عاد الشاب من آخن ، لم يخبر فتاته العزيزة بذلك ، إنما قرر مفاجأتها هناك . وقف مختفيا عن الأنظار بحيث يمكنه رؤية من يخرج من بوابة مدرستها ، و انتظر ..
كان وجهها قد اكتسب سحنةَ حزنٍ خافتة و هي تحادث زميلاتها بابتسامةٍ ساخرة ، ودعتهما و أكملت تغذ الخطى للمنزل بعينين شاردتين ، تنظر للأرض فحسب . سمعت اسمها من بعيد .. توقفت ، تلك النبرة ما كانت عادية ، ارتجف قلبها بعنف و لسبب تجهله خافت أن تلتفت ، بابتسامة دافئة ، ناداها مجدداً ، "مي ، حبيبتي !".
التفتت بسرعة و بعينين دامعتين ، احتضنته بشغف "افتقدتُّك حتى كدت أفقِدُني .. !" .
بقيا على حالهما فترةً ، و تحدثت العيون بما لم يقال، فكرا معًا بما عليهما فعله لاحقًا، و عاد كلاهما إلى مقاصدهما.
في مكان آخر في ذات البلاد ، هاتف يرن "مرحبا ، من المتصل ؟"
بلكنةٍ غريبةٍ يجيبه المتصل ، يقول أنه سمع عنه و يريد التحدث معه بأمرٍ خاص ، استغرب، يحدد له موعدًا خارج الشركة و يستمرُّ بعمله كما المعتاد.
في يوم آخر، يخرج الرجل الخمسيني "عمر" بصحبة الشاب الألماني "يوهان" ، يتمشيان و يتكلمان، عرّفه عن نفسه و دراسته.. إلخ.
ثمّ فاجأه حين طلب يد ابنته.
طلب منه بعض الوقت ليقلب الفكرة برأسه، و مضى شاردًا، تاركًا الشاب في بؤرةٍ من القلق.
مساءً، ينادي الأب ابنته، يسألها عن حالها و دراستها، ثمّ " ماذا تعرفين عن الشابِّ الألمانيّ 'لوهان' ؟".
بصوتٍ عميق و عينين ثابتتين واثقتين، تجيبه مَيْ و تحادثه عن أفكاره و أخلاقه. دون ذكر أيّة موقف. لم يستغرب الأمر يعرف ابنته كظهر يده و لم يربّها على المراوغة. ثمّ سألها عن كيفية التقائهما، فروت له باختصارٍ ما كان، و هكذا تحدثا حتى آخر الليل.
بعد أيّام، دعى" عُمرُ " "لوهانَ" إلى شركته، و بعد فنجانٍ مرّ الطعم من القهوة قطع الخمسيني حبل الصمتِ بأن قال له:
"هناك ما لا تعرفه عن ابنتي، و هو ما لم تتجرأ هيَ أن تقوله حتى لأعزّ صديقاتها"
ازدرد الرجل قليلًا قبل أن يكمل ،
" حين كانت في الرابعة و النصف من عمرها، اختطفت
لستة أشهر، و حين وجدناها أخيرًا كانت قد فقدت قدرتها على الكلام جزئيًا و حالتها حرجة، الفحوصات أثبتت أنه لم يلمسها الوحش ذاك ولكنه كاد أن يتسبب لها بالشلل.. "
جفّ حلق الشاب ولفرط قلقه لم يخطر بباله أن يرتشف مزيدًا من القهوة، تابع عُمر،
" كان مريضًا نفسيًا ، بسببه كدنا نفقد الأمل بعودة الابتسامة لشفاه طفلتنا العزيزة، و بسببه أقسمتُ عهدًا ألا أفرّط بها أبدًا.. "
ثمّ نظر إلى الشاب مضيقًا عينيه و بنبرةٍ هادئة و قلقة،
"أنا أعرف ابنتي و أعرف اختياراتها التي لا تكون إلا عن سبق معرفة، وأعرف أن لا شيء في هذا العالم يمكنه خداعها أو التسلل إلى قلبها دونما استئذان، ولكنني مع ذلك، أريد منك وعدًا صافيًا بأنك إن لزم الأمر ستضحي بأغلى ما تملك لأجلها، حتى لو كانت روحك. فهي قطعةٌ واللهِ من رُوحي، بوجودها تكتمل سعادتي و بضحكاتها ترد إلي رَوحي".
ابتسم الشاب ابتسامةً خافتة هادئة، كانت عيناه تنطقان بما يقوله "لستَ بحاجةٍ لذلك عمّي، 'مَيْ' هيَ كلّ فؤادي، و هيَ كلّ ما أردتُّ العيش لأجلهِ يومًا".
أدرك الرجل العجوز السبب العميق وراء مبادلةِ ابنته حبّ هذا الشاب؛ قلبه بصفاء عينيه.
كانت 'مَيْ' قد أوشكت على إنهاء عامها الدراسيّ الأخير، فكان شرط والدها أن تنهيه بامتياز و بعدها لكلِّ حادثٍ حديث.
أصرّ 'لوهان' على مساعدتها بكلِّ جوارحه لذا كان يقدم إليها بعض الشروح من فترة لأخرى.
مضت الأيّامُ سريعًا..
استيقظت مَيْ و بسرعة سجّلت بياناتها في الموقع، التقدير امتياز مع رتبة الشرف، لم تقدر على كتم سعادتها و باتت تصرخ و تقفز على سريرها بصدمة عجيبة.
ثمّ بعد أسبوع كانت ترتيبات الخطوبة و الزفاف بعدها بشهر، كان بإمكانهما الزفاف فورًا ولكنّها "الأصول" كما يقول الرجل التقليدي 'عُمر'. كان لوهان يشعُر بقلبهِ يؤلمه مع كلّ يومٍ يمر، يريدها و بشدّة، كلّما ابتسمت له كاد أن يعصرها بين يديه، ولكنّها كانت تغوص فيه في كلِّ مرّةٍ و تضحك بخجل، تقول أنّ عطره مخدّر مرعب بالنسبة لها.
على هذا المنوال، تمّ لهما مرادهما، تزوّجا صباحًا و في المساء أقلعت الطائرةُ إلى آخِن، حيثُ كانت كلّ الأحلام حقيقة.- النهاية -
أنت تقرأ
خواطرهُما / مكتملة❤
Romanceشاب ألماني و فتاة عربية، يختلط قدرهما لمجرد أن تلاقت أعينهما ذات يوم..