٨. انتكاس، ما لم يكن بالحُسبان.

53 8 7
                                    


بخطى هادئة و مرتبكة قليلًا، كانت تمشي خلف فريدريك و رأسُها إلى الأرض بتفكير عميق، قاطع حبل أفكارها صوتٌ بعيد لصليل سَيفَين، التَفتَت بعيدًا لتجد فَتًا في مثل عمرها يتبارزُ مع رجلٍ كبير، نظرةُ الإصرار في عينيه كانت تتملّكها تدريجيًا بغير انتباه، انتبه فريدريك لتوقُّفِها و أدرك السّبب، همسَ لها بلطف
- "هذا الأمير وِيليام كارلِسيل، حاليًا هذا ثاني أسلوب مُبارزة يتعلّمه.. لكن يبدو أنّه ما زال مُبتدئًا به."
انتبه مُعلّم المُبارزة لوجود متفرّجين فقطع النّزال و انحنى للوزير بأدب، هز فريدريك رأسه و انحنى للأمير الصغير الذي كانت عيناه على ألِكس، ما زادها توتّرًا بطريقة ما.
.
.
.

جوٌّ غائم، ينعكسُ ببعض الأرواحِ و القلوب.

- "هناك أمر خاطئ و خاطئ جدًا، الأمور تجري بسلاسة مُريبة بعض الشّيء.. "
قالها ويليام المتربّع على مكتبه بقلق و تفكير..
ثمّ جائت بباله صورة و التمعت عيناه، كأنّما استعاد روحه فجأةً و هتف للواقف أمامه بتوتّر
- "ديڤيد! أنت و صديقك لطالما مكثتُما في الكوخ على الشّجرة في الغابة في فُتوَّتِكُما صحيح؟ أريدُ منك تفتيش تلك المنطقة بأسرها دون أن يشعر بك أحد، إيّاك أن يعرف أحدٌ بوجودك!"
- "على الفور يا سيّدي!"
انحنى ثم خرج مسرعًا، نقر ويليام عدّة نقرات على المكتب العتيق قبل أن يهبط إليه من السّقف آلَان
- "سيّدي."
- "آلَان، .."
.
.

تمشي في السّوق كعادتها بعينين باحثتين عما يثير الشّبهة، غير مدركة لعيني الثّعبان الّذي يراقبها بِنيّة مريضة، لثوانٍ، تسرح في واجهة لمحل فساتين قبل أن تدرك ما تفعل و تذهب مبتعدة، سامحةً لبعض الشّك أن يلهو بعقل التّاجر الذي ارتسمت على شفتيه ابتسامة جعلت كلّ من رآها يجفل برعب.
.
.
كان چيلبِرت يقفزُ بين أسطح المباني بعدم اكتراث و لم يكد ينتبه أحد لوجوده، ثم أوقفه شيء جعله ينزوي مُراقبًا الوضع بصمت.
ثلاثةُ رجالٍ في الزّقاق، وضعيّةُ أقصرهم جعلت چيل يُدركُ أنّه مرؤوسهما -على الأقل هذا ما يظهر من وضعيته.

- "يجب أن تكون البِضاعة جاهزة بحلول المساء!"
- "عُلِم سيّدي."
بينما رحل الأخيرُ سأل الأطول ذاك القصير
- "سيّدي، إن سمحت لي أن أعرف مالّذي بداخل الصناديق حتّى أعرف أين أضعها، المرّة الماضية كانت هُناك بضاعة ميّتة!"
- "اطمئن، هيَ أسلحة و مسروقات، و بعض الحشيش و التّبغ، المُعتاد. إن كانت هناك بضاعة تسلية -و أشك بذلك- سيصحبها الزّعيم لتجربتها أولًا."
سرت قشعريرة في جسديهما ثمّ انصرفا، و همسَ جُبران بالعربيّة
- "إذًا هكذا الأمر.."
.
.
.
أطلقت زفرة ضجر و تعب قبل أن تستند إلى جانب الحائط، اقتربت آنسة منها و أوقعت بعض الأغراض، انحنت ألِكساندرا لتساعدها و لم تلقِ أهمّيّةً أو تُعر أدنى اهتمام لفتحة فستانها الواسعة أكثر ممّا ينبغي، شكرتها الفتاة و ابتعدت قبل أن تؤكد بإيماءة خفيفة الشّك الذي اعترى رأس الأفعى، ما جعله يضحك ضحكته الأشبه بهسيس قبل أن يختفي بين الجموع.
.
.
.
غربت الشّمس، قلب ويليام يحترق و هو يذرع الغرفة يمينًا و شمالًا بالكثير من القلق الظّاهر على مُحيّاه، صدر صوت عدّة تكّات من السقف قبل أن يأذن ويليام و يهبط آلَان كعادته.
- "سيّدي."
- "هاتِ ما لديك آل."
- "الأمر مثلما توقّعت، هناك سفينة حربية كبيرة تتبعها سفينتان أخريتان على بعد عشرين ميلًا من الجزء الخلفي للجزيرة."
- "من مظهر السّفن العام، هل الأمر ..؟"
هزّ آلات رأسه مؤكّدًا و افتضحت عيناه الارتباك، و فعلت النّيران فعلتها بقلب ويليام، كاد أن يفقد رباطة جأشه قبل أن يتنفّس بعمق و يأمر آلان بصوت رخيم،
- "لا يهمّني كيف تفعل ذلك، لكن أريدك أن تمشّط المكان بأسره في سبيل العثور على ألِكساندر، و لن أنتظر للغد."
انحنى الضابط السّري و اختفى.
أطرق ويل يفكّر في سيل الاحتمالات، رأسه تكاد تنفجر
- "اللعنة، أخبرتكِ أن تحذري.. أين أنتِ الآن؟؟"
همس لنفسه بعصبيّة.

طرق متردد

- "أدخلا."
دخل ديڤيد و چيلبرت بوجوهٍ مُكفهرّة، و لم يطق الأمير صبرًا بل استحثّهما على الحديث فورًا. بدأ چيل بالحديث و ذكر أمر الرّجال الثّلاثة و الجزء الأخير من الحوار، ما جعل وجه ويليام أشدّ عبوسًا من أيّ وقتٍ مضى، ثمّ جاء دور ديڤيد الّذي بدأ واضحًا أنّه لازال يقدّم رجلًا و يؤخر أخرى.
- "أناشدك أن تتحدث يا ديڤيد حبًّا بالله!"
- "سـ سيّدي .. كما طلبت منّي فتّشتُ الغابة شبرًا شبرًا، و أخشى أنّ كلام چيل يدعم ما أريد قوله، كنت سأتأخر لأستوضح الأمر بشكل أوسع لكن يبدو أنّهم يباشرون بالعمل بمجرّد حلول الظّلام لحرصهم على عدم اكتشاف الأمر، و ارتأيتُ أن أرحل قبل أن يكتشفوا وجودي.."
- "هكذا الأمر فحسب؟"
ردّ ديڤيد بقلق
- "هو كذلك."
- "حسنًا، انصرف و استدعي المساعد فريمان، مَكْنايت أنت ابقَ هُنا."
.
.
.

بصعوبة، تفتح عينيها، تحاول الجلوس لكن رأسها يؤلمها بقسوة و بالكاد تتوازن فتستسلم على السرير الذي هي عليه منذ البداية، تبدأ بتفحّص المكان {مهلًا ما هذا أين أنا، مـ؟! لحظة ما اللعنة التي أرتديها؟!} تجد نفسها بفستان رقيق أبيض اللون و مكلّل باللونين الأزرق السماوي و الوردي البارد، تحاول الجلوس مجددًا لكن تسمع صوت خطى ثقيلة و قريبة فتتظاهر بالنّوم سريعًا.
أصوات مُتشابكة.
- "كيف هي؟"
- "نائمة يا سيدي، يفترض أن تستيقظ خلال دقائق، هل تريدني أن أمدد فترة نومها؟"
- "لا داعي، لن يستغرق الأمر وقتًا على أيّة حال."
انحنى التّابع و انصرف، أمكنها أن تسمع خطاه و هو يبتعد، ببطء، فُتح الباب و أُغلق بهدوء شديد.
بصوته النّيء و المسبب للرّعشة
- "أعلم أنّك مُستيقظة، التّمثيل لا يجدي معي."
فتحت ألِكساندرا عيناها ببطء و وجهتهما بثبات إلى عيني الثعبان دون أدنى خوف ظاهر
- "لمَ أنا هنا؟ مالذي تريده منّي؟" قالت بصوت أشبه بالهمس لشدّة إعيائها.
- "بدايةً و بما أنّني أستضيفكِ في سفينتي، أعرّفكِ بنفسي، ڤيكتور شمِتْ. و الآن يا آنسة دعكِ من الأسئلة العقيمة لن تفيدكِ بشيء فكما ترين الأمر واضح و أنا أضجر من الأسئلة الغبيّة، و الآن عرّفيني بك لأتسلى قليلًا."
اقشعرّ بدن الفتاة و ارتجفت شفتاها قبل أن تزّمهما كمحاولة لكبح الشّيء العالق في حلقها رغمًا عنها، و أشاحت بوجهها بعيدًا.
- "إذًا؟"
قال التّاجر بنفاذ صبر
- ".. ألِكسا سميث."
- "يا له من اسم لفتاة تتظاهر أنّها شاب! ستكونين سلعةً ثمينة واثقٌ من ذلك."
قال جملته الأخيرة و هو يجذبها من ذقنها لتفحّص وجهها، عيناها الرّمادّتان محاصرتان بالبرود و مع ذلك نظرتها تنمّ عن كفاح شديد، ابتسم ابتسامته الثّعبانيّة و التمعت عيناه و هو يهمس كفحيح أفعى
- "يا لها من نظرة!"
تركها و نهض ثم قال بنبرة انتصار
- "بدأت المتعة منذ الآن! أوه نسيت أن أخبرك، سفينتي هذه بعيدة عن تلك الجزيرة السّخيفة و لن يجدك أحد، كما أن أيّة محاولة عقيمة للهرب لن تفيد فأنتِ مخدّرة الأطراف و المفعول لن يزول لبعض الوقت~ استمتعي! أوه صحيح، إنما أنا من يستمتع بحق هنا.."
قالها ببرود و رغم البرود ابتسامته النّكراء لم تفارق شفتيه، استدار و انصرف بذات الهدوء الذي دخل به، سمعت صوت الباب يُقفل مع خطاه المبتعدة و استسلمت لنهر الدّموع و شهقة عميقة حادة خافتة تخرج رغمًا عنها.
- "سحقًا لضعفي فحسب.."
.
.
.

شكرًا لعظيم آرائكم و كلماتكم المشجّعة بحق💞✨
هيَ ما تلهمني قوّةً لأمدّكم بالفصول أنا الأخرى🙈🥀⁦🕊️⁩
دمتم بِـ وِد 🥀⁦🕊️⁩✨

في سبيلِ الوطن.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن