مرحبا ايها الوحش

561 43 13
                                    

لم تمرّ العديد من الثوانِ حتى إستمعت لكلماتٍ من الشخص ذاته الذي كانت تسمع غنائه كل ليله،"رائحتكِ ، جميله." وقُبله عميقه قد طُبِعَت على عُنقها عندما أغلق شفتيهِ عليها.
شعورٌ مُكهرب سرى كالأفيون بجسدها ليرتعش خوفاً وصدمه.
ما الذي يفعلهُ هذا الوحش بحق الجحيم ، لقد قبّل عنقها للتو بينما هي في إستسلامٍ؛ تماماُ كالمُخدرون.
شعورٌ غريب يستمر بالتدفق بداخلها وكأن شيئاً يسحب قلبها إلى الأسفل ببطءٍ شديد.
شفتاه بدت ليّنه وذلك الُرعب قد أختفى.
هو مُتعطشاً للدماء ولكن في وهلةٍ كل شيءٍ تحوّل للإدمان!
إدمانٌ على العاطفه المُسيطره عليه، شعور الإنجذاب نحو صاحبة العينان العسليه والرائحه المخمليه.
غريبٌ هو هذا الوضع الذي أوقع بهِ في ثوانٍ، لا يريد الإبتعاد وإنما يريد المزيد.
مذاقها كان خليطاً من الروعةِ والغرابه، تماماً وكأنه يشعر بطعمِ حبةِ قهوه سقطت في كأس نبيذٍ ، هو يشعر بمذاق المُتعةِ ذاك على الرغم من توتر الوضع الراهن.
أنفاسهِ على وشك الإنتهاء لولا أنها وأخيراً أبعدتهُ عنها بصدمةٍ ، تلك النظارةِ التي حجبت عيناها قليلاً أعطتها مظهراً بريئاً وجذّاباً.
حدّق بها بهدوءٍ وتلك الأعاصير الداخليه لاتزال قائمه، هي أفسدت اللحظةِ الآن ولكن عليها فعل ذلك.
من يعلم ما يدور برأسِ ذلك الشاب الوردي رُبما عليّ قول الشاب ذا الأعين القانيه.
عيناه تبرق في ذلك الظلام بينما هي تنظر إليهِ بالمثل.
الصمت هو من تحكّم بالموقفِ بينهم ، في ذلك الزِقاق المُظلم وضوء المصباح الخافِت بدا كل شيءٍ كالخيال.
"هل من أحدٍ هُنا ؟"
صدأ ذلك الصوت ليقطع تلك اللحظةِ الهائمه ، اللعنه مَن صاحِب الصوتِ الآن؟
إستدارت سومين بعد ثوانٍ من محاولةِ الأستيعاب لتجد رجُلاً يتقدم بحذرٍ وتساؤل.
حدقت بهِ بإضطرابٍ ، لا يبدو الأمر مُريحاً ..
حوّلت نظرها للأمام لتُقطِب حاجبيها بغرابةٍ، أين ذهب هذا الشاب، بدا وكأنه أختفى.
"أنتِ، ما الذي تفعلينهُ هُنا !" صاح ذاك الرجل الذي كان يتسائل مُنذُ قليلٍ عن إن كان أحدهم مُتواجداً أم لا.
هناك شيئاً غريب، هي لم تفزع حتى وكأن هناك روحاً بارده تُسيطر على جميعِ حواسها بآنٍ واحد.
مشاهدة شخصاً غريب أطوارٍ ، لمساتهِ تلك التي دبّت الخوف والبرودةِ بداخلها كل ذلك جعلها فقط غير قادره على إبداء أي رد فعلٍ.
شعرت بوكزةٍ بذراعها لتعيد نظرها إلى ذلك الرجُل الشاحب."ألا تسمعين؟"
حسناً ، يبدو الأمر مُقلقاً على عزيزتنا سومين ، هي بدت كالجُثةِ..
قلبٌ ينبض بحراره ، دموعٌ تنزف بغزاره ،وريدٌ إليكِ ملهوف ، عينان مزروعةٌ في الخوف.
أخلت ما تبقى من ريقها لتُبعده عن حلقها حالما إسترقت تلك الكلمات سمعُها.
الصوت ذاته ، وكأنه يجاورها ، قريباً جدّاً منها ، ورُبما بداخلها.
لم تنتظر وأسرعت بخطاها مُبتعده عن ذلك المكان المشبوه ، لمَ عليها خوض تجربةٍ كتلك في ليلةٍ تملؤها ثلوجِ السماء.
على الأرجح إن بقيت في منزلها لكان أفضل لها.
ولكن ، هيهات، ستبقى في منزلٍ يسكنه قبيلةٍ غاضبه طوال الوقت؟
فتاةٌ مُتبناه ، هذا هو وضعها الراهِن.
قد تفتحت أعينها اللامعه لتجد نفسها بداخل مأزقٍ حياتيّ، وأعني ذلك حرفياً.
أن تكون بمكانٍ يملؤهُ قبيلةٍ غريبة أطوارٍ ، باحثون ، مستكشفون، على إستعدادٍ تام لمواجهةِ الخطر دون إعارة إهتمامٍ لأيةِ نتائج!
توقفت لتلتقط أنفاسها المُتسارعه ، شيءٌ كالوسواس بداخل رأسها يستمر بالغناءِ، كل ليلةٍ ،ومع بزوغ كل فجرٍ جديد يستمر قلبها بالخفقانِ لسببٍ تجهله.
هذا اليوم بدا مُضنيّ وشاحِب تماماً كحالتها.
ألقت نظرةٍ إلى الجوار لتجد الطرقات هاويه ، لا يوجد سوى قمرٌ يرافقها وظلٌ خفيّ لا تعلم عنهُ شيّء.
شعورُ الوحده لم يكن مسيطراً عليها كالعاده وأنما الأُلفه والسكينه كانت تطلق بعبيرها داخل أوردتها.
أحاسيسٌ غريبه ومُبهمه كطفلٍ ضائع في مدينةٍ بعيده.
رفعت رأسها لتحدق بتلك السماء ، وتلك الثلوج المُتساقطه، تفرقت شفتيها بحثاً عن بعض الهواء المُنعش الذي قد يُقِظ حواسها من جديد.
"لمَ أشتقتُ إليه؟" همست بعتابٍ لنفسها بينما عيناها بدتا تلمعانِ ، وبشده شعرت بغصةٍ لعينه تتمركز داخل عُنقها.
رُبما لأنها قد أحبّت ذلك المدعو شان بكل ما تملك من نقاء قلبٍ وصفاء نيّه، لم تنساه بتلك السهوله.
مرّت مُده طويله منذ أن رأتهُ ، في ذلك اليوم المشؤوم ، أعتقدت بأنها ستكرهه وتكنّ الحِقد إليه ، لكنها لم تفعل، على العكسِ تماماً.
لامست وجنتيها حالما شعرت بشيءٍ رطب يتدفق من مُقلتيها ليحتضن وجنتيها الحمراوتان، أصبح وجهها أكثر حرارةٍ حالما لم تستطيع السيطرةِ على تلك الدموع المُشتاقه..
قلبها يستنفذ شغفه وشوقهِ إليه بينما عقلها يوبّخها على تلك السذاجةِ الجامحه التي باتت مُتعلقةٌ بها كالبلهاء.
"حمقاءٌ أنتِ."
تردد الصوت داخل أذنيها لتستدير بعدما توقفت عن البُكاء تدريجياً.
ذلك الصوت ذاته ، هل هذه أُحجيه أو كاميرا خفيّه ؟ بِرنامجٌ فُكاهيّ مثلاً.
لم تجد أحداً على الإطلاق.
كادت أن تزيح نظرها عن المكان لتُكمِل سيرها لكنها توقفت حالما شعرت بشيءٍ ينقر قدميها.
أخفضت نظرها لتُرجع خصلات شعرها الحالِك بخفه لتفوح منهُ عطرُ الورد الذي أعتادت عليه منذُ صغرها، كالأطفال تماماً.
أبتسمت ، بل إتسعت إبتسامتها حالما رمقت ذلك الأرنب الأبيض يجول حول قدميها، كأن أحداً قد بعثهُ إليها عمّداً لتبتسم.
إنحنت لتجلس القرفصاء وحملتهُ بين يديها لتنظر إليه عن قربٍ وتتحدث بهدوءٍ."لمَ أنت جميلٌ هكذا ؟"
ضحكت بخفةٍ حالما أستنتجت بأنها كانت تنتظر إجابة الأرنب، تلك المخبوله حدث شيءٌ لعقلها حتماً.
تبدو تائه وبالوقتِ ذاته مُضحكه بسبب سذاجة الأطفال وربما فِطرتها.
"عليّ أخذكَ معي،" أومأت لنفسها وهي تستقيم بظهرها لتنهض بينما دفنته في صدرها تحديداً بداخل ذلك المِعطف الدافيء."رُبما تشعر بالبرد أيها الأرنّب الجميل."
سارت وهي تبتسم ببراءةٍ بينما هناك شخصاً ما يحدق بها من أعلى ذلك المبنى، ناظراً إلى تلك الإبتسامه ومُستمعاً إلى تلك المحادثةِ القصيره واللطيفه.
ركّز نظرهُ عليها ليجد نفسه يبتسم تلقائياً، لقد باتت أشبه بأكسير حياةٍ..
يتتبعها بخطواتٍ مُتباطئه ماراً بتلك المباني من الأعلى في حال أنها أكثر إنشغالاً من أن تلحظه.
يشعر وكأنها تسحبهُ معها ، أينما تحرّكت وخطت تلك الخطوات الرشيقه.
يشعر برغبةٍ في تتبعها طوال الوقت !
نسيّ أمر تعطّشه للدماء، أو يمكنني قول تناساه ، يوجد من هي أهم منهُ الآن.
ماذا يحدث في تلك الليلةِ الغريبه ؟
ثبّت خطواتهِ حالما رآها تفتح باب منزلٍ كبيرٍ وضخم ، على الأرجح منزلها.
تنهيدةٌ عميقه قد أنطلقت إلى خارج فمهِ بعدما أغلقت سومين الباب خلفها لتصبح داخل منزلها بثوانٍ معدوده وملامحٍ هادِئه.
ربما عليه العودةِ الآن والبحث عن طعامهِ لايمكنهُ الدخول إليه على كل حال..
لقد تأخر الوقت وحتماً سيفقد قوّتهِ شيئاً فشيئاً إن لم يُسرع في طلبِ طعامه –دِمائهِ.
أختفى على الفور ليصبح في مكانٍ أكثر ظلاماً باحثاً عن سرِّ بقائه على قيد الحياةِ.

"سمعتِ ما قد حدث؟"، توقفت سومين عن الصعود إلى غرفتها وإلتفت لتنظر إلى ذاك العجوز المتموضع فوقَ تلك الأريكةِ الجلدَيه بلامبالاةٍ.
نظرتهُ لم تُبشّر بالخير على الإطلاق، لعقت شفتيها قبل أن تستدير كُلياً لتُصبح مقابلةً لهُ.
هناك من يصطفون في ذلك الممر الواسِع وهناك من هم متراصّون في الغرفةِ كالحراس.
دائماً ما تكره المحادثات الطويله ، والمُريبه، إبتلعت ريقها ببطءٍ لتتسائل."ماذا حدث؟"
لم تتوقع بأن تكون ردة فعلهِ هو الصمت والتحديق بها بغرابةٍ، ما هذا الشيّء الهام الذي قد يجعله مُتعجبَاً من عدم معرفتها إليه؟
تنحنحت لتلفت نظره لسؤالها ليعقد هو يداه معاً ويجيب بصوتهِ الأجشّ."شان " نبض قلبها بعنفٍ وشعرت بالإهتمام يغزو عقلها، ما بهِ؟ ومن أين علم بأمر معرفتها بهِ؟ كان يبعث رجالهُ لتتبعها إذاً !
"ما بهِ؟" بخفوتٍ قد أجابت ليفاجئها ببرودٍ."عثرنا على جُثتهِ منذ بضع أيامٍ فقط."
وكأن الماء الساخن قد سُكِب على قلبها فجأةٍ مع إتساع عينيها اللامعه ، ما الذي يتفوه بهِ ذلك الفمِ اللعين.
كيف مات ؟ إذاً هو قد أختفى لهذا السبب، متى قد حدث ذلك؟
العديد من الأسئله الإفتراضيه التي قد تخطر على بالِ أي شخصٍ يتعرّض للموقفِ ذاته.
دموعٌ غزيره تجمّعت بعينيها لتتمسك بالسورِ الذي يجاورها بشدةٍ ، قدماها على وشك خيانتها الآن.
تشعر وكأن جسدها قد فقد طاقتهِ أو قد سُلِبت طاقتهُ بالفعل.
"كيف؟" تصنّعت القوّه على الرغم من تلك الدموع التي قد أنزلقت دون علمٍ منها أو إذنٍ حتى للسماح لها بالخروج.
"عضةٌ في العُنقِ،" أضاف بعد لحظةٍ من صمتها."دِماءهِ قد نفذت من جسدهِ حينما عثرنا عليهِ."
إتسعت عيناها أكثر من العاده حالما إستقرت فكرةٌ وحيده إلى عقلها ، ذلك الوحش الذي قابلته منذ دقائقٍ فقط هو من فعل ذلك بهِ صحيح؟ لماذا قد يتجرأ على فعلِ ذلك حتى؟ ولمَ هي مُتأكده إلى ذلك الحدّ من أنه الفاعل؟
الأمر شائعٌ في البلدةِ، الجميع يعلم بأن هناك شخصاً ما متخفيّ بينهم لكنه في الأصل مصاص دماءٍ مُحترِف.
لم يتم العثور عليه حتى الآن ، كالشبح تختفي الأدله التي قد تُدينه بعد كل جثّةٍ مجهوله تلقى حتفها معهُ.
أشخاصٌ عديده يطاردون ذاك الشاب ، ليس وكأنه مُجرمٌ هارب من سجنٍ قد حُكِم عليه بالإعدام.
هو مصاص دماءٍ ! يمتلك قوىً لا يمتلكها أحد ، كيف لهم أن يعثروا عليه بتلك السهولةِ.
حسنٌ، الأمر أصعب من تخيّله حتى.
دون الإستماع إلى كلمةٍ أخرى كانت قد صعدت إلى غُرفتها لتغلق الباب خلفها على الفور بينما لم تسيطر على شهقاتها.
سقط الأرنب من يدها على ذلك السرير الليّن في حين جسدها قد سقط بالمِثل بجانب السرير.
ألمٌ رهيب قبع داخل قلبها لتتمزق أوردتهُ ببطءٍ.
هي لن تراه إلى الأبد ، ليست فتره وستمرّ ، ليس وكأنه يختبئ منها بعد الذي قد حدث.
لقد مات وتبقت جثتهُ التي على الأرجح على وشك التحلل لتصبح وجبةٍ خفيفه لكائناتٍ أخرى لا نعلم عنها شيء.
ربّت على قلبها الذي قد أنغزتهُ شهقاتها المُتألمه ، ربما تحمل الضغينة الآن لذاك الشاب لكنها أيضاً لا تستطيع لومهِ.
إن كان مصاص دماءٍ ؛ إذاً وسيلته للعيش هي التغذي على دِماء البشر، تصحيح –دماء من كانت تُحبّهُ.
بداخل تلك الفتاةٍ مزيجاً من الحكمةِ والسذاجه، الطيبه والشر، هي مزيجاً من كلِ شيّء.
تتحسر على من فارق حياتها وبالوقتِ ذاته لا تعلم إن كان عليها كُره من فعل لشان هذا أم لا ؟
بحق الله ، لمَ القدر عليه وضع أُناسٌ بدائرةٍ لامتناهيه من الصدمات والمشاحنات.
لا تعلم حتى أن ذاك المدعوّ كاي هو بالأصل فعل ذلك تأثراً بمَ قد حدث لها.
لم يكن اليوم هو اليوم الوحيد الذي يراها لأول مرةٍ بهِ ، في الواقع الأمر أعمق من ذلك بكثيرٍ.
هو يتتبعها في كل أوانٍ يبقى إلى رفقتها ، ربما يتحتم عليه البقاء بعيداً عنها في أوقاتٍ كثيره ولكن الأكثر يظلّ إلى رفقتها ناظراً إليها، مُتأملاً ذلك الجسد المنحوت وتلك الأعين الجذّابه.
تلك الفتاة المُحلاه كالكعكه في الصباح تُضفي لمسةً جميله ودافئه إلى يومهِ.
هو شغوفاً لدرجةِ أن لمسةً واحده منها سيركع إليها مُستجيباً لكل ما قد تطلبه منه.
هو في حالة إدمان ، كل شيّءٌ مُتعلق بها يُحبهُ.
مُستعداً لفِعل أي شيءٍ مُفتدياً بروحهِ في سبيل جعلها مُبتسمه وسعيده.
لقائمها للمرةِ الأولى كان شيئاً غير متوقعاً على الإطلاق.
رُبما علينا التحدث عن ذلك لاحِقاً ، يوجد حدثٌ هام على وشك الحدوث الآن.
هي مُمسكه بذلك الكِتاب الذي سبق وإن رأته مُسبقاً ، هو ذاته الذي يحمل معلومات مصاصي الدِماء خاصّةً ذلك الشاب.
عينيها تتفحص معلوماته بدقةٍ على الرغم من إمتلاء إطار النظارة بالدموع ، رؤيتها صعبه بالفعل لكن مُستمره في ذلك.
"كيم جونغ ان (كاي)،" تمتمت بصوتٍ جاف وهادئ لتُغلِق الكتاب وترفع نظرها للأعلى بينما عينيها تبكيان، على الحالةِ ذاتها.
"أجل؟ هل ناديتني للتوّ؟"

مرحّباً أيها الوحش.

دِماءٌ تسير بالوريد لا تُعني بأنها مُفيده.Where stories live. Discover now