" ألِكساندرا، هلمّي يا بُنيّة "
قالها العمّ فرِيدريك، صديق والدَيها الرّاحِلَين، {راحلان.. يالها من كلِمة! أشعر أنّ كلّ ما يحدث الآن كابوس لا ينتهي.. يبدو أنني لن أستيقظ منه أبدًا}.
جرّت قدميها جرًّا وراء العمّ الذي كان حامِلًا التوأمتين إڤانجلين و جوزِفين، لم تتجاوزا الثالثة من عمريهما..ألقت ألِكساندرا نظرةً أخيرة على ما كان يومًا قصرًا عظيمًا، و هو الآن يحترق بكلّ ما فيه، و كلّ من فيه. أشاحت بوجهها ناظرةً إلى ثيابها التي صبغتها الدماء باللون القاني، هذا الكابوس اللعين سرمديّ المدى..!
.كان كلّ شيء يسير إلى منحى جيد صباح اليوم، كيف للأمر أن يتحوّل إلى هذه المذبحة بعد غروب الشّمس. . !
فريدريك، أحد أعيان القصر المحنّكين برغمِ صغر سنّه، فهو لم يصل لعقده الرّابع بعد؛ فالسّبب في تمكينه هكذا كان اللّورد و الليدي ڤان هايْدِم، إذ أنّ غالبيّة من في القصر ما هم إلّا دُمىً يُحرِّكُها الدّوق من خلفِ السِّتار، فَطِن اللّورد لمقاصد الدّوق و كان تحرّكه سريعًا، ف أشار على الملِك ذات يوم بضرورةِ وجودٍ حقيقيّ للشّباب بين أعيان الدولة، حتى تكون مطالبهم مسموعةً ولا يستخدمهم آخر في سبيلِ لعبةٍ قذرة للاستيلاء على خيرات البلاد و نشرِ الفساد، و هكذا عُيِّن وزيرُ الشّبابِ فرِيدرِيك فوردسميث، و بضعُ خَدَم ممن يأمَنُهم اللّورد. بيَدِ أنّه كان حذِقًا، إلّا أنّه كان شُجاعًا بحُمق و كانت بعضُ أوراقهِ مكشوفةً أصلًا، فاستغلّ الدوقُ يوم الحفلِ الّذي كان سيقيمه آل ڤان هايدم على شرفِ بلوغِ ابنتهم الكبرى سنّ التّاسِعة، ليتخلّص منهُ و مِن أتباعِه إلى الأبد حتّى لا يعود هناكَ عائِقٌ بينَهُ و بينَ العرش!
شهدَ ذاك التّاريخُ مجزرةً عزى البعضُ سببها "رعية الأرض و الفلاحون الغاضبون من ظلم اللورد و الليدي لهم" رغم أنّ الرّعية نفوا أي صلةٍ لهم بالفاجعة و ذكروا أمورًا و مواقفَ شهدو فيها ما يرضيهم و يثير دهشتهم من عدالةِ حاكمهم الإقطاعي.
.
."ألِكساندرا ، تعالي إلى هنا قليلًا. "
مشت الفتاةُ ببطءٍ نحو الثّلاثينيّ ذي العينين الخضراوين، جلست على المقعد بهدوء، عيناها الرماديّتان لم تستعيدا بريقهُما مطلقًا.. رغمَ مضيّ ثلاثةِ أشهر على رحيلهما إلا أنّ الوقت يمضي كالكذبة و هي لم تعي ذلك بعد.
أخذ فريدريك نفسًا عميقًا قبل أن يقول:
" يا بُنيّة، أعلم أنّكِ حزينة بحق، و لا يمكنكِ النّسيان مطلقًا، ولكنّ ما تفعلينه الآن لن يقدّم أو يؤخرّ مما كان.. لا يُمكننا نسيان ما نمرّ به من مِحَن فهي بشكلٍ أو بآخر تصبح جزءًا من شخصياتِنا فيما بعد.. ولكننا نتقبّل أنّ الأمور الّتي تؤذينا تكون السّبب في جعلِنا أقوى، حتى نعود فيما بعد و نُصلِحَ ما كان خاطئًا، ننتقمُ ممن ألحقها بنا "
قال العِبارةَ الأخيرة بِـ رَويّة، و لاحظ البريق الخاطف و القاسي الذي التمع في عيني الفتاةِ ذاتِ التِّسعةِ أعوام، فأكمل بهدوء،
" والدُكِ اللّورد آندريه كان له فضلٌ كبيرٌ عليّ، فكما تعلمين أنا لستُ نبيلًا خالِص الدّم فجدّتي تكون من العوام، ساندني كثيرًا حتى أصبحتُ ما أنا عليه اليوم، و وددتُّ لو أردّ له صنيعه لي، من خِلال تحقيقِ ما كان يصبو إليه "
نظرت ألِكساندرا للرجل ببرود تام و فضول مُبطّن، فتابع بجدّية،
" كما تعلمين، سيدي اللّورد كان من أعزّ أصدقاء الملِك الحاليّ، و بحكم القانون و العدالة و الصّداقةِ التي ربطتهما، وجب عليه حمايته و حمايةُ عرشِه من أيّةِ ظُلمٍ كامن، و حدث أن يكون الظلمُ الخفيّ مختبئًا تحت ستار النّسب، فها هو الدوق يظلمُ و ينسب الأذى للملِكِ و أعيانه، و مزخرِفًا نفسه بعباراتٍ ذهبية حتى يثور يومًا على 'الحُكمِ الظالم'، أدرك سيدي ذلك و قام بما بوسعه من أجل حماية الدولة، ولكن لم يتمكن من إكمال ما بدأه لأنّ يديّ الدّوق أصبحت أطول مما ينبغي فوَجَب قطعها و قطع رأسِه معها"
- " و ما المطلوبُ منّي يا سيدي، أفهم ما تريد الوصول إليه ولكنني مازلت طفلة! إنني عاجزة أمام رجلٍ يضع أشخاصًا كالدّرعِ له أينما حل! ".
- " بالضبط يا ألِكس، ولهذا السّبب أنا موجود. "
نظرت إليه ألِكساندرا مُستَفهِمة، فقال بابتِسامةٍ واثقة،
" لدّي بالفعل ما أعددتُّ له مُسبقًا، ولكنّ الأمر يحتاجُ من العمل الدؤوبِ و الجَلَدِ الشّيءَ الكثير، فهل أنتِ مُستَعِدّةٌ لكلّ ذلك؟ "
- " أظنّ ذلك، لكن آمل أن يكون ما نحن في صدده ممكنًا.."
- "بالطبعِ هو ممكن! فكما أشرتِ قبلَ قليل ذاك الشّخصُ رِعديدٌ جبان. "
- " إذًا ماذا ننتظر؟ "و على ذلك، تقررّ الأمر، ثمّ بعد عام، أعلن الوزير فوردسميث تبنّيه لغُلامٍ في العاشرةِ من عُمره، فطِنٌ و فَرِس، وسيم الملامح برغم النّظارات التي يرتديها، و كان الصّبيّ يتلقى كلّ يوم دروسًا في المسايفة و اللغة و التاريخ و الأدب، بالإضافة إلى المِلاحةِ و العلوم العسكرية و السياسية.
و لاح في الأفق إشاعة ما عن إخفاء الوزير لتوأمَتين من أصول نبيلة في أرض ما من أملاكه، لكن لم يلقِ أي شخص اهتمامًا فعليًّا بذلك.مرحبًا بالجميع و شاكرة لكم على القراءة 🌸✨
أحداث هذه القصّة تجري في القرن السابع عشر🌟🌟
َ
أنت تقرأ
في سبيلِ الوطن.
Adventureثلاثةُ أخواتٍ يبدأنَ رحلتهُنّ نحوَ الاغترابِ و الانتقام، بعدَ ليلةٍ حمراءَ أفقدتهُم ما يعشنَ بسببه.