٦. آخرُ الغَسَقْ.

83 9 7
                                    


صليلٌ عالٍ للسّيوف
- "ما الأمر؟ هل ثبطت عزيمتك؟؟"
قالها فريدريك بنبرة استفزازية و اخترق دفاعها بسرعة لم تدركها، فوقعت إلى الخلف بألم
- "بمستواكِ هذا لن تكوني قادرة على الانتقام حتى من الذباب!"
جحدته ألِكساندرا بغضبٍ دون أن تتفوه بكلمة.
- "لن تساعدكِ هذه النّظراتُ بشيء بل ستزيدُ الطاغي استمتاعًا بطغيانه! انهضي و قاتِليني كرجل حقيقي! "
.
.
نسيم البحر العليل ينتشر على طول الجزيرة، صوت النّوارس المزعج يراهُ المتفائلون كـ 'موسيقى ذات طابعٍ خاص' للجزيرة. تمشّت ألِكس في سوقِ التّحف بينما تصل إلى مسامعها همسات و تشعر بالأعينِ ترمقها من حين لآخر، لا يهمّها الأمر، اشترت عدّةَ أشياء قبل أن تتوجّه لضالتها أخيرًا
طرق خفيف
- "تفضّل ألِكس. "
ارتجف قلبها و تنحنحت قبل أن تدخل، لتجِده يجلس إلى مكتبه و يبتسم بلطف، لازالت أحداث الأمس حيّةً أمام عينيها قلبها سينفجر لكثرة دقاته في مكانه، و وجهها خالٍ من التعابير الغير ضرورية، غير أن وجنتيها تفضحانها دون أن تدرك.
تنحنحت قليلًا،
- "سيّدي، تقرير اليوم،
كما توقّعت سموّك، انتشر الخبر سريعًا بين السّكان لكنّهم لازالوا متشكّكين، كما و أنني سمعت عجوزًا يعرب عن قلقه بخصوص من سيتولى شؤون الجزيرة الآن.
بالنسبة للأتباع في الخفاء فيبدو أن بعضهم قد تواروا عن الأنظار و قيل أنهم خارج الجزيرة، أما البعض الآخر فانقسموا لنصفٍ يتظاهر باللامبالاة و الاستسلام و نصفٍ يمارس ما يفعله عادةً ."
- "حسنٌ جدًا، قل لعشرةِ ضّباطٍ أن يستعدوا للقيام بدورية صامتة حول الجزيرة من باب معرفة نظرة الأهالي الحقيقية للدّولة، و أنا سأتكفل بالباقي."
انحنت ألِكساندرا قبل أن تسأل
- "سيّدي، ماذا بشأنِ ديڤيد سيچفريد؟ صحيحٌ أنّه خارج السّجن الآن لكن هل سيكون بخير؟ الغالبية من السّكان يكرهونه فعلًا، كما أنّه كاد أن يذهب ليجعل من جسدِ تشستر أداةً للتدرّب على السّلخ لولا أن أوقفه جنودي! "
قهقه ويليام
- "لو لم يكن القانون يمنعه من ذلك لما أوقفته!"
قضّبت ألِكس جبينها و هي تنظر لويليام، تنتظر منه ردًّا، فتنحنح هو الآخر قبل أن يرد
- "أعلم، أعلم، لا تنظري إليّ هكذا. "
(هنا أدركت ألِكس تعابيرها)
" بالنّسبةِ لديڤيد، أمّه هي عالمه الوحيد، لم يعرف أباه قط، طفولته و مراهقته مليئة بالأمور التي لا يحب أحد أن يتذكرها، لكن و مع ذلك، تمكّن من الحصول على صديق!"
أخذت ألِكساندرا تفكّر {ربّاه، إلى أين وصلت كفاءةُ الاستخبارات؟ هذا يخيفني ولو لم أكن مُذنبة!}
تابع ويليام و هو يقرأ افكارها باستمتاع،
"كنتُ أفكّر بمن عليّ أن أعيّن لمنصب الحاكم بعد الفاسد تشِستر، لكن لم يسعني أن أثق بأحد بالشّكل الكافي كما و أنّني أحتاجُ شخصيّةً محبوبة، لهذا استبعدت ديڤيد من الأساس و بدأت البحث من نطاق الأفراد الّذين لم يكونوا من الكارهين له و لوالدته، لحسن الحظ وجدت شخصًا يملك الميّزات الّتي أريدها لكن أحتاج أن أضعه تحت اختبار أخير أوّلًا. "
- "و هذا الشّخص يكون صديق ديڤيد؟"
ابتسم ويل موافقًا و نهض بهدوء و هو يقول بنبرة تعرفها ألِكس جيّدًا
- "إذًا، انتهينا من حديث ديڤيد و الجزيرة، يأتي الحديث الآن للشّابة الفاتنة ألِكساندرا ڤان هايدم! "
جفلت ألِكس و تضرّج وجهها بحمرة خفيفة، لينظر إليها هو بدوره نظرةَ ذي علق و يلوح خيال الابتسامةِ على ثغره
- "لن أخرجكِ من نطاقك و لن يعرف أحدٌ بسرّك، اطمئنّي يا فتاة فلا أحد غيري قد أدرك الأمر و ربط الخيوط ببعضها. "
رغم الارتياح البادي في نظرتها إلا أن تعابيرها كانت جادة و متصلّبة
- "أشكرك كثيرًا سمّوك! أقدّر صنيعك معي بحق!"
ردّ بغموض
- "لا تشكريني بعد، فهناك بندٌ لهذا.. "
كان يستند إلى مكتبه قبل أن يقولها و يقترب منها بهدوء
- "لن يتم الإفصاح عن هويّتك، لكن و بما أنّني أعرف الآن فتحتّم عليّ حمايتك، ستقولين بطبيعةِ الحال أنّكِ فارسٌ ممتاز و أنا مدركٌ لذلك، لكن لن أسامح نفسي إن أصابكِ مكروه."
الآن و قد تقدّم كثيرًا، بات يفصلهما مقدارُ قدمٍ واحدة، حينها همس
- "ولهذا أريدُ أن أتقدم لخطبةِ يدكِ لا بصفتي أميرًا أو وليًّا للعرش، لكن بصفتي رجلًا مال بقلبه و عقله لكِ أنتِ."
مرّت عدّةُ ثوينات قبل أن تستوعب ألِكساندرا ما قيل و شعرت بقلبها قد خرج من مكانه و انفجر.
- "سـ مولاي، ماذا؟؟؟؟ "
ضحك ويليام برقة قبل أن ينحني و يقبّل يدها
- "إنني جاد ألِكساندرا، أحبّك. "
.
.
.
طرق سريع
فتحت السيدة مارثا، ذات الشعر الكهرماني و العينين الخضراوين الباب بسرعة، لا عجب فهيَ مشتاقةٌ للشخص خلف الباب، فقد استغلّوا غيابه ليبعدوها عنه..
- "أمّي، لقد عدت!"
احتضن ديڤيد والدته التي رغم وصولها لعقدها الرابع هذا العام إلا أنها تبدو في منتصف الثلاثين، دمعت عيناها و ضمته بضعف و حنان، لاحظ ديڤيد الرّعشة الخافتة التي انتابتها حين رفعت يدها لوجهه، ما جعل النار تشتعل أكثر في قلبه غضبًا و كرهًا لتشستر.
- "أعتذر لكوني عاقًّا، لم أتمكن من حمايتكِ كما يجب أن أفعل.. !"
دفعته مارثا عنها برفق و قالت برفق و حنان بالغ
- "لستَ كذلك يا حبيبي، أنت أفضل ابنٍ يمكن لأمٍّ أن تتمنّاه، أنا بخير ألا ترى، لازلتُ لم أفقد قوتي! "
قالت هذه و صفعت جانبه بقوة قليلًا، ليتأوه مقهقهًا
- "بالفعل! "
- "لقد أمسكوا به مسبقًا، سينال جزاءه لذا لا تفكر بشيء أحمق و تعيق مجرى العدالة! "
تنهد ديڤيد بانزعاج و همس "إنني أحاول." لكن تذكر شيئًا فجأةً و هتف
- "أماه! أين چيل؟"
صاحت مارثا بسخرية
- "كالعادة! لا تسأل إلا عنه!
إنه يساعد الخباز هذه المرّة. "
نهض ديڤيد من مكانه مباشرة ليذهب لصديقه الوحيد، للشخص الوحيد الذي يمكن له أن يثق به بعد والدته في هذه الجزيرة العفنة، الوحيد الذي لم يخشى التقدم و لم يبتعد عنه مهما فعل أتباع تشستر الأوغاد له. لا جَرَم فهم من أصحاب العقول الضيقة، يغضبون حتى من سعادة الصغار!
وصل ديڤيد ليراقبه من بعيد، لم يكن چيلبرت مكنايت يملك بنيةً قويّة و منكبين عريضين كديڤيد، لكنّه كان حادّ الذكاء و كان يجيد الإطاحة بخصومه في كلّ مرة، على أنّه لم يكن يبارز أو يعارك أحدًا عادةً كونه محبوب من قبل الجميع تقريبًا ولو أنه صديق ديڤيد، كان مختلفًا.
تأمّله لدقائق، عيناه الدائريتان الوسيعتان اللتين حملتا اللون البنّي المحمر، بشرته الشاحبة و شعره الأسود الطويل و الخشن كثيرًا، الذي يربطه كذيل حصان عادةً. حتى بالنسبة لديڤيد الذي اعتاده، كان شكله لا يزال غريبًا للغاية.

لاحظه چيلبرت أسرع مما توقع و هرع إليه صافعًا ظهره بقوة جعلت ديڤيد يجفل من الألم،
- "ديڤ يا صاح! قيل لي أنّك كنت في الزنزانة، هل فقدت السيطرة مجددًا؟"
صاح ديڤيد بانزعاج و تألّم لامسًا ظهره
- "لا ليس كذلك، حدث الكثير فحسب، ثمّ اللعنة عليك هذا مؤلم! "
ابتسم چيلبرت بسخرية و قال
- "أعلم، حدث الكثير لكنك لن تخبرني لا يهم سأعرف عاجلًا أم آجلًا فالأخبار نتنشر هنا كالذّباب على القذارة".
و بينما هما يتحاوران انتبه ديڤيد لدوريّةِ الشّرطة البحرية في الزّقاق، كانت الأعين متمركزةً و الهمس يعلو، هتف سكيرٌ من حانة قريبة
- "عليكم اللعنة، جميعكم فاسدون، متى ستنتهي هذه البطالة؟ "
هتف آخران
- "النبلاء فقط هم السعداء، تحصدون منا أموالنا و الآن ألقيتم التهم زورًا و بهتانًا على حاكمنا فقط لأنه ليس مثلكم! "
علا الهتاف و احتدم الموقف، حوصر الضّباط.
همس ديڤيد بصوتٍ مسموع،
- "هكذا إذًا.. "
سمعه چيل ليهمس هو الآخر
- "هل هناك خطة ما؟"
- "سأترك الأمر لك. "
- "مـ انتظر، ماذا؟ ديڤيد!! "
لكنّ ديڤيد ذهب أصلًا، همس چيلبرت بحنق "لعين.. "
ثمّ ذهب محاولًا إيقاف الشقاق.
.
.
- "أها! "
هتف ويل بانتصار و هو ينهض من على كرسيّه، أمسك بسترته و همّ بالخروج
- "تعاليا أنتما كذلك، سنفوّت العرض! "
تنهّدت ألِكساندرا و لحقته بينما ديڤيد يشعر بالكثير من الحيرة، {يا له من أميرٍ غريب.. }.

.
.

دعواتكم و كونوا بخير!
سيسعدني كثيرًا أن أتلقى آرائكم و تعليقاتكم الجميلة💙✨

في سبيلِ الوطن.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن