الجزء 2

13.2K 103 6
                                    

----------------------



إنها جنازة أمي، الجيران كلهم هنا، أصدقاؤها و قليل من أفراد عائلتنا منهم من أعرف و منهم من لم أسمع به من قبل .

جلست في ركن مقرور أمام الخيمة  التي اجتمع فيها الناس أنظر إليهم بتمعن بنظرات حادة وحاقدة، كيف لهم أن يتمتعوا بالحياة وأمي تسلب منها؟ كيف؟ كيف ولماذا؟ أسئلة دقت رأسي باستمرار مثل ناقوس الخطر فغصت في شرود أيقظتني منه يد ربربت على كتفي بحنان، لم أستدر، عرفت من كان في الحين ، فأنا أميز هذا العطر، هذه الرائحة الذكورية القوية التي اعتدتها وآلفتها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتي.

جلس بقربي، فور رؤيتي له، كل قوتي المصطنعة، كل برودي،  تبخر، فخرت باكية على صدره، صدره دافئ، كصدر أمي، دافئ و حنون، أحاطني بدراعيه أحسست بالأمان وازدادت الحرقة المتصاعدة من قلبي المفطور فأجهشت بالبكاء.

آدم

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

آدم

"توقفي أرجوك، يؤلمني أن أراك هكذا" قالها بصوته الهادئ ، يعرف كيف يهدئ من روعي، لطالما انفرد بريمولت التحكم الخاص بي فسيرني حسب هواه بأفعاله وأقواله حتى إن لم يتعمد ذلك.

نظرت إليه و أعيني تفيض دمعا "أمي ماتت يا آدم، عماد حياتي غاب يا ادم سلبت مني يا آدم"
على هذه الكلمات أجهشت بالبكاء من جديد وامتلأت عينا أمين بالدموع.
"تعالي" قال لي بنبرته الآمرة .
لم أسأل لماذا أو إلى أين بل تبعته في صمت و دون تردد.

لطالما أحببت آدم فقد كان في نظري الشاب المثالي، حنون، وسيم، ميسور الحال و فوق كل شيء يعاملني كالأميرة ، و كان من الطبيعي أن يغدو جزءا أساسيا من حياتي التي أتصورها خالية من الطعم و السعادة في غيابه.

أخدني يومها إلى شاطئ البحر، اعتدنا أن نأتي هنا سويا كلما تضايق أحدنا. أمام هذا المنظر الخلاب والمسالم نمت نوما عميقا إلى أن أيقظني أدم للعودة.

مرت الأيام التالية ركيكة أليمة، غياب أمي لم يزد تلك الشقة الكئيبة إلا حزنا و كآبة، و سفر آدم لفرنسا لمتابعة دراسته ما زادني إلا بؤسا و شقاء .
تعازي الناس و زياراتهم بدأت تقل رويدا رويدا و بدأت أموالنا في النفاذ تدرجيا إلى أن أفلسنا فطردنا المالك من الشقة و تشردت أنا وأختي جازمن.

آوتنا الخيرية التي فتحت لنا أبوابها لاستقبالنا. تشاركت أنا و جازمن نفس السرير، نفس البطانية ودرج الملابس.

كانت فتيات الخيرية ترمقنني بنظرات تزعزع حنايا روحي المرتعبة و تزرع في قلبي الخوف و الرهبة. مكثنا هناك ما يناهز الشهرين، تركت المدرسة حتى تتمكن جازمن من مواصلة تعليمها و طول هذه المدة كنت أبحث باستمرار عن عمل أؤمن به لقمة عيشي أنا و أختي و أستعيد به كرامتي التي مسح بها القدر الأراضي ، لكني كنت أعود كل ليلة خائبة، تعبة وأكتر تعاسة ...

ذات يوم دخلت للحمام لأزيل عن كاهلي تعب يوم مرهق و محبط بكل ما تحمل الكلمة من معنى، نزعت ملابسي، وضعتها فوق الدرج وإذا بالباب يفتح فتدخل فتاة في عمري تقريبا لكنها أقوى وأشد مني بكثير ،رمقتني بنظرة منحرفة و عضت شفتها السفلية في نفس الآن مثبثة نظرتها على عورتي، اقتربت مني فتراجعت و كلما دنت مني كلما ابتعدت أكثر .


ترجيتها مرارا و مرارا من ألا تقترب و ألا تؤذيني، لكن يبدو أن كلماتي المرتعدة أثارتها و لم تردعها.  أغمضت عيني و قلت بصوت متقطع من شدة الخوف هذا كابوس سينتهي الآن.
اقتربت مني و همست في أذني و شفتاها على خدي:" تؤ تؤ تؤ صغيرتي أنا كابوسك و لن أختفي حتى و إن أغمضت عينيك، سألاحقك في أحلامك حتى"

فتحت عيناي بخوف لأراها أمامي، وجهها كان أمام وجهي و كانت قريبة لدرجة أني كنت أسمع أنفاسها الحارة تتلاطم بوجهي و تلفحني كسوط من النار. قبلتني قبلة عنيفة حتى تورمت شفتاي و نزفتا لكني لم أبادلها، مما أغضبها فصفعتني بقوة حتى سقطت أرضا.

صرخت من الخوف و الألم لكن أحدا لم يأت لنجدتي ثم ثبثتني على الحائط ، لم أر على الأرض سوى أداة حلاقة مستعملة مرمية قرب سلة المهملات على شمالي، أفلتت منها هرعت نحو الشفرة و ما إن اقتربت مني من جديد حتى هاجمتها ، مزقت خدها، و شفتها أيضا.
صرخت منادية إياي بالعاهرة و الحقيرة متوعدة إياي بالموت. تملكني خوف عارم سرعان ما تحول إلى غضب جم عندما رأيت عصا منشفة التنظيف ، أمسكت بالعصا بإحكام و ثبات ثم ضربتها بكل ما أوتيت من قوة حتي سالت بدمائها وهوت أرضا. أحكمت إغلاق الحمام و اتجهت صوب أختي، أمرتها بتوضيب حقائبها في الحين.

قبل الخروج مررت ببعض الأسرة أتفحصها ،كنت بحاجة إلى المال للفرار وقد نلت مبتغاي و حصلت ما يناهز الخمسمائة درهم ثم هربت أنا و جازمن من الباب الخلفي للخيرية.

جلست في محطة الباص، رفقة جازمن، التي لم تكف عن البكاء منذ فرارنا. أمسكت رأسي بيدي الاثنين، كان على وشك الانفجار . لم أكن مجهدة من الفرار بل كنت مجهدة من التفكير، ولم أجد من ينقذني لإيقاف محركات مخي من الدوران...

تذكرت أن لي خالة في مراكش، اسمها كاترينا ، كنت أعرف طبيعة عملها ومدى خطورته بيد أن ذلك لم يحل دون ذهابي بل ابتعت تذكرتين اثنين لأول باص مغادر لمراكش وكان هذا ثاني منعرج عور سلكته في حياتي...

------------------------

ريعان الشباب •قيد التعديل•●حيث تعيش القصص. اكتشف الآن