيَ لا تَقلُ خَطراً عَن والدها.
إرتفعت يَد كاي ليَمسح فوقَ ظَهرها قائِلاً."أخبرتُكِ مِن قَبل أنني سأحميكِ، ألم أفعل؟"
إبتسمت بِترددٍ وخَجل لتوميء بإتفاقٍ، مَع ذلك لا يزال يُخيل لَها خطورةِ الأمر إن لَم يَكُن كاي مَعها، نَفت بِرأسها عِندما عَلمت أنها سَتنجرف بِخيالها فَقهقه كاي بِخفه جَعلت دَقاتِ قَلبها تُشبِه ناقوس الخَطر، هوَ بالفِعل خَطرٌ عليها.
على قَلبها تَحديداً، وكأنهُ يَسحِرها فَتَنجرفُ بالتأمُل في تفاصِيل وَجههِ المَنحوت
.
"ضوءُ القَمر يُحيط بِكِ ويُهدد قَلبي، تَعلمِين؟" هَمس بِصوتِه الخافِت لتَنتبِه إلى واقِعها وإلى قُربهِ المُفاجِيء.
رِفقاً بِقلبها الذي على وَشكِ أن يَتوقف مِن عُنفِ نَبضاتهِ، جَدّل إحدى خُصلات شَعرها الأسوّد حَولَ سبابتها بِنعومةٍ وهوَ يَتحقق مِن ملامِح وَجهها الجَميل، ونظارتها التي تَحجِب حُلوِ عينيها.
إرتَعش قَلبها بِتوترٍ ، وتَورّدٍ قد صَعد إلى وَجنتيها ليُشعِلها بِلهيبٍ دافِيء خجول.
"أجيبي!" هَمس بِصوتهِ عِندما قَرّب وَجههُ مِنها لتَمتزج أنفاسهُما ، لقد كان يُخرِس مشاعرهِ المُتآكِله كُل يَومٍ، لَكنهُ بَعد أن رأى تَدخُل يي هان الواضِح بَينهُما، سيَعمل جاهِداً مُنذُ تِلك اللحظةِ على أن يُشعِل قَلبها على طَريقتهِ الخاصه والساحِره.
أغلقت سومين عَينيها ولِسانها إنعَقد ، لا تَعلم مَن يُهدد قَلب مَن في تِلك اللحظة!
"أنتَ أيضاً طَبيبُ أسنان؟"
صَدأ صَوتٌ بَريء طفوليّ، ليَبتعد كاي بِوجهه سَريعاً عَن سومين ، لقد تناسى وجودِ جون هي مَعهُما.
لا يَعلم هل يُمكنهُ الصُراخ الآن أم لا ؟ لَقد عَمِل جاهِداً على إكمال تِلك اللحظةِ للإعتراف، لَكن فَقط بِراءةِ جون هي أفسدتها كما حَدث مَع بيكهيون وهَيرين.
ضَحِك كاي على سذاجةِ وجَذبه مِن ذراعهِ ليَجلِسهُ أمامهِ مُبرراً."كلا، أنا لَستُ طبيب أسنانٍ."
"إذاً مَاذا تَكون؟" تسائل جون بِفضولٍ بأعيُن جَروٌ لامِعه، ليُبرر كاي مِن جديد بِكذبةٍ بَيضاء."أنا طَبيب جِلديّه ، كُنتُ أتفَحص بَشرتها وَحسب."
نَظرت سومين إليهِ بِصدمةٍ وذهول، لَكنها ضَحِكت بِخفه بعد أن تغاضت عَن التعامُل بِخَجلٍ، في الواقِع قَد يَكون مَشهداً ساخِراً إن تَركت خَجلها يَنبعث.
أومأ جون هي بِلامُبالاةٍ ونَظرَ نَحوَ السماء بِهدوءٍ ليُعيد كاي نَظرهُ نَحو سومين بِخُبثٍ مُحرِكاً شفتاهُ."لا مانعٌ لديّ بأن أكون طَبيب أسنانٍ!"
حَملقت بِهِ بِصَدمةٍ وإزدادت تَوهُج وَجنتيها، رَفعت سبابتها لتُعدل النظاره بِعشوائيه وأشاحَت بِنظرها إلى الجِهةِ الأخرى سَريعاً.
إبتسم كاي بِرفقٍ وإنتبه إلى ما قالهُ جون هي لَتوهِ."أينَ ذَهبت أُمي؟"
=
تَجمّدت خطواتِ كيورا وهيَ تُناظِر الغابةِ العَميِقه أمامها، تَرددٍ جامِح تَقبّع بِداخِلها ، لا تَعلم هَل تُكمِل مَسيرتها أم تتراجَع وَحسب؟
لا يوجد مَفرّ ، هيَ ذَهبت إلى الهاويةِ بِقدميها، مُختلّة التوازُن لا يُمكنها الرجوع.
إقتحَمت الغابه بِنَفسٍ مُهيّئه للمخاطر وثِقه مُتزايِده كُلما تَقدم خُطوّه.
إن كانوا يقولوا بأن السِحر دائِماً ما يَنقلبُ على الساحِر فهيَ ستَضع هذه الجُمله مُذكّره عَقليه، أياً كان ما سيَحدُث لها سينعكس على كُل مَن سيكون طَرفاً في تَعريضها للخَطر.
وَطأت قَدماها الأرضِ المُقفّعه المُمزقه أسَفل قَدميها لتَجعل السير صَعباً قَليلاً عليها ، أغصان الأشجار العِملاقه تتراَقص على موجاتِ الهواء البارِده.
القَمر الغَير مُكتَمِل يَضيء سماء الليل الغاسِق، للحَقيقه كُل شيئاً كان يَنقصهُ سيمفونية ضوء القَمر.
هيَ مِن أولِئك الأشخاص اللذين يَحبون مجُالسة القَمر والليل ، بِما يُعرف بالنيكتوفيليا ، يَقول أحدُ الباحثين أنها مَرضٌ نَفسيّ، لَكن بالنظرِ إلى الأمر يوجد الكَثير مِن مَن يُفضلّون الليل عَن النهار..هذا ليسَ مُرضٌ نَفسيّ وإنما هيَ راحه مُميزه.
أصواتٌ كَثيره تدوي بينَ الحِين والآخر وكُلما مَرّت مِن جانِب مِساحه صَغيره ترى جحوراً و وِجارٌ مما يُعني أن تِلك الغابه ليسَت خاليه ، و أنها موَطِن بَريّ خَطير قد تَجد بهِ طيور الشاهين الجارِحه وآكلِة الجحور ، وذِئابٌ وثعالِب، بومٍ ونسور ، زواحِف مُختلفه.
عالمٌ كامِل ومُتكامِل مِن الكائِنات الحيوانيه بفاصئِلها المُتعدده.
لَكِن ما لا تُدركه كيورا أنها تَسير بِداخل إحدى المتاهات المُحصّنه بِأسوارٍ سِحريّه مِن كُلِ جانِب لِحماية المارّين مِن أخطارِ الغابه.
قَد تَشعر بالخَطر يتشكل، لَكنها بمأمن حتى وإن إزداد الأصوات وتزاحَمت بيوت الحيوانات.
تَوقّفت في مكانها بِحيره ، لا تَعلم أينَ تَذهب وإلى أينَ تقودها قَدميها تَحديداً ، الأشجار تتشابه و لا يمُكنها أن تتذكر المكان الذي كانت بهِ أثناء مُقابلتها للأفعى.
رائِحةٌ غَريبه فاحَت مِن حَولها لتَستنشِقها بِحاجِبان مُجعدّان، شعورٌ غَريب طَغى بِداخِلها وكأن أحدهُم يَسحب وَعيها مُحدِثاً التِيه إلى عَينيها التي تَدحرجت داخِل رأسها بِهذيان ، تَرنحت رأسها بِعَدم وَعيّ وساقيّها فَقدا توازنَهما ليسقُط جَسدها فوقَ الأرض القاسيّه بِعدم رَحمه..
كَالفراشةِ مُنعدمة الوَزن حُمِلت بينَ ذراعان مَتينان وجَسدٌ مَمشوق مَفتول العَضلات المِثاليه.
شِفاهٌ تتَقطر مِنها الدِماء وأعينُ قُرمُزيه حادّه ذات بَريقٍ لامِع.
إختفى بِها شاحِبٌ يَمتلك ملامِح ملائكيه لَكنّه ليسَ كذلك على الإطلاق