الفصل الأول، لا أحد.

6K 432 252
                                    


‹ ٢٠ / ١٠ / ١٩٢١م ›

- أنت، نعم أنت يا من تسمعني .. لمَ لا تلتفت؟ ألم يعلمك ذووك أن تجيب من يناديك؟

سمع كل تلك الكلمات إلا أنه اعتقد أن شخصًا آخر هو المقصود، لكن انهماك كل من حوله في حركتهم جعلهُ يعلمُ أن لا أحد منهم كان المقصود سواه.

التفت ليرى المنادي إلا أنه لم يُوَفَّق في ذلك، فعاد ذلك الصوت يصدح مرةً أخرى و كأنه كان يعلم بالحيرةِ التي خالجته في هذه اللحظة.

- فقط تابع السير إلى مصدر الصوت، أسرع فالرائحةُ كريهةٌ هنا يا رجل، أما كان عليه أن يختار مكانًا أفضل من هذا؟

كان جاهلًا بكل ما حوله إلا أنه تابع سيره باتجاه ذلك الصوت الذي بدا كما لو أنه لمُقامرٍ مملوءٍ بالخدع، لعل مجاراتهُ لكل هذا قد تقدم له ما يفيده.

- ما الأمر؟ هل قدماك النحيلتان لا تستطيعان الإسراع أكثر؟

تنهد ذلك الماشي عندما سمع جملته الأخيرة، ثم ألقى نظرةً سريعةً على أطرافهِ القصيرةِ و الهزيلة، لم يكن في يده حيلةٌ إن كان الطعام الذي يأكلهُ بالكاد يبقيهِ حيًا.

وصل إلى أقرب زقاقٍ شعر فيه بأن صاحب الصوت هناك، سأل بصوتٍ منخفض بعد أن سعل قليلًا : أين؟

- أمام عينيك في الأسفل، عاد الصوت الغريب ليرشده.

تقدم بضع خطواتٍ من سِلال القمامة ليجد قبعةً مستقرةً على بعدٍ ضئيل، تلّفت يمنةً و يسرةً باحثًا عن أحدهم لكن ذلك الصوت عاد موبخًا :

- التقط القبعة يا هذا، أكاد أتقيأ من الرائحة هنا.

عاود النظر إلى تلك القبعة ليجد أن لها فمًا و قد تحرك فتراجع عدة خطواتٍ إلى الوراء حتى التصق جسده بالحائط.

فزِع من ذلك الحال الغريب .. قبعةٌ تتحدث؟ كيف يعقل هذا؟

هل نادتهُ هو من بين الحشود جميعها؟

- لابد أنني أهلوس! ، لم أتناول طعام الفطور و أنا جائعُ جدًا، نبس ذلك الفتى ببعض الخوف.

عاود فم القبعة يتحدث : يا فتى هيا التقطني قبل أن تلتصق هذه الرائحةُ الكريهةُ في جلدي.

ازدرد ذلك الفتى ريقه بينما يفكر .. و هل لديهِ عينانُ ليراني بها حتى يعرف أنني فتى؟

- نعم لدي عينان .. لكنني أفضل أن لا أستخهدمها .. صدقني لن يروق لك الأمر لو فعلت، نطقت تلك القبعةُ بنبرةٍ احتوت القليل من التهديد.

وضع يدهُ على رأسه و هو يقول : أفكاري .. ما هذا؟

تراجع بقدميهِ خطوةً للوراء بينما يعقد العزم على تجاهل كل هذا الجنون الذي رآهُ قبل لحظات!

نطقت مرةً أخرى : لا ترهقني يا فتى، دعنا نحصل على بعض الأوقات الممتعة دون أيةِ مشاكل.

داخل أحدهم.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن