استيقظت عند حوالي العاشرة من صباح اليوم التالي وأنا أشعر بشيء من الخمول، أنعشت نفسي بالاستحمام ثم توجهت إلى المطبخ وأعددت لنفسي الافطار المعتاد والذي هو عبارة عن وعاء صغير من "الكورنفلكس" وكوب من عصير البرتقال الطبيعي ... جلست أتناول الإفطار وأنا أتصفح الملحق الرياضي من الجريدة التي تركها والدي على سطح منضدة المطبخ، وبعد أن انهيت إفطاري أعددت لنفسي كوبًا من القهوة اصطحبته معي إلى غرفتي ليبقيني منتبه الذهن أثناء مذاكرتي.
عند حوالي الثانية ظهرًا جلست - بعد أن أنهكتني المذاكرة - في غرفة المعيشة لمشاهدة التلفاز ريثما تعود والدتي من عملها، وحين عادت ووجدتني جالسًا أمام التلفاز سألتني ما إذا كنت تناولت غدائي أم لا فأخبرتها أنني لم أفعل، فطَلَبَت من الخادمة تجهيز المائدة ريثما تذهب هي لتغيير ملابس العمل.
جلست أنا ووالدتي على المائدة وأخذت أحدثها ...
أنا: أمي ... كيف تزوجتما أنتي وأبي؟
والدتي (تبتسم وهي مستغربة): هاه؟! لماذا تسأل؟
أنا: لا شيء ... هكذا خطر السؤال فجأة في بالي.
والدتي: كان زواجًا تقليديًا ... كان لوالدته صديقة من عائلتنا حدثتها عني وحين رأتني أعجبت بي فخطبتني لابنها.
على الأقل حين أنظر إلى العلاقة الدافئة والجميلة بين والدي ووالدتي أتأكد أن الزواج لا يقتل الحب، إن صناعة عالم الواقع للحب مختلفة عن صناعة هوليوود للحب الذي لا بد أن يموت فيه الحب أو المحبوب، إما حب قتله الزواج وانتهى بخيانة، وإما زوجان متيمان بحب بعضهما فرق قدر الموت بينهما، هكذا تبدو دراما هوليوود، هكذا يبدو الحب في "غراتسبي العظيم"، لكن ليس هكذا ما ينبغي أن يكون عليه الحب في الواقع.
عاد والدي في المساء ليصطحبنا إلى بيت جدي الذي اعتادت العائلة الاجتماع فيه في مساء كل يوم سبت، وهو اليوم الوحيد الذي يتسنى لي فيه قضاء بعض الوقت مع أبناء عمومتي، ثلاثة منهم فقط سنهم مقاربة لسني، وهؤلاء هم بالتحديد من اعتدت مجالستهم واللعب معهم منذ طفولتي ... في ذلك المساء جلسنا نحن الأربعة في إحدى الغرف في الطابق العلوي ... إنه ابن عمي الأكبر، هو من دعانا إلى هذه الغرفة وذلك بعد أن أنارها بالشموع.
أحدنا: لست مرتاحًا لما أنت مقبل على فعله يا ابن العم.
هو: أرحنا من تعليقاتك السخيفة.
أحدنا: حسنًا هل أنت جاد حقًا؟ وهل هذه الشموع ضرورية أصلاً؟
هو: ما الأمر يا شباب؟ ألم تشاهدوا مسلسل "حروب الأشباح" ... الأرواح تنفر من الكهرباء.
أحدنا (وهو يساررنا): يبدو أنه جاد ... دعونا نسايره فحسب.
جلسنا نحن الأربعة حول لوح الويجا وأمسكنا جميعًا بالقطعة المتحركة وحركناها حركة دائرية لعدة مرات ثم أوقفناها في المنتصف وأرخينا أصابعنا عليها.
هو: أيتها الروح إن كنتِ حاضرة أجيبينا ... أيتها الروح هل أنتِ هنا؟
فتحركت القطعة وهي أسفل أصابعنا وتوجهت إلى كلمة "نعم" المكتوبة في أعلى اللوحة ... فبدأنا ننظر إلى بعضنا في شك وارتياب.
هو (بعد أن أعاد بصره مرة أخرى إلى لوح الويجا): هل أنتِ روح خيرة؟
فتحركت القطعة مرة أخرى ولكنها هذه المرة توجهت إلى كلمة "لا".
أحدنا (بعد أن نهض من مكانه وهو منفعل): هل ستواصلون هذا الهراء؟ من الواضح أن أحدكم هو من كان يحرك القطعة.
فرفعنا أيدينا جميعًا عن القطعة، عندها وبصورة مفاجئة تحركت القطعة لوحدها وتوقفت بسرعة في منتصف اللوح، وهنا بدأ الفزع يصيبنا.
أحدنا: ما الذي حدث؟ كيف تحركت القطعة هكذا؟
فتحركت القطعة لوحدها مرة أخرى وبدأت بكتابة العبارة التالية: "س أ ق ت ل ك م".
بقي ابن عمنا الذي أحضر لوح الويجا صامتًا وهو يحدق في اللوح بطريقة مخيفة، أما بقيتنا فقررنا الخروج فورًا من الغرفة بعد أن دب الخوف والقلق في نفوسنا من هذه الأحداث الغريبة، وبمجرد أن فتحنا باب الغرفة وجدنا الشقيق الأكبر لابن عمنا واقفًا أمام باب الغرفة، وبمجرد أن رأنا مذهولين ومرعوبين مما جرى انفجر ضاحكًا، وانفجرابن عمنا الذي ما زال واقفًا أمام لوح الويجا هو الآخر من الضحك.
أنا (وأنا غاضب مما حدث): هلا شرحتم لنا ما الذي حدث؟
ابن عمنا الذي ما زال واقفًا أمام باب الغرفة: لا تقلقوا اللوح كان موصولا بالشبكة... وأنا من كنت أحرك القطعة بواسطة تطبيق خاص على هاتفي.
ثم وضع يده على كتفي وقال: "لا ينبغي أن تصدقوا كل ما ترونه أو تسمعونه ... فالحياة مليئة بالخداع والمخادعين ... عندما تكون الأشياء مثالية جدًا ... أو غريبة جدًا ... هي في الغالب خدعة".
لماذا قال لي هذا الكلام لا أعلم، لكنني لم أستطع أن أنسى ما قاله أبدًا.
أنت تقرأ
الشظية الضائعة من قلبي
Romanceلا تستغرق كثيرًا في الأحلام .. عش الواقع بحلوه ومره .. اصنع من حاضرك مستقبلاً مشرقًا .. دروب كثيرة في الحياة نسير فيها على مضض .. نفعل ذلك باختيارنا .. لأنها الوحيدة التي ستوصلنا إلى مبتغانا .. هدف مستعدون أن نمشي على الجمر بقدمين حافيتين من أجله...