كسّاب بثقة حازمة: أنا عشان خالتي عفرا مستعد أسوي أي شيء
لكن جميلة ما تستاهل
وأظني أني أكثر من مرة قلت لخالتي خل نسفرها برا هي اللي عيت
وخالتي ما تبي وسيط بيني وبينها
عشان كذا اقصري الحكي اللي طال أكثر من اللازم.. وهوينا
ماني بطايق شوفتش قدامي
مزون تنهدت بعمق أكبر والكلمات تخرج من بين شفتيها مرتجفة متقطعة خائفة:
كـــسّـــاب
تكفى عشان خالتي اللي غلاها عندنا كلنا مثل غلا أمي
تكفى...تزوج جميلة.. تكفى
حينها التفت كسّاب لها بحدة.. وهو يقول لها بقسوة من بين أسنانه: نعم؟؟ عيدي ما سمعتش عدل
تراجعت مزون خطوتين وهمست باختناق: تكفى كسّاب.. البنت بتموت
وأنت عارف إن خالتي مستحية وماتبي تثقل على حد عدا أنها مستحرمة سفر جميلة مع حد منكم
كسّاب تنهد بعمق في داخله ثم جلس على سريره وهمس ببرود: أظني الكلام بيننا انتهى
وأتمنى ما تشرفيني بذا الزيارة مرة ثانية
حينها جثت مزون على ركبتيها لتجلس على الأرض جواره وتناولت كفه تقبلها باستجداء محزن مهين
كسّاب انتفض بعنف وهو ينتزع يده بحدة ويقف ليبتعد عنها وذكرى جلسة استجداء مريعة ومؤلمة كان هو بطلها قبل أربع سنوات تعود لذاكرته..
وكأن الذكرى المقيمة في خلايا ذاكرته غادرته أصلا!!
بينما كانت مزون تهمس بوجع حقيقي ورجاء مثقل بالألم: تكفى كسّاب ماعرفنا لنا أم صدق إلا خالتي عفرا
ولو صار لجميلة شيء خالتي بتموت من الحسرة
تزوجها لو تبي تطلقها عقب ما تشافى
كسّاب بذات النبرة الباردة المحايدة: زواج بنية الطلاق أنتي عارفة عدل إنه حرام
والشيء الثاني جميلة طول عمري اعتبرها اختي الصغيرة ومستحيل أفكر فيها زوجة
مزون بوجع: زين والحل؟؟
كسّاب يشعر بصداع فعلي وأعصابه على وشك الانفلات من تزايد الغضب.. الحالة التي لابد أن تصيبه كلما رآى مزون
همس من بين أسنانه: الحل مهوب شغلش.. ويالله.. برا.. اطلعي برا
مزون توجهت للخارج مجبرة.. تجر أذيال خيبتها وحزنها للباب
ولكن قبل أن تخرج رأته يلتقط شيئا من جيب ثوبه المعلق ثم يخرج لشرفة غرفته
عادت وتبعته وقلبها تتصاعد دقاته رعبا من المشهد الذي تتوقع أنها ستراه بعد أن لمحت الشيء الذي أخرجه من جيبه
كانت عاجزة عن مجرد التصديق
أ يعقل؟!!
أ يــــعــــقـــل؟!!!!
حين وصلت للشرفة وقفت أمام بابها ثم شهقت بكل الرعب:
تدخن كسّاب؟؟ تدخن؟؟
من متى؟؟ وإبي يدري عنك؟؟
كسّاب تفاجأ برؤيتها.. لم يكن يريدها أن تراه بهذا المنظر
رغم كل الألم الذي بعثته في حياته.. ورغم كثرة ما تبادلا الجرح
ولكنه يبقى منظرا يكره الرجل الحر أن تراه محارمه
"تلك الرفيعة اللعينة تنثر دخانها وتتمدد بين شفتيه!!"
همس كسّاب بسخرية مرة وهو يلقي السيجارة على بلاط الشرفة ويدهسها بقدمه العارية دون أن يهتم باللهيب المحرق الذي انطفأ في باطن قدمه :
الحين تبين إبي يحاسبني أنا الرجّال على أني أدخن
وهو ما حاسب البنت اللي سوت أكثر من التدخين بواجد..
احنا بيت القيم عنده مقلوبة..
جات على التدخين يعني؟!!
مزون امتلئت عيناها بالدموع: كسّاب حرام عليك اللي تسويه في نفسك
أخرتها تدخين.. وش عندك بعد تبي توجعني فيه؟!!
كسّاب يعطيها ظهره وهو يتسند على طرف حاجز الشرفة ويهمس ببرود قارس:
وهو كل شيء في حياتنا كلنا لازم يتعلق فيش يعني؟؟!!
مزون اطلعي برا.. وحياتي مالش دخل فيها
إذا أنتي سويتي اللي في رأسش..تبيني أنا كسّاب ما أسوي اللي في راسي
أدخن ما أدخن مهوب شغلش
لو حتى شفتيني أحرق روحي بغاز.. مهوب شغلش ولا تدخلين
خرجت وهي لا ترى طريقها من عينيها الغارقتين في طوفان من الدموع..
بينما هو زفر بحرارة لاهبة أحرقت صدره قبل تغادر روحه المثقلة بالغضب
وهو يوجه للحاجز الحجري عدة لكمات فرغ فيها بعضا من غضبه.. ولم يشعر بنفسه إلا مع تصاعد الألم في كفيه
ليتناول علبة السجائر ويقذف بها إلى أبعد مدى عبر الشرفة
ليمنع نفسه من تناول سيجارة أخرى
فهو منذ بدأ التدخين في ذلك التاريخ المشؤوم قبل أربع سنوات
لم يكن يدخن إلا حينما يغضب.. ولا يتجاوز ما يدخنه سيجارة واحدة في اليوم..
شبكة ليلاس الثقافية
وقد تمر أيام كثيرة لا يدخن مطلقا إن لم يعكر مزاجه شيء
كان يستطيع تركها بسهولة.. ولكنه احتفظ بهذه العادة الرديئة حتى يحرق أعصاب والده فقط!!
الذي كلما رأى السجائر معه غضب ليعنفه حينا.. ويعاتبه حينا آخر
ليرد كسّاب عليه ببرود وقح: واحد أخته كابتن طيار.. وش تتوقع منه يسوي؟؟