الجزء العاشر

11.5K 405 7
                                    

الدفىء يأتي على اشكال غطاء سرير في شتاء عاصف، حطب مشتعل، صدر رجل عاشق او حضن امرأة محبة..
استيقظ مراد على رائحة طعام شهية كاد ان يتحرك لو لم يشعر بتلك الانامل الخجل التي تتلمس شعره بهدوء، فتح عينيه ببطء ليجد نفسه قد عانق فخديها بذراعه وتكور بوضعية جنين في بطن امه، تململ قليلاً فأحس بابتعاد يدها فوراً ادار نفسه ليستلقي على ظهره فيقابل وجهها المتورد خجلاً قال بابتسامة:
- مرحباً
ردت ابتسامته متسائلة:
- ماذا حدث لتفعل هذا؟
اتسعت ضحكته مجيباً:
- هل يجب ان يحدث امر سيئاً لانام في احضان امرأتي؟
فتحت عيناها على مصرعيهما بينما توقفت عن التنفس لثوانٍ وكلمة "امرأتي" لا زالت تتردد على مسامعها، رفع جسده حتى وصل الى زاوية شفتيها طابعاً قبلة رقيقة لينهض مبتعداً وهو يقول بحماس:
- اووووه هنالك من أعد لنا العشاء
سمعت اصوات مشاكسته مع خالته ولكنها لم تفقه شيء، هل تصرفاته المرتاحة هذه بسبب اعترافها المتسرع ذلك؟ لا تستطيع الوصول معه لمراحل متقدمة بل لا تستطيع ان تصل الى اي مرحلة مع اي شخص، هل تستطيع ان تحبه وتعطيه ما يريد حقاً؟؟
طُرق الباب لتقف قائلة:
- انا سأفتح
فتحت الباب ليظهر لها رجل اربعيني بوجه متجهم وهو يقول:
- مرحباً، هل هذا منزل السيد مراد؟
كادت ان تجيبه لكن كان مراد بالفعل هنا  محاوطاً خصرها بيده:
- نعم .. انا مراد .. تفضل
- سيد مراد انا محامي شركة اولجاك القابضة .. كنا قد تعاقدنا مع شركة حضرتكم على صفقة مدتها عام واحد كما انه من المفترض ان نوقع العقد الاسبوع القادم ولكن كما سمعنا من اشاعات ان شركتكم على وشك الافلاس فبهذا سنضطر ان نلغي الاتفاق
نظر ليلى الى مراد بصدمة ما يقال، هذه هي المشكلة اذاً؟ هل ستفلس الشركة؟ ابتسم مراد بدبلوماسية وهو يرد ببرود:
- ان ما خرج من اشاعات هو امر خاطىء لا اساس له من الصحة لا انكر انه تعرضنا لاخطاء في الحسابات التي قد تزعزع مكانة الشركة ولكن كما قلت لك مجرد اخطاء وسنتلافاها سريعاً ولكن ما لم افهمه هو سبب قدومك الى منزلي في وقت المساء هذا؟ الا يحتمل الموضوع التأجيل حتى الغد؟ اخبرتني ان العقد الاسبوع القادم، كان من الطبيعي ان تأتيني خلال اوقات الدوام بشركتي وكما من الواضح انكم قمتم بالاتفاق مع السيد يمان فكيف عرفت بي وبمكان منزلي؟
ظهرت ملامح التوتر على وجه ذلك المحامي قبل ان يخفيها قائلاً:
- لا يهم هذا .. ان كنت تسمح لي لادخل ونتحدث بالامر اكثر
كاد ان يتقدم ولكن مراد اوقفه قائلاً:
- لا داعي لدخولك منزلي فكما اخبرتني العقد لاغٍ وبرأيّ لا داعي له هو ايضاً، مساءك سعيد
تراجع مراد ساحباً ليلى معه وهو يغلق الباب لتقول باستغراب:
- لماذا طردت الرجل بهذا الشكل؟
لم يجيبها انما سار مسرعاً لهاتفه ليتصل على علي:
- علي هل ما زلت في الشركة؟
- نعم كنت سأغادر
- لا انتظر .. اجلب جميع الملفات التي تجمع بيننا وبين شركة اولجاك القابضة .. كما احضر نسخة السيرة الذاتية لكل الموظفين وتعال الى المنزل انا بانتظارك
توجه الى المطبخ ليجد ليلى تساعد خالته عليا في ترتيب المائدة ابتسم قائلاً:
- لتسلم ايديكما
ردت ليلى بابتسامة وهي تنظر الى عليا:
- هذا كله من خالتك
ضحكت عليا قائلة بخبث:
- نعم فأنتِ كنتِ مقيدة بالاريكة ماذا نفعل؟
توردت وجنتا ليلى لتكسر نظراتها الى الارض بينما ابتسم مراد بفخر وكأنه قام بأمر عظيم..
انهوا العشاء بجو من الحديث العائلي الذي اخبرتهم فيه خالتها عن ذهابها البارحة الى احدى صديقاتها في اسطنبول كما سردت ليلى يومها في الجامعة بعد تغيبها وعن سؤال بعض دكاترة المحاضرات التي يتشاركونها هي ومراد عنه وبقي مراد مستمعاً فقط ولم يتحدث ابداً بل كان تفكيره كله منصب على ذلك الخطأ هل من الممكن ان يكون متعمداً؟ اولاً الرسالة والان المحامي؟ اليس هذا غريباً؟
صعدت ليلى الى غرفتها تراجع دروسها بينما جلست خالته في غرفة الجلوس تشرب القهوة مع قراءة احدى الكتب بينما جلسا كل من مراد وعلي عند قدومه في المطبخ يراجعون تلك الاوراق ويتفقدون الاعمال السابقة لموظفينهم بعد ان اخبره مراد عن الاحداث التي حصلت.
بعد ساعات من العمل اكتشفوا طرف الخيط الذي سيبدأوا منه غداً بعد الجامعة، صعد مراد الى غرفة ملابسه اولاً ليرتدي منامته ودخل غرفته ليجدها ترتدي نظراتها الطبية وتذاكر في دروسها، جلس بجانبها فشعرت به لتزيل السماعات من داخل اذنيها وتقول:
- متى اتيت؟
- الان .. الن تنامي؟
- لمَ؟ كم الساعة؟
- انها الواحدة فجراً هيا تكملين غداً
خلعت نظراتها وتنهدت وهي تتمطى بجسدها وتحرك رقبتها بشكل دائري وتقول بصوت اقرب للتأوه:
- علي ان انام حقاً فبعد الجامعة هنالك اجتماع للأعضاء الجدد في الجمعية وبعدها سأعود لاكمل دراستي
انهت حركاتها وصمتت فنظرت اليه لتجده ينظر اليها بنظرة عميقة مظلمة قالت بخفوت:
- ماذا هنالك؟
ابتسم بجانبية قائلاً بهمس مثير:
- اشعر انني ارغب بتقبيلك الان
نظرت اليه بدهشة قبل ان ترتبك وتحمر وجنتيها وتبدأ بترتيب اوراقها بارتجاف ليقهقه مردفاً:
- انا الذي اشعر وانا الذي ارغب ولم افعل شيء لا داعي لخوفك هذا
تلعثمت قائلة بخجل:
- اااه حـ.. حسناً لا تسخر بي
- لا اسخر ولكن الم اخبرك؟؟
نظرت اليه ببلاهة متسائلة:
- ماذا؟
ابتسم هامساً:
- اعشق تورد وجنتاكِ
عادت لتفعل ما كانت تفعله بينما اسند هو ظهره هائماً بها وبحركاتها العفوية المرتبكة اثر نظراته، انهت ترتيب اغراضها لتقول:
- هل ستنام هنا؟
هز رأسه نافياً لترفع هي حاجبها باستغراب متسائل ليضيف:
- استلقي انتِ وانا اخبرك لاحقاً
نظرت الى مكانها بتردد قبل ان تستلقي ببطء وعندما ارادت رفع الغطاء ثبته هو قائلاً:
- انتظري سأخبرك اولاً اين سأنام
- اين؟
ابتسم واقترب منها ليضع رأسه على صدرها محاوطاً خصرها بذراعيه،شعر بتشنجها من حركته لثوانٍ فهمس:
- هنا .. كم من الجيد ان يسمع المرء اصوات نبضات مطابقة لنبضاته
ارتخت قليلاً عندما شعرت بانتظام انفاسه التي تضرب على رقبتها مسببة لها قشعريرة فحاولت ابعاده لينقلب السحر على الساحر ما ان دفعته لانه استلقى على ظهره وسحبها لتسقط هي على صدره هو، بقيت كالصنم لثوانٍ قبل تأكدها من انه نائم حقاً وضعت يدها على صدره موضع قلبه بينما رفعت رأسها قليلاً لتستنشق رائحته من عنقه، وما هي الا دقائق حتى نامت بأمان..
استيقظ مراد صباحاً على صوت هاتفه شعر بحركة بين يديه ليجد ليلى تختبأ داخل صدره وهو قد التفت عليها وعانقها مقرباً اياها عليه اكثر، ابتسم لوضعيتهم وقد نسي امر هاتفه تماماً وهو سارح بها وما هي الا ثوانٍ حتى عاد ذلك الاتصال مجدداً ظهر منها انين خفيف وهي تقرب نفسها الى مراد اكثر، سحب هاتفه من خلفه محافظاً على المسافة التي بينهما ليرى ان المتصل "علي" قطع اتصاله لينظر الى الساعة التي اشارت الى انها الثامنة والنصف صباحاً، اللعنة لقد تأخرا! اعاد انظاره الى القطة الحمراء الصغيرة التي تختبأ داخله ليبتسم ويقترب من وجهها يطبع قبل صغير تكاد لا تلمسها مما ضايقها فبدأت بالتململ اكثر فأكثر وهي تحرك يدها بمحاولة ابعاد فاشلة للشفاه التي تتلمسها،استيقظت اخيراً لتفتح عينيها وتجد مراد ينظر اليها مبتسماً فابتسمت لا ارادياً قبل ان تدرك موقعها كادت ان تبعد ولكن قبضته القوية على ذراعها اوقفتها، نظراتها المترقبة جعلته يجاهد كي لا تلفت منه ضحكته قال بصوت هادىء خشن لا يخلو من اثار النوم:
- اريد ان اشرب القهوة
قالت بتوتر وهي تحاول الابتعاد مجدداً:
- حسناً سأحضرها لكن ابتعد .. مراد ما بك؟ لماذا تقيدني هكذا؟
كان ينظر الى ثغرها عندما همس:
- ولكن قهوتي الصباحية هنا
رفرفت بعينيها ببراءة وهي تهز رأسها متسائلة:
- لم افهم؟
ابتسم بجانبية وهو يقترب منها حتى وصل الى شفتيها فانحرف ليطبع قبلة على زاوية فمها قبل ان ينهض مسرعاً وهو يقول:
- نشربها في يوم اخر .. على أي حال هيا ارتدي ملابسك لقد تأخرنا سأذهب معكِ الى الجامعة اليوم
استقامت بظهرها وهي تنظر اليه باستغراب، ماذا يحدث مع هذا الرجل؟ زفرت انفاسها بقلة حيلة واسرعت لتجهز نفسها..
بعد يومهم الجامعي الروتيني استدعى عميد الجامعة عدد من الطلاب من بينهم ليلى ليخبرهم عن اختيارهم كطلاب متميزين ليذهبوا الى رحلة جامعية في صباح اليوم التالي لحضور مؤتمر يعزز الثقة بالنفس ويطور المسؤولية القيادية، كانت بيلين احدى اولئك الطلبة فاقتربت من ليلى قائلة:
- كيف حالك زوجة اخي؟
ابتسمت ليلى بلطف مجيبة:
- بخير وانتِ؟
- بخير .. هل ستجلبين مراد معكِ؟
- لا اظن لانه مشغول حتى انني لا اعرف ان كنت سأذهب
عقدت بيلين حاجبيها باستغراب وهي تقول:
- بإمكانك اقناعه فهو حبيبك بالنهاية
ظهر ارتباك ليلى العفوي في كلماتها:
- اعلم ولكن سأرى عن اذنك
اسرعت الى الخارج هاربة، تعالى صوت رنين هاتفها فاجابته مسرعة:
- مراد؟
- نعم انا .. كيف حالك؟
- بخير وانت؟
- انا ايضاً .. كنت سأخبرك انني خرجت من الجامعة قبل ساعتين وقد ذهبت الى المنزل وجهزت حقيبة سفري لان هنالك ندوة علينا حضورها باسم الشركة غداً .. انهيتي محاضراتك صحيح؟ وستذهبين الان الى اجمعية وبعدها الى المنزل تستطيعين العودة بمفردك اليس كذلك؟
هو ايضاً لديه ندوة؟ أيعقل انها ذاتها؟؟ تسائلت فوراً:
- ستذهب الى انطاليا؟؟
- نعم انطـ..
صمت قليلاً قبل ان يضيف:
- ولكن كيف علمتي؟ لم اخبرك بمكانها
ضحكت مجيبة:
- لانني سأذهب غداً مع الجامعة الان اعلموني وكنت انتظر عودتي للمنزل لاخبرك
سمعت صوت زفر انفاسه المرتاحة وهي يقول بهمس:
- وانا الذي كنت افكر كيف سأقضي نهاية الاسبوع هذا بدونك وها هو القدر يحثنا على الاجتماع دائماً حتى لا اموت من شوقي اليكِ
ابتسمت بخجل وهي تضم الهاتف الى اذنها اكثر ثم قالت:
- اراك غداً اذاً
- لا استطيع الانتظار وسأبقي ذكريات الليلة الماضية وانتِ تعانقيني طوال الليل في مخيلتي حتى استطيع النوم
تنحنحت حرجاً ولم تستطع الرد ولكنه قال مسرعاً:
- حسناً ليلى علي الذهاب الان اتى علي الى اللقاء
همست بتأثر واضح في نبرتها:
- الى اللقاء

عاشق من ألماس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن