الفصل الثالث: موهبة

338 35 42
                                    

هدف!!!! أحسنت ... لقد كانت تسديدة رائعة بحق!

بهذه العبارات هتف أعضاء فريق الجامعة لكرة القدم وهم يحيطون بي ويربتون على كتفي بعد تسديدي للهدف الأول في المباراة ... إن كرة القدم بالنسبة لي ليست مجرد هواية، إن شغفي بكرة القدم هو توأمي الذي وُلِدَ معي في نفس يوم ميلادي ... حالة من الهيمان والعشق لا يفهمها إلا من جربها .. لقد صرت أعشق كل ما هو كروي ... حتى الجغرافيا أحببتها بعد أن علمت أن الأرض كروية.

اعتدت دائمًا في كل مباراة أشارك فيها أن أشعر وكأن العالم كله قد تلاشى سوى هذه المساحة الصغيرة المستطيلة الشكل، نعم قد تبدو في نظر الكثيرين مجرد مساحة صغيرة من الأرض يمارس عليها مجموعة من الفتيان رياضتهم المفضلة، لكنها بالنسبة لي عالم كبير جرت فيه أهم الأحداث والمواقف في حياتي، هكذا اعتدت أن أشعر، لكنني هذه المرة لم أستطع أن انفصل بتفكيري وعاطفتي تمامًا عن الأحداث التي تجري خارج مساحة الملعب، ظللت أراقب المارة وهم يذهبون ويجيئون دون أن أعلم تمامًا ماذا أريد أو عن ماذا أبحث.

راقبت الجالسين على المقاعد القريبة من الملعب ... راقبت المدرجات ... راقبت المتوجهين إلى مباني الكليات والخارجين منها ... ولكن لا شيء، لا أستطيع الحصول على أي تلميح أن هذه الطالبة أو تلك هي من أبحث عنه.

ولم ألبث إلا دقائق حتى انتهت المباراة، فسار أحد زملائي بمحاذاتي وسألني سؤالا أنقذني من استغراقي في هذا البحث العقيم ... سألني "هل تفكر باحتراف كرة القدم بعد التخرج؟" فقلت له وأنا أبتسم ابتسامة الواثق الحكيم، الذي أمسك بصولجان الحكمة بيده، وفهم أخيرًا سر الحياة، "ذلك هو حُلُمي".

خرج فريق جامعتنا من الملعب مبتهجًا، منتشيًا بلذة النصر، حتى قطرات العرق المتساقطة منهم بدت جميلة وهي تتلألأ  تحت أشعة شمس ما بعد الظهيرة ... توجهنا جميعًا إلى مبنى نادي كرة القدم، منا من دخل ليستحم، ومنا من جلس في غرفة تغيير الملابس ليلتقط أنفاسه بعد هذه المباراة الصعبة ... لقد كانت المباراة تحديًا حقيقيًا هذه المرة لكننا صمدنا واستطعنا أن نتأهل بجدارة للربع النهائي.

سعادتي بعد كل مباراة نفوز فيها تجعلني أشعر أنني متفوق في كل شيء، وليس في كرة القدم فحسب،  صحيح أن معدلي الدراسي لا يدل دلالة واضحة على ذلك، ولكن المعدل والدرجات ليست كل شيء، ألا توافقني؟ عمومًا أنت حر في أن توافقني أو أن لا توافقني، لكن هذا لن يغير من واقع قناعتي شيئًا.

دخلت إلى الفصل وكنت أول الحاضرين، وجلست على مقعدي المعتاد أنتظر قدوم صديقي العزيز لأحدثه عن الملاحم التي سطرها فريقنا هذا اليوم ... أنا أدرك تمامًا أنه ليس من عشاق كرة القدم، ولا يستمتع بمشاهدة المباريات، بل لا يستطيع أن يجيبك عن سؤال من هو أفضل لاعب كرة قدم لهذا العام، ولكن هذا لا يعني أنه لا يستمتع بحديثي الذي كله حماس عن المباريات التي أشارك فيها.

دخل صديقي إلى الفصل وجلس إلى جانبي، وبعد أن سردت عليه أهم الأحداث على عجالة قبل بداية المحاضرة، فاجأني بسؤال لا يمت إلى موضوعنا بأي صلة ... سألني "لكن ماذا بشأن الفتاة التي حدثتني عنها أمس؟ ألم ترها مرة أخرى؟".

لقد ظننت أن هذه القصة قد انتهت، ولكنه عاد إلى إلحاحه من جديد.

الشظية الضائعة من قلبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن