الفصل الأول: رسالة

568 49 38
                                    

لماذا سميت الجامعة بهذا الاسم؟ ظللت جالسًا أفكر في هذا السؤال الطفولي في إحدى المحاضرات المملة، وأنا أراقب شفتي البروفسور وهي تتفوه بأشياء لا تعني لي شيئًا, وفجأة انتابني شعورٌ بأن عينًا تراقبني، فألقيت بنظراتي الخاطفة على بعض الوجوه في الفصل فلم أرَ فيها إلا الضجر واللامبالاة ... اللعنة على هذا البروفيسور الذي لا إحساس له ولا ضمير، يواصل إلقاء محاضرته على طلبة بلغوا مرحلة الاحتضار من الملل، دون أن تتحرك فيه شعرة أو يطرف له جفن ... وعندها رن الجرس معلنًا انتهاء الوقت، فاستعادت وجوه الطلبة ملامح الحياة من جديد، ونهضت أنا من مقعدي وتوجهت مباشرة إلى مواقف السيارات.

هناك، وجدت على النافذة الأمامية لسيارتي رسالة، كُتب على الجانب الآخر من ظرفها "من معجبة"، فتعجبت، واحمر وجهي، وأخذت أتلفت يمينًا وشمالاً، فلم أظفر بشيء .. فتحت كراستي الجامعية، ألقيت بالرسالة فيها، أغلقت الكراسة، صعدت إلى السيارة، شغلت المحرك، وغادرت الجامعة بسرعة.

كنت أقود السيارة دون أن تكون لي وجهة محددة، كان عقلي مزدحمًا بالأفكار، لا توجد فكرة جيدة أو سيئة إلا وزاحمت عقلي في تلك الساعة، فوصلت بي السيارة لا شعوريًا إلى المنزل، فترجلت منها بسرعة، وتوجهت مباشرة إلى غرفتي، وألقيت بنفسي على سريري، ظللت مستلقيًا هكذا للحظات، مترددًا، مرتبكًا، خائفًا، أريد فتح الرسالة، ولا أريد، وعندها قطع نداء والدتي علي هذا الاستغراق.

سألتني "هل تريد أن تتناول الغداء؟" فأجبتها بالنفي، وأخبرتها أنني لست جائعًا .. أغلقت على نفسي باب غرفتي من جديد، وأنا عازم هذه المرة على فتح الرسالة، فالفضول سيقتلني إن لم أفعل .. أمسكت بالرسالة، وفتحت الظرف بحذر، فكان أول ما بدا لي من شكل الخط ولونه أن كاتب الرسالة فتاة بالفعل، وأن الرسالة ليست مقلبًا من صديق معتوه أو ما شابه، خصوصًا وأن رائحة العطر النسائي التي فاحت من الرسالة قد ملأت أرجاء الغرفة .. نهضت بسرعة إلى النافذة وقمت بفتحها حتى لا تظن بي والدتي والعياذ بالله ظن السوء، وحينها سأكون في ورطة حقيقية.

أخذت بقراءة الرسالة وأنا أتسائل "من هذه الفتاة؟ وماذا تريد؟ وما سر إعجابها بي؟" لكن الرسالة لم تقدم لي جوابًا واحدًا على تساؤلاتي، بل إنها زادتني حيرة إلى حيرتي:

"أعتذر بداية عن اختياري لهذه الطريقة الغريبة والمحرجة في تقديم نفسي، وذلك لأنني حتى هذه اللحظة لا أمتلك الجرأة لمواجهتك بما أريد قوله أو البوح به، وأرجو أن لا تحكم على شخصيتي من خلال تصرفي هذا، فلقد ترددت كثيرًا قبل أن أقرر أخيرًا كتابة هذه الرسالة ... أرجوك أن لا تتسرع في إصدار أي حكم في حقي قبل معرفتي حق المعرفة .. أعلم بحكم معرفتي بك أنك ستتفهم موقفي .. كل ما أطلبه هو فرصة أبوح لك فيها بما في قلبي .. إن كنت مهتمًا حقًا بسماع ما لدي .. انتظرني غدًا بعد المحاضرة الأولى على المقاعد القريبة من الملعب"

لقد فعلت ما طلبت .. انتظرتها ساعة كاملة .. لكنها لم تأتِ.

الشظية الضائعة من قلبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن