الفصل الثامن: تواصل

271 24 3
                                    

خرجت في الساعة الثالثة  والنصف عصرًا - بعد أن أنهيت مذاكرتي - إلى باحة المنزل حاملاً هاتفي وكرتي، ارتديت سماعة "الهيدفون" وقمت بتشغيل بعض أغاني "البوب" التي أحبها وبدأت بممارسة هوايتي المعتادة مع أنها باتت أقرب إلى كونها مجرد إحماء أقوم به قبيل مشاركتي في المباراة التي إعتاد أبناء الحي إقامتها في عصر كل يوم تقريبًا، فما هي إلا دقائقَ قليلةٍ وإذا بي أتلقى الإشعار الصوتي للرسائل النصية، أوقفت الكرة بقدمي  ونزعت السماعة من أذني وأخرجت هاتفي من جيبي، لقد علمت أنها هي المرسلة حتى من دون أن أخصص لرسائلها نغمة مميَّزة، لقد همس الحدس بذلك في أذني .

هي: ماذا تفعل؟

أنا: لا شيء ... لقد أنهيتُ مذاكرتي قبل قليل ... وأنتِ؟

هي: انتهيت لتوي من مساعدة والدتي في شغل المنزل.

أنا: أليست لديكم خادمة تقوم بهذه الأعمال؟

هي: كلا، والدتي تفضل القيام بهذه الأعمال بنفسها.

أنا: نحن لدينا خادمتان ومع ذلك أبي لا يفضل إلا الطعام الذي تعده والدتي، ولذلك ما زالت أمي هي التي تحضر لنا الغداء في أغلب الأحيان.

هي: هذا يعني أن والدتك لديها نَفَسٌ مميزٌ في الطبخ ... هل ستدعوني لتذوق طعامها يومًا ما؟

أنا: بكل تأكيد، ولمَ لا.

هي: إنني أمازحك فقط.

وهكذا أصبحت الرسائل النصية هي الطريقة المعتادة التي نتواصل بها، وكلما تواصلنا مع بعضنا أكثر كلما زالت الحواجز التي بيننا أكثر، وكلما شعرت بأنني أتعلق بها أكثر فأكثر.

عدت بعد انتهاء المباراة إلى المنزل للاستحمام ثم غادرته مرة أخرى لزيارة صديقي في منزله، جلست معه في غرفته التي حول نصفها إلى ما يشبه غرفة المعيشة ... صوفا حمراء، يقابلها تلفاز كبير موصول بجهاز "بليستيشن" ومسرح منزلي من نوع "بايونير"، وخلفها حائط به رفوف سوداء تملأها كتب لا علاقة لأكثرها بتخصصنا الدراسي.

طلبنا البيتزا وجلسنا نلعب "البليستيشن" إلى الساعة الحادية عشرة تقريبًا، عدت بعد ذلك إلى المنزل واستلقيت على سريري وسرحت بخيالي أتأمل مستقبلي الجميل الذي سأحقق فيه أحلامي وأعيش فيه قصة حبٍ جميلة تشبه القصص التي أراها في الأفلام ... لكن مهلاً! حتى في الأفلام ليست كل النهايات سعيدة، ومهما كنت متفائلاً لن أستطيع أن أعلم تحديدًا ما الذي يخبئه لي مستقبلي ... هل يجب أن أكون متشائمًا؟ هل يجب أن أهيئ نفسي لأسوأ الإحتمالات؟ ألن أشعر بصدمة وخيبة أمل إذا تعلقت بآمالٍ ثم لم تتحقق؟ كلا، لا أريد الإنجراف كثيرًا في هذه الأفكار السوداء، فالتشاؤم هو الشيطان الذي يصيب الإنسان بلعنة الإكتئاب.

نفضت عن مخيلتي كل الأفكار المتشائمة، وبقيت أحادثها وتحادثني، وهدوء الليل لا يعكر صفوَه إلا أصوات عقارب الساعة وأصوات الإشعارات الخاصة بإرسال أو استقبال الرسالة النصية، وما هي إلا ساعة أو أقل حتى غلبني النعاس فاستسلمت للنوم.

الشظية الضائعة من قلبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن