٢. مشاعر غريبة.

165 16 11
                                    


هبّت الرّياح شديدةً في المساء، كانت والمطر يعصفان بنوافذ القصر المُحكمة، حتّى انسلّت المياه أخيرًا من حافّةِ الباب، لاحظت ألِكس ذلك وخاطبت نفسها ببرود (سيتحتمّ على العجوز ماكس أن يصلح شيئًا جديدًا في هذا القصر العتيق.. المسكين) ، مشت بخطى ثابتة نحو الدّهليز وانعطفت إلى اليسار.
*صوت طرق باب*
- "تفضلي ألِكس".
فتحت الباب بهدوء، لتجده يقرأُ كتابًا بجانب المدفأة
- "تبدو كالعجائز."
- ".. على الأقل حاولي أن تكوني أكثر لطفًا. "
- "لكنني 'شاب' والشّبان ليسوا بذلك اللطف".
تنهّد الكهل بقلّة حيلة وهو يقول "ربّما الأمر كما تقولين.. ".
ثمّ التفَت إليها بابتسامةٍ واهنة وعينين تخفيانِ من الحزن الكثير "سمعتُ أنّ السّفينة ستبحر غدًا"
- " صحيح. "
- " مضت هذه السنوات العشر ببطء وسرعة بطريقة ما.. "
ارتسم خيال ابتسامةٍ على محيّاها " صحيح. "، عشرةُ أعوامٍ أمضتها إلى جانب العمّ فريدريك على أنّها {ابنه المُتبنّى}، تلقّت فيها كلّ أنواع التدريبات ولُقِّنت كلّ ما سيجعل منها كفؤًا لمواجهة الحياة وتحقيق العدالة، صارت الآن { ألِكساندر فريدريك فوردسميث ابن رئيس الوزراء } .
سُمِعَ صوت صرير الباب وهو يُفتَح.
- "تفضّلي يا إڤانجلين".
ولجت الفتاة إلى الغرفة بهدوء وتوتّر، نظرت إلى ألِكساندرا بتردّد وهي تقول
- "أصحيحٌ أنّكِ ستغادرين في الغد! "
- "هو كذلك حبيبتي"
- " ولكن.. ولكن لم تخبرينا! جوزفين ستغضب ثم إنّكِ قد وعدتِّنا أن نطبخ شيئًا معًا! "
- "وأنا عند وعدي يا إيف، لكن يا جميلتي الحلوة تمّ استدعائي شخصيًّا ولا يمكنني أن أرفض! تعلمين أنني أفعل كلّ ذلك من أجل أماننا معًا.. "
- "أعلم.. أعلم! ولكنّكِ ستعودين قريبًا صحيح! ستفين بوعدك أليس كذلك! "
- "سأحاول وسأبذل قصارى جهدي، سأكون بخير إيفي لا تقلقي. "
ضمّتها بحنانٍ كبير، هي تخلّت عن كلّ التصرفات والأفكار والأفعال الأنثويّة ربّما، ولكن لا يمكنها أبدًا ألّا تعود أختًا كبيرة لحبيبتيها المدلّلتين، فكيف لا وهما لا تتذكران أمّهن أصلًا!
كان فريدريك يراقب المشهد بهدوء، كيف كانت حياة التّوأمتين لتكون دون أختهما! هو بالطّبع يوفر لهن كل ما احتجنه يومًا ولكنّ حنان الأخت لا يعوّض ولو بالدّنيا بمن فيها! {كم تبدو فكرة تربيتهن بأماكن منفصلة مثيرة للسّخرية الآن} كان ينوي بدايةً أن يدع الفتاتين تنشآن في مدرسة داخلية للنّبيلات ولم تدعه ألِكس يفعل، رضخ لما تريده مفكّرًا بأنه طلبٌ أنانيٌّ منها إلى حدٍّ ما، ولكنّه الآن يدرك بأنّه كان الخَيار الصحيح، فالتّعليم والنّشئة الحسنة يمكن توفيرها لهما بسهولة حتّى لو لم يُكَوِّنَ كثيرًا من الصّداقات، العائلة تبقى قبل كلّ شيء.
سألت ألِكساندرا إڤانجلين برقّة
- "الأسبوع المقبل يكون عيد ميلادِكما الرّابع عشر صحيح؟ ماذا تشتهين يا ملاكيَ الثّمين؟"
- "لا شيء حقًّا .. أريد فقط أن نمضي الوقت ثلاثتنا معًا كعائلة حقيقيّة!"
لاح شبحُ دمعةٍ تحت جَفنِ ألِكساندرا وتلاشى بالسّرعةِ ذاتها، ردّت مُبتَسِمة
- "أعدكِ أنني سأحاول."
قبّلت إڤانجلين خدّها بحب وذهبت مسرعة، التفتت ألِكس إلى فريدريك و قالت
"عمّاه، أنت تعلم بالقصد وراء هذه الرحلة صحيح؟ القراصنة الّذين يحكمون قبضتهم على الجزيرة الجنوبيّة بسكّانها."
ردّ فريدريك بإيماءة خفيفة
- " لا أعلم بالكثير لكن ما أعلمه بأن المتوقّع للرحلة ثلاثة أيام فحسب.. ستكونين بخير صحيح؟ "
تورّدت وجنتاها بلطف وهي تقول بانزعاج "بالطبع سأكون بخير!" ...
.
مضت أمور ألِكساندرا بسهولة ويسر بدايةً حيث عُيِّنت مساعد قبطان نظرًا لذكائها الحاد في الملاحة البحرية وإدراكها العميق لخريطة البحر الجنوبي الجغرافيّة، فهذه ليست المرّة الأولى التي تركب بها البحر.
لدهشتها، كان وليُّ العهدِ ويليام معهم، فهو يستعدُّ لتلقّي تدريباته كملك مستقبلي للبلاد، منذ طفولته تمّ تدريب جسده على مكافحة السّم و تعلَّم ثلاثة طرق لاستخدام السّيف، الشّرقيّة العربيّة والشّرقيّة اليابانية، إضافةً للانجليزيّة الّتي يتبارز بها سكّان البلاد، تعرف عنه كلّ صغيرة و كبيرة كما تعرف أغلب سكّان القصر، فهذا شأن من يسلكون طريق السّياسة والعدالة.
تقدّمت نحوه برفقة القبطان تحييه بأدبٍ جمٍّ وتلاقت عيناهما لثوانٍ قبل أن تشيحهُما باضطّرابٍ خفيّ .. كان ينظر إليها بشك {كيف يمكن لرجل أن يكون بهذا الجمال..؟} لكنّه أخفى أفكاره بابتسامةٍ مزيفة وهو يقول
- "تشرّفت بمعرفتك كذلك أيها الشّاب فوردسميث، هل يمكنني أن أناديك ألِكس؟ ألِكساندر اسمٌ طويل نوعًا ما، يمكنكَ أن تناديني بـ ويل!"
- "الشّرف لي أيها الأمير، يمكنك أن تناديني بالاسم الذي يناسبك لكن أستميحك عذرًا لا يُمكنني أن أكونَ وقحًا مع ملكنا المُستقبليّ. "
ابتسم ويليام بهدوء وكانت نظراته لِ ألِكس تفيض تقديرًا، طبطب على كتفها ومضى، شعرت المسكينة بغصّةٍ في حلقها لم تعرف لها سببًا.
في فترةِ راحتها، آثرت أن تستند إلى جانب سور السّفينة على مقربةٍ من الأمير، سرحت في الأفق البعيد تغوص بها الذّكرياتُ إلى الماضي، لاحظ الأمير الغيوم في عينيها فحاول أن يُخرجها مما هي فيه قليلًا
- "إذًا، ألِكس. قيل لي أنك خدمت في البحريّةِ الملكيّة لعامين! يبدو أنك تعرف البحر جيّدًا. "
- "بل ثلاثة أعوام و نصف يا سيّدي، لا يُمكنني أن أعرف كلّ ما في البحر في هذه المدّة القصيرة، ناهيك عن أنّ جغرافيّة الصّفائح و الزّلازل هي السبب في تغيّر الخارطة كلّ عدّة أعوام، مهما ظننّا أنّنا نعرف البحر هناك الكثير والكثير جدًّا ممّا نجهله، كتركيب مياهه و معظم مخلوقاته، إلى آخره. "
- "وهل يهمّ ذلك فعلًا؟ حسبنا أن نعرف أن مياهه لا تُشرب وأن أسماكه تؤكل وأسماكه الكبيرة فتّاكة!"
فابتسمت ألِكساندرا بهدوء وهي مدركة لغرض الأمير من سؤاله السّاذج، ردّت ناظرةً للمياه التي تعكس لون السّماء
- "سيّدي، هذه معرفةُ صيّادٍ مبتدئ، وهيَ لا شكّ مهمّة، ولكن هل نسيتَ أنّ بعض الأسماك تفتك برغم صغر حجمها؟ السّامّةِ منها والأسماك الّتي تعيشُ في القاع، لم أرها يومًا لكن قرأتُ أنّ قدراتها على الفتك مثيرة للدّهشة والإعجاب بحق! كما يمَكِّنُنا البحرُ من التعمّق والرّبط بينه وبين طبائع الإنسان بطريقة ما، فكما هناك الأسماك الكبيرة الفتّاكة، فهي أيضًا تموتُ إن أكلت أسماكًا صغيرة سامّة، فالسمّ موجودٌ لحمايتها، ولا تخرِجه إلّا حين تنبّئها غريزتها بالخطر المحدق، كذلك هناك صغار الشّأنِ الّذين يثورون على الأعلى منهم إن رأو منهم ظلمًا و قهرًا. "
- "لكم يعجبني حديثك يا ألِكس! رائعٌ بحق.."
شعرت الِكساندرا بغيومٍ في معدتها وشعرت بخديها يزدادان سخونةً، فأشاحت بوجهها بعيدًا وردّدت بهدوءٍ مصطنع
"يـُ يسعدني أنني عند حسن ظنّك سيّدي الأمير.. "
ثمّ استأذنت منه واختلت بنفسها، واضعةً يدًا إلى صدرها ويدًا إلى خدّها هتف داخلها {ما! ماهذا الذي يحدث فيّ هكذا!! }.

نهاية الفصل الأول✨
شاكرة لقراآتكم و سيسُرّني أن اقرأ آراءكم ⭐🌸
ً
ّ

في سبيلِ الوطن.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن