"بين بتلات شقائق النُعمان"

196 40 5
                                    



- -

انتهى العقاب ورُمي جثمانه من قبل رياح عاتية في بحيرة البعث دُحرج جسمه الهالك بهدوء وأمان بعد ذلك العقاب حل الصمت ، وبقي خرير الماء المنسكب من الأعلى هو صوت المكان ، جسده في قاع البحيرة يتشافى ويصعد بعد دقائق من إعادته استفاق في المنتصف وشعر بتلك الحرقة بداخل جوفة ، حرقة الغرق دفع بجسدة للأعلى وبدأ بالسباحة للأعلى كانت نقطة الوصول قريبة ولكن أنفاسه المنقطعة وحرقة جسده تريه الكثير من البعد ، دفع بجسدة بقوة حتى خرج للأعلى ليتشبث بأي نفس ألتقطه ، بقي في تلك المياه لفترة حتى أدرك كونه عاد للحياة سبح حتى وصل للأرض الجدباء وسار بصعوبة بسبب تعبة ، قطرات الماء تتساقط من أطرافه وشعره ، وكل خطوة يسيرها تَخْضر الأرض الجدباء من تحته ، نظر لأطرافه التي تشع من البياض ودهش من رحيل ذلك السواد المتفحم عاد ليرى ملامح وجهه على تلك البحيرة ورأى أجمل مخلوقات الرب ، تفقد عيناه الملونة ، وأنفه ذو الغضروف الحاد الطويل ، وجنته الحمراء وشفتاه التي تملك لون الروح  .

تفحص المكان وأتبعها بالنظر لخطواته التي تبعث الحياة خلفه لم يتوقف وأستمر في السير حتى بعد جفاف جسده هو مازال ينشر تلك الحياة في الأرجاء ، تفقد أطرافه بين التارة والأُخرى المكان أصبح بُعد مغاير والطبيعية حية فيه بشكل لم يسبق له رؤيته وكأن أيام الجفاف رحلت وحل الربيع ، استمر في التأمل ورفع يديه لتصوير هذه المناظر وخرجت تلك الصور من فمه تفقدها وحل الخوف مرةً أُخرى على عقله ، فهو يرى أرض جدباء في الصورة ومنظر خلاب بعيناه وشعر بتلك الأبر على صدره لم يعيش لحظات السعادة طويلًا حتى رأى جذور شقائق النعمان تحيط به من كل أتجاه وتخرج بتلاتها من صدره ، جفت تلك البتلات سريعًا وتشكلت كملابس له .

حاول خلع تلك الجذور ولكنه عالق في التربة رويدًا رويدًا وخُسفت به الأرض وابتعلته تلك الشقائق بلا توقف وبقي بين بتلاتها  كجنين في رحم أمه قبيل ولادته رأسًا على عقب .

ألم يكن هذا موطنك؟ ألم تكن هذه امنتيك؟ وعندما قابل حقيقية أمنيته أصابته خيبة أمل فضيعة ، فهو يتجرع الألم والأسى من سنوات وعندما وجد حياته أصبحت بهذا الشكل ضيقة ، باردة ، جافة .

لم يتذوق ذلك الحب ولا الحنان الذي لطالما هرِم له ، كور نفسه وألتف حول نفسه يبكي كطفل رضيع .

ليس هذا ماحلمت به ، وألم تجرع الكثير من الخيال يسقطنا في حفرة اليأس التي لا نهاية لها .

Anemone coronaria  | شقائق النُعمان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن