٩. تولدُ العنقاءُ مِن رمادِها.

82 9 8
                                    


هواء عليل و أشجار كثيفة، صوت رقيق ينادي بقلق
- "آنستي الصغيرة، آنستي الصغيرة أين أنتِ!"
صدرت خشخشة من بين الأغصان و هبطت ألِكساندرا الصغيرة من إحدى الأشجار، أمام الوصيفة لويز تمامًا، ما جعلها تصرخ صرخة خفيفة و ترجع خطوة للخلف قبل أن تتدارك الأمر و تبدأ بتوبيخ الفتاة
- "آنستي! آه انظري مالذي فعلتِه بثيابك الجديدة، أنا بالكاد أتمكن من تنظيف ملابسك يوميًّا!! أرجوكِ تصرّفي كالفتيات ولو لمرّة!"
- " هيهي!"
ردّت الطّفلة ذات الأعوام الخمسة قبل أن تمد يدها للوصيفة ذات الشعر البنّي المربوط خلف رأسها و التي تجاوزت منتصف عقدها الثاني حديثًا، و تقولَ بحيويّة و صوت طفولي مرح
- "هذه لك!"
نظرت لويز إلى يد الصغيرة المتّسخة لتجد فيها مشمشةً ناضجة القوام، تنهدت بقلّة حيلة و أخذتها منها بحب، قسمتها نصفين و أعطت الطفلة نصفًا، نظرت ألِكساندرا بتعجّب ليد وصيفتها ثم إليها و سألت ببراءة
- "لكن لماذا لا تأكلينها كلّها لك؟"
- "لأنّه يا حبيبتي من المهم أن يأكل الأطفال جيدًا حتى يكبروا، و أنتِ تحتاجين أن تكبري لتصبحي سيدة مجتمعٍ راقية كوالدتك."
نفخت ألِكساندرا خدّيها و صاحت
- "لكنّني لا أريد أن أكبر! نساء المجتمع يبعثون على الضّجر! لو كنت مكانك لأكلت المشمسة وحدي! لا أفهم لماذا يفعل الكبار أمورًا غريبة هكذا!"
قالتها لكنها أكلت النّصف بعدها كما لو كانت تنتقم منه، ابتسمت لويز بلطف و قالت برقّة
- "عندما تكبرين آنستي ستجدين نفسك تفعلين الكثير من هذه الأمور الغريبة، إنّك حتّى قد تشطرين أغلى ما عندك لنصفين إذا لزم الأمر" و تابعت بخفوت- شبه سارحة  "حتّى لو كان ذلك قلبك.." ثمّ تداركت نفسها و نهضت وهي تهتف
- "و الآن يا آنسة ألِكساندرا سنذهب معًا لتنظيفك قبل حلول وقت الغداء!"
كانت ألِكساندرا تصرخ بالنفي و تهرب من لويز التي كانت تركض وراءها و استطاعت بذكاء أن تغير مسار هرب الفتاة إلى القصر الواسع، كان اللورد آندريه- والد ألِكساندرا يراقبهُما بابتسامة واسعة قبل أن تنتبه إزابيل- والدتها إليه و هو يستد إلى العامود الحجري
- "ما بالك تبتسم؟"
- "شقاوتها هذه لا يُعلى عليها، بيل حبيبتي، عندما يأتي في بالك تصوّر لها حين تكبر، كيف تتخيّلين أن تكون شخصيّتها؟"
قهقهت إزابيل بمرح قبل أن تهتف
- "ما زال الأمر مبكرًا على هذا النوع من الأحاديث! على أيّةِ حال أتخيّل أنّها ستشبهنا كلينا بأطوارها، حاليًّا لازلتُ أرى أنّها نسخة مصغّرة عنك كطفل -عدا لون الشعر- لكن هناك شعور داخلي يهمس لي أنّها ستكون أكثر نعومةً من أيّ فتاة أخرى.. لديّ شعورٌ أنّها ستشبهني."
نظر آندريه إليها بتهكم مرح و قال بسخرية مازحة
- "مادح نفسه كـ-"
لم يكمل جملته بسبب نظرتها الأشبه بالصقيع، فعاد للموضوع الأصلي و ردد بهدوء
- "وأنا أظن أنها ستكون أكثر شجاعةً من أي رجل، و أكثر قوّةً من أيّ شخص، أظنّ أنّها ما إن تواجه جدارًا حتّى تمرّ من خلاله كأن لم يكن يومًا، أظن أنها ستكون إنسانةً عظيمة."
و همس شيء في داخله {لكننا غالبًا قد لا نكون معها لنراها بهذا التألق..} لكنّه كتمها و ابتسم بغموض قبل أن يهتف
- "و ستكون جميلةً مثلك و وسيمةً مثلي!"
كانت إيزابيل تضحك كثيرًا و هي تضربه بخفة..
.
.
.
فتحت عينيها صباحًا لتجد صبيّة ذات وجه مألوف تفتح الباب و تحمل صينيّةً فضّية تحوي إبريق ماء و مِنشفة، و صينيّة أخرى تحوي فنجان شاي وشطيرة صغيرة، بعد التّدقيق بوجه الفتاة أدركت أنّها ذات الفتاة التي ساعدتها بالتقاط أشيائها بالأمس، التزمت الصّمت و هي ترقبها بهدوء قبل أن تتكلم الفتاة
- "هنا تغسلين وجهك و هذا ما ستأكلينه حتى العشاء، لا تقلقي لا يحوي مخدّرًا، فقدمك مربوطة بثقل أصلًا."
تفقدت ألِكس قدمها اليمنى لتجد أن سلسلةّ و ثقل على شكل كرة فولاذية عالقان بها، استمرت بالصمت بينما استمرت الفتاة
- "على أية حال لا تحاولي فعل شيء غبي فنحن في البحر، للعلم أنا من غير ثيابك لذا اطمئني."
تحدثت ألكساندرا لأول مرة و هي تنظر في عينيها بجمود
- "أين وضعتِ ثيابي و أشيائي؟"
- "عزيزتي هذه سفينة تاجر، تاجر يبيع المسروقات و أمور أخرى، أقترح أن تقلقي على نفسك أولًا."
قالتها باستخفاف قبل أن تشيح بوجهها بقرف و تخرج. لم تعرف ألِكساندرا أيّ تعبير تصنع، لا تعرف ماذا تشعر، أولًا اختطاف ثم الآن إحداهن تعاملها كمعاملة طفلة ابتدائية غيورة و متغطرسة، لكن لسبب ما لم تشعر بأي كره نحوها، لم تشعر بشيء على الإطلاق.
بكت كثيرًا بالأمس، لكن التّغير الوحيد الظاهر على وجهها كان انتفاخ أسفل أجفانها بشكل بسيط و بالكاد ملحوظ، نهضت بتؤدّة بسبب الإعياء الشّديد و بالكاد قامت بالتزامات الصّباح و تتناول هذا الفطور الذي لا يُسمِن ولا يُغني من جوع، كان طعم الشطيرة أشبه بطعم مطاط محترق لكنها أكلتها على أيّة حال، جرّت قدمها جرّا إلى النّافذة الصّغيرة الموجودة، لكنها لم ترى إلا البحر، ما جعل قلبها يبرُد و يحترق ليحرق كلّ داخلها، همست بصوتٍ مخنوق
- "ويليام.."
.
.
.
في ليلةِ الأمس

في سبيلِ الوطن.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن