الجزء السادس

15K 459 51
                                    

لماذا نبكي؟ هل بسبب ضعفنا؟ ام لاننا تحملنا الكثير؟ ام لان ما يحدث معنا في بعض الاحيان يفوق قدرة تحمل نقاط القوة التي لدينا، هل حقاً تأتي المصائب دفعة واحدة؟ ام اننا لا ننتبه للمصائب ان كانت متفرقة؟ لاننا نتغاضى عما يؤلمنا لنضحك ولكن هذا يكون له حساب، تلك اللحظة عندما تأتي يد الحقيقة لتدفع بنا عن نهاية الهاوية ولا نجد سوى دموعنا لتخفف عنا وقع السقطة..
كان يضمها بين يديه يجلي روحه التي كاد ان يفقدها في الساعات الماضية، خطط للكثير، رسم ملايين الحوارات، سيصرخ وسيعاتبها كيف تختفي هكذا؟ وحتى ان تركته للابد كان عليها ان تخبره ولا تتركه ضائعاً هكذا! غرس انفه داخل خصلات شعرها الحمراء يتنفس عبق رائحتها وهو يشد قبضته عليها، يشدها اليه اكثر، لن يتركها ابداً هذا وعد بينه وبين نفسه لن يتركها مهما حصل لن يفعل، ليس بعد ان وجدها، ليس بعد ان وجدت ذاتها معه..
رخت قبضتها لتبتعد عنه ولكنه لم يأبه لها، همست بصوت متعب:
- مراد .. احتاج للنوم
هز رأسه وهو يشدها اكثر حتى كادت ضلوعهما ان تلتحم:
- كاذبة .. كنتِ تريدين النوم وذهبتي والان ماذا ستفعلين؟
ابتسمت مرغمة وسط دموعها، هامسة باختناق عبراتها:
- ارجوك
تنهد وهو يرخي قبضته ليبعدها عنه، خطت خطوتين داخل المنزل ثم التفتت اليه قائلة:
- شكراً لك
رفع حاجبه باستغراب وانتظر تفسيرها ولكنها ابتسمت وصعدت للاعلى حيث غرفتها..
دخلت تلك الغرفة كالجثة الهامدة جلست على ذلك السرير وصمتت، لم تتحرك فقط تنظر الى الحائط امامها، لا توجد اي فكرة في رأسها فقط فراغ.. فراغ تام، حتى صباح ذلك اليوم عندما بدأت الشمس بفرض سيطرتها وقفت كما هي بلا احساس ونزلت تلك الادراج لتجده يجلس على الاريكة مثلها صامت بلا حراك، سارت اليه وجلست الى جانبه، وحيد ووحيدة، متألم ومتألمة، حزين وحزينة، عاشق و.. عاشقة!
تردد قبل ان يرفع يده ليضعها خلفها بينما هي بقيت بنفس حالتها المبهمة، همس بصوت بدا عالياً لذلك الهدوء:
- الن تخبرينني؟
نظرت اليه وهزت رأسها نافية بينما تثقل انفاسها وتندفع ذكرياتها لتهدد دموعها مجدداً بالسقوط، اضاف:
- لا تبقيه داخلك .. سيقتلك
اومأت برأسها فهو معه حق! ذلك الشعور يقتلها ويسلبها انفاسها، عقلها لا يستطيع الاستيعاب لا يستطيع فهم ما الت اليه الامور ولكنها محقة ولم تخطىء فهي ليست سلعة لتباع!! انها انسان!!!!! ماذا وان كانت امرأة؟؟ هذا لا يجردها انسانيتها! تحق لها الحياة وبحرية..

سابقاً في تلك الليلة وعندما خرجت متوجهة الى المستشفى حيث راسلها اخيها، دخلت غرفة والدتها الممدة على ذلك السرير الابيض تنظر الى اللاشيء بألم وعيناها لا تتوقفان عن البكاء بشكل عميق خارج عن ارادتها، كادت ان تناديها ولكنها تلك النظرة.. تلك النظرة النارية التي رمقتها بها، قاتلة، مدمرة، محطمة! المرأة الوحيدة التي ظنت انها تحبها باتت تكرهها الان؟؟ يا لحظها!
نقلت انظارها الى اخيها الذي ينظر اليها بحزن شعرت بانتفاضته عندما رآها ليضمها ربما؟ ولكنه تراجع، ماذا؟؟ ماذا فعلت هي؟؟؟ كل ما ارادته هو ان تتحرر! ان تعيش!! هل هذا كثيرٌ عليها؟؟ همست:
- امـ..
قاطعتها بغضب بنبرة منتحبة:
- لا تناديني بامي! انا منذ اليوم ليس لي ابنة اسمها ليلى!! انتِ السبب .. لن اسامحكِ ابداً ولو كنت على فراش الموت لا اسامحك!
انزلت ليلى رأسها كطفلة معاقبة قائلة بخفوت:
- ماذا فعلـ..
قاطعها اخيها احمد بانكسار واضح بعيونه الحزينة:
- ماذا فعلتِ يا اختي؟ انا .. علي ان اكون رجل المنزل من بعد الان
اندهشت وردت بانفعال:
- وابي؟؟ اين ابي؟؟
سمعت همهمة والدتها قبل ان تقول بسخرية:
- الان عرفتِ انه ابيكِ؟؟ بعد ان تركتي ارملة ويتيم في هذا المنزل وحدهم!
لا تذكر ما حدث بعد تلك الجملة سوى الكثير من الوعود التي لا تعرف ان كانت ستستطيع تحقيقها ولكن صغيرها ذلك الذي كان يواسيها في ايامهم السابقة اليوم هو يقف على الجهة المعاكسة بعيد كل القرب!!! لقد اجبرها على الخروج بانغلاقه على ذاته بعيداً عنها، ناداها لتقف معه والان لا تستطيع الاقتراب حتى، قُطع الغصن الذي يسمى ليلى من تلك الشجرة وكأنها لم تكن يوماً والدتها قالت لها "لا اريد رؤيتك من بعد اليوم .. قلبي غاضب عليكِ حتى يوم الدين" هذه اخر كلمات سمعتها قبل ان تخرج من الغرفة، من المستشفى والى الشارع تسير وتسير وتسير... ولكن لقدميها موطن واحد، ولقلبها طلب اخير، حضن مراد!

عاشق من ألماس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن