الجزء التاسع

11.8K 408 6
                                    

حجر الاساس في أي علاقة الصدق، لا تتوقع مني ان اكون صريح معك ان لم تكن انت كذلك فكم من علاقة عظيمة سقطت بسبب سوء التفاهم الذي يخلقه الكذب، قد يُخرج الغضب احياناً ما باعماقنا ونتحجج بأنها لحظة غضب ولكن كما يقولون عندما يغضب الانسان يقول ما بداخله بجراءة دون حسبان..
ظلا صامتين طوال الطريق لا يقطع الهدوء سوى صوت محرك السيارة، اوقفها في مرأب السيارات وترجل منها كما فعلت هي، كان سعيد فقد تقدم اليوم معها خطوة الى الامام وفي ذات الوقت خائف مما قد يؤول اليه اعترافها، خائف من ان تخاف هي فتتجنه وتبتعد عنه بينما هو تعلق بها بطريقة سخيفة، كيف لرجل بعمره ان يكون بهذه الطفولة في العشق؟ ادار المفتاح في قفل الباب ليقابله الظلام، قال بصوت عالٍ مسموع لجميع اركان المنزل:
- خالتي؟؟
اشعل الانوار واكمل سيره للداخل وما هي الا ثوانٍ حتى اهتز هاتفه برسالة قرأها بصوت خافت مسموع "حان وقت رحيل شركة اصلان من الارجاء سيد مراد لا داعٍ لكم في السوق بلا مدير عام حقيقي" اقترب ليلى منه عندما عقد حاجبيه باستغراب وقالت:
- من هذا؟
هز رأسه  وهو يلوي شفتيه نافياً معرفته للمعنى، حاول الاتصال بالمدير المستلم الرئاسة الان ولكن  لم يجبه احد، وبعد ساعة من محاولاته الفاشلة بالوصول لاحد قرر الاتصال بوالده، اجابه بصوت نعس:
- من هذا؟
- انا مراد ابي
قال بشيء من الفزع ظهر بصوته:
- مراد؟؟ هل انت بخير؟؟
ابتسم لقلقه ورد مطمئناً:
- نعم لا تقلق انا بخير ولكن وصلتني رسالة تهددني بالشركة والسيد يمان لا يجيب
- وما مفاد تلك الرسالة؟
- شيئاً مثل حان وقت رحيل الشركة لا مكان لنا لانه لا يوجد مدير عام حقيقي
- منذ متى لم يذهب يمان للشركة؟
- لا اعلم كنت مشغول في الفترة الماضية ولم اذهب اليها
زفر انفاسه بغضب مردفاً:
- الم اخبرك ان تتفقدها على الاقل مرتين في الاسبوع .. اذهب الان وفوراً مراد لا تدع احد يشمت بنا هل فهمت يا بني؟
- نعم ابي سأحلها لا تقلق
اغلق هاتفه وادار وجهه ليجد ليلى مستندة على الجدار تنتظر انتهاءه لتقول:
- هل كل شيء بخير؟
- لا اعلم ليلى حقاً لا اعلم لكن علي الذهاب الان .. اين خالتي عندما نحتاجها لا اريد تركك وحدك هل اخذك؟؟ لكن عليكِ النوم فهنالك جامعة في الغد وانا لا اعلم متى اعود وحقـ..
صمت متنهداً عندما لامست اناملها الباردة وجنته وحطت راحة يدها على ذقنه وهي تقول مبتسمة بلطف:
- انا سأكون بخير لا تقلق وسأبقى هنا كي لا تتعطل بي وتتحرك كما تريد والا لما تركت دقيقة واحدة ولكنني سأكون هنا اذا احتجتني اتفقنا؟ لا تتردد بالاتصال بي
اغمض عينيه واومأ برأسه قبل ان ينحني ليقبل خدها ويغادر تاركاً اياها وحدها في المنزل..
وصل للشركة فتعجب رجل الامن قائلاً:
- سيد مراد؟ خير؟
- هنالك اوراق اريدها في شركتي عن اذنك .. عملاً موفقاً
صعد مسرعاً للاعلى ودخل الشركة واتجه الى مكتب المحاسبة يراجع الحسابات التي من الواضح ان السيد يمان لم يلمسها حتى، بدأ بعملية الجرد ليحدد الانحراف الحاصل في الحسابات.. انهى كل اعماله في الشركة ليحدد الامور الحاصبة بنفسه وارسل تقرير مفصل لوالده الذي نصحه بمحاسبة يمان وفتح تحقيق بشأنه لانه من الواضح ان هنالك مختلس يحاول سرقة الشركة..
في السابعة صباحاً ارسل مراد رسالة لليلى ان تذهب الى الجامعة ولا تنتظره لانه لن يأتي اليوم.. جلس خلف مكتب السيد يمان الفخم والذي من الواضح انه باهض الثمن، بعد نصف ساعة دخلت مساعدته الى المكتل لتتفاجأ بمراد يجلس مكانه تلعثمت قائلة:
- سـ.. سيد مراد؟
رفع حاجبه باستغراب عندما رأى توترها وارتباكها فابتسم بسخرية وهو يحثها على الجلوس قائلاً:
- تفضلي انسة..؟
جلست قائلة:
- سيـ.. سيدا
- اخبريني اذاً انسة سيدا ما رأيك بشركتنا؟
- انا؟؟
- الست المساعدة الخاصة للمدير العام؟ اظن هذا يعطيكِ معلومات اكثر من الجميع .. اخبريني
- جيدة
- جيدة؟ هذا فقط؟ حسناً انا اخالفك الرأي لهذا اذهبي الى مكتبك فوراً واتصلي بالسيد يمان واخبريه الا يأتي اليوم على الساعة العاشرة بل بعد نصف ساعة لان هنالك اجتماع عاجل مع مجلس الادارة
اومأت بتوتر وهي تقف مسرعة الى مكتبها بعد ما استأذنت، ادار مراد كرسيه وارخى جسده وهو يتنفس بهدوء..
دخلت ليلى الجامعة وما ان سارت قليلاً حتى وجدت علي امامها وهو يقول:
- صباح الخير .. اين مراد؟؟
تلفتت حولها ثم اجابته:
- في الشركة
- لماذا؟
- لا اعلم هنالك مشكلة
ضرب قبضته براحة يده متمتماً:
- كنت اعلم
سار مبتعداً عنها بينما هي استغربت فارسلت لمراد "اخبرت علي ان هنالك مشكلة في الشركة قال انه كان يعلم وذهب ولكن لم افهم؟!!!"
اجابها فوراً "هل هو قادم؟"
"اظن ذلك"
"جيد"
اكملت سيرها لمحاضرتها بينما دقت الساعة الثامنة ليدخل كلٌ من علي ويمان الى المكتب، وقف مراد مرحباً:
- اهلا وسهلاً سيد يمان بإمكانك انتظارنا في غرفة الاجتماعات سنوافيك بعد دقائق
ما ان خرج يمان حتى قال علي غاضباً:
- ماذا فعل هذا الحقير؟ اخبرت والدك هذا انه لا يمكن ائتمانه على شركتنا هكذا ولكنه بالطبع فضله على ان يستلمها احدنا بينما ننهي هذا الفصل اللعين!
- اهدأ اولاً .. لا اظن انه من يسرقنا ولكن تسيبه فعل بنا هذا .. من الجيد انك اتيت بالمناسبة بعد ان ننهي اجتماعنا معه ستجتمع مع المحاسبين بما ان هذا تخصصك ستفهمه اكثر مني ولعلمك قمت بعملية الجرد البارحة وقد وجدت انحرافاً سالباً بنسبة ٣٥٪‏ في اخر ثلاثة اشهر وقد ابتعدنا عن الخطة السنوية بنسبة كبيرة
- ماذا حصل لنظام الرقابة عندنا؟
- عندما يتسيب المدير يا صديقي ماذا تتوقع من موظفينه؟
دخلوا ذلك الاجتماع الذي اظهر شخصية مراد القيادية وشخصية علي الماكرة وانتهى بقرارات اولها بقاء ايمان بشكل صوري كمدير عام على ان تُسحب كل الصلاحيات منه وبالطبع مع بقاءه تحت المرقابة بشكل دائم..
بينما اجتماعهم الثاني الذي بدأ وتوسط وعلى ما يبدو انه سينتهي بتوبيخ علي للمحاسبين لايجاد المتسبب بهذه الكارثة التي قد تسبب ضائلة مالية تؤدي الى افلاس الشركة قاطعه اتصال والد مراد للذي اضطر لترك الاجتماع ليستمع لتوبيخ والده على قلة الحياء التي عاملوا بها رجل يكبرهم سناً! اثار هذا الموضوع حنق مراد ليرد غاضباً:
- انا لست طفلاً صغيراً ابي وهنا لست ابنك مراد طالب الجامعة انا احاول ان اكون قائد سفينة ماهر يقوم بانقاذ سفينته قبل الغرق فبالله عليك كفاك معاملتي كأنني طفل لا يفقه شيئاً وانت خير من يعلم انني راقبت اعمال هذه الشركة عن كثب خوفاً من حدوث امور كهذه وانت هو السبب الوحيد عن ابعادي عن كل ما يخص حياتك ان كانت الخاصة او العملية حتى محاولاتك التي بائت بالفشل عن ابعادي عن ابن شريكك وكأن ما يجمعني بعلي الاعمال فقط
صمت دار بينهما قبل ان يسمع صوت والده المنكسر:
- معك حق انا اعتذر ولكن هذا كان لمصلحتـ..
- لا تكرر ذات الكلام لانني مللت والان عن اذنك فقد خرجت من اجتماع هام بسبب توبيخك اللامنطقي لي
كاد ان يغلق ولكن كلمات والده اوفقته وهو يقول:
- اصبحت رجل يا صغيري .. كانت والدتك لتفخر بك كثيراً
لم يقل مراد شيئاً بل كان مندهشاً من كلاك والده الذي يسمعه لاول مرة اضاف:
- الم يقولوا ان المصاعب تصنع الرجال انا لم استطع اكمال النهج الذي سارت عليه والدتك بتربيتك اضطررت لابعادك عني لابعدك عن دلالي الذي سيصنع منك طفل لا يكبر ابداً .. مراد انا لا اريدك ان تحادثني مرة اخرى لا اريد ان تعتاد علي بينما انا انتظر الموت في اي لحظة بل اعتد انك وان احتجتني  لن تجدني كما كنا دوماً انسني وكأنني مت اليوم وفي هذا الدقيقة ولكن سأخبرك امراً زوجتك تحبك وان انكرت هذا انا لا اعرف سبب زواجكما الذي من الواضح انه اتفاق فالاعمى سيرى هذا من توتركما العذري بجانب بعضكما فانت لست معتاد عليها ولا هي معتادة عليك تقرب منها واكسر الحواجز التي بينكما لا تطلب قربها فالنساء الحقيقيات لا تجرؤ لفعل هذا بل اقترب انت وهي ستكتفي بالا تبعدك كإشارة لا تنتظر ان كنت تحبها لا تنتظر لانه من يعلم متى تلك الحظة التي ستسرقها منك، احبك بني وداعاً.
قطع المكالمة بينما يقف مراد كالجثة الهامدة لا يتفوه بحرف بينما داخله يغلي بمشاعر مختلطة من حزن وفرح، فخر وانكسار، حب وكره والكثير الكثير من التناقض يملأه تنحنح ليزيح بحته المختنقة عندما سمع صوت الباب يفتح وعلي يدخل للمكتب قائلاً:
- علينا الانتظار لبضعة اشهر والموظفين جميعهم تحت مراقبتنا حتى نكتشف السبب الحقيقي ونكون بذلك انهينا الجامعة بشكل نهائي يخولنا لاستلام مناصبنا بجدية نرفع بها عملنا للافق قبل ان يسقط من على المنحدر
اومأ مراد بتفهم وهو ينظر الى الساعة:
- انها الثالثة علي الذهاب للمنزل فأنا لم انم منذ البارحة ورأسي على وشك الانفجار تستطيع استلام الامور الان اليس كذلك؟
نظر علي اليه بشك واقترب منه مربتاً على كتفه قائلاً:
- استطيع ولكن هل انت بخير؟
ابتسم مراد بتصنع:
- سأكون بخير
غادر فوراً متجهاً للمنزل، طرق الباب لتفتح له خالته قائلة بفزع:
- يا اللهي مراد حالتك مزرية هل انت بخير؟
اومأ بتعب متسائلاً:
- اين ليلى؟
- عادت منذ قليل انها في غرفة الجلوس
سار حتى وقع نظره عليها فابتسم لمنظرها وهي ترفع شعرها القصير بملاقط متناثرة عن رقبتها التي ابت الا واسدلت خصلات من شعرها المموج عليها كانت تحمل طبق طعامها بيدها وعلى ما يبدو سارحة لدرجة لم تنتبه فيها له، تقدم حتى جلس بالقرب سحب الطبق من بين يديها فشهقت فزعاً قبل ان تراه يضعه على الطاولة ليرمي بجسده في حضنه ويمدد قدميه الطويلتين حتى فوق حافة الكنبة الجانبية ويغمض عينيه بوهن لتهمس باستغراب:
- ماذا تفعل مـ..
صمتت عندما رفع يده ليضع اصبعه على شفتيها قائلاً دون ان يفتح عينيه:
- اصمتي .. سأنام

عاشق من ألماس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن