٤. جزيرةُ شِيلا.

110 16 7
                                    

أنفاس لاهثة، قلبٌ يدقُّ بعنف، و أصوات الصّرخاتِ ملأت المكان، الأرض تكدست بالجثث و الدّماء، وقفت الفتاة شاحبة الوجه.. ثمّ جفلت عندما أمسكت يدٌ كبيرةٌ كتفها
"ألِكساندرا!!"
نظرت بصدمة للعمّ فريدريك الذي كان مصابًا هو الآخر، قال بحزمٍ تام
- "علينا البحث عن أختيك و الخروج من هنا!"
.

عطسة
فتحت ألِكساندرا عينيها بضيق مُبديةً بعض الامتعاض، يبدو أنّها أصيبت بزكام طفيف جَراء سباحتها ليلًا أمس و ثمّ المبارزة مع نسمات الليل الباردة. كان صوتُ النّوارسِ باعثًا على الرّاحةِ و الانزعاج بطريقة ما، و صوتُ الرِّجالِ يبعثُ على الصّداع.
تنهّدت بضيق و هيَ تنهض، {اللّعنة يا ألِكس لماذا تبدين هكذا!} كانت قد نامت من فورها بالأمس.. بالكاد أصلحت هندامها و جمّدت تعابير وجهها قبل أن تخرج
- "صباح الخير ألِكس."
جفلت مجدّدًا، شخصٌ واحد فحسب قادرٌ على إخفاء حضوره هكذا، ما نظرت إليه أصلًا بل حَنت رأسها بأدب و هدوء
- "صباح الخير يا سيدي، كيف يُمكنني أن أخدمك؟"
- "استرخِ، لقد فعلتَ كلّ شيء مسبقًا ألم تفعل؟ أعتمد عليك في الأيّام القادمة."
- "سيّدي، بشأنِ القراصنة-"
- "أعلم، لاحظتَ ذلكَ أيضًا صحيح؟ يبدو بحق أنّه سوء فهم !"
سكتت ألِكساندرا لكنّ عينيها نطقتا بالكثير، هؤلاء الأغبياء لم يصلوا أصلًا لدرجة يمكن فيها أن يُلقّبوا أنفسهم بالقراصنة، إنّما مجموعة رجال عاطلين و لم يرتكبو جرمًا قط!
قال ويليام بهدوء
- "سنصل بعد قليل للميناء، و سأجتمع بالمدعوِّ ديڤيد سيچ و أريدك أن تكون حاضرًا ألِكس."
- "عُلِم يا سيّدي. "
.
و فعلًا، بعد ربع ساعة، أرست السّفينةُ في ميناءِ جزيرة شِيلا الجنوبيّة. لم تستطع ألِكساندرا إلّا أن تلحظَ جوًّا عفِنًا فيها، لكنّها التزمت الصّمت ملازِمةً جانب الأمير كما طلب، و كان له أن يجلس في مكتب حاكم الجزيرة شَايْموس تشِسْتر، الّذي لم يبدُ أبدًا أنّه انسانٌ جديرٌ بالثّقة، إنّما الرّياءُ و الواجهات المزركشة هي ما لحِظَتْها و أثارت بنفسها الشّيء الكثير من الرّيبة.
- "سأترككم الآن لما كنتم به سموّكم، خلال دقائق سيأتي الخادم الخاص بمشروبات باردة. "
- "لا حاجةَ لذلك سيّد تشِسْتر، بعد قليل سنخرج نحن إليكم. "
انحنى تشِسْتر بأدب و ابتسامة فارغة و اختفى.
- "إذًا ماذا ترى يا ألِكس؟"
- "هناك شيءٌ عَفِن تحت أقدامنا.. "
توهّجت عينا ويليام و قال بهدوءٍ و شبح ابتسامةٍ يتراقص على ثغره "أصبت. "
- "هل آتيك بالسّيد سيچ الآن سيّدي الأمير؟ "
- "أنتَ حقًّا لستَ صبورًا يا ألِكس! "
جفلت ألِكساندرا لبرهة قبل أن تفتح فاهها لتعتذر لكنّ ويليام قاطعها بهدوء و لطف
- "ليسَ أمرًا سيئًا فالأمر يتطلّب حَزمًا و سرعة لا تقلق عزيزي! فلتأتِني به. "
انحنت ألِكساندرا بسرعة و انصرفت محاولةً منها لإخفاء التوّرد الخفيف على وجنتها.
بقيَ ويليام يبتسم إلى أن أُغلِق الباب، تنحنح فانفتح بابٌ كان وراءه و دلف منه رجُلٌ بندبةٍ خطّت وجهه، عيناه آسيويتا القوام لكنّ أهدابه طويلة، طويل لكنّ بنيته لا بأس بها، و ملامحه تظهر من الحزم و القسوةِ الكثير، زادها سواد شعره الفاحم و عيناه الكحيلتان، انحنى بهدوء قاتل و أدب جم، فتحدث ويليام بنبرةٍ غريبة و هادئة بشكل مخيف
- "هل تفقّدتَّ الأمر آلـَانْ ؟"
هزّ آلَانْ برأسه و قال بصوتٍ عميق لكن هادئ،
- "الأمرُ كما توقّعتَ يا سيّدي، المرأة كانت من هذه الجزيرة و يبدو أنها أُرسلت إليها قسرًا، لا شكّ أنّه كان يكترث لأمرها كثيرًا."
تنهّد ويليام بحزن و ردّد بهمس
- "عليّ أن أفعل شيئًا بخصوص هذه العادات البالية"
ثمّ عاود السّؤال
- "و ماذا بشأن تشِسْتر؟"
- "نحن نعمل على الأمر، إنّه فاسِد لكنّه لا يترك أثرًا وراءه، ما يجعل عملنا أصعب قليلًا. "
- "أقترحُ أن تبدأ من قضيّة القراصنة، فالمرء يهفو عندما يتصرّف وفق ضغينةٍ شخصيّة."
التمعت عينا آلَانْ .
- "على الفورِ يا سيّدي. "
ثمّ انحنى مجدّدًا و انصرف بنفس الهدوء الّذي دخل فيه ، استطاع ويليام أن يلحظ خيال ابتسامةٍ على ثغره فابتسمَ بدوره،
طَرق خفيف
- "تفضّلا".
فتح الباب بهدوء و دخلت ألِكس إلى جوارِ ديڤيد مربوطِ اليدين، و جلس بهدوء أمام المكتب بينما وقفت ألِكس على مقربةٍ من الأمير، الّذي افتتح الحوار قائلًا
- "إذًا ديڤيد، قُلتَ بأنّك لم تسطو على أيّةِ سفينةٍ من قبلُ حقًّا، إنّما باءت جميع محاولاتِك بالفشل، هل هذا صحيح؟"
- "صحيح يا حضرة الأمير، إذا سمحتَ لي أن أعرف لماذا أنا مقيّد هكذا رغم أنني تمّ تجريدي من أسلِحتي أصلًا؟"
- "حتّى أنتبِه إلى السّكين الّتي تحلّ بها وثاقك الآن. "
و قبل أن يتمكّن ديڤيد من فعل أيّ شيء كانت ألِكساندرا قد سحبت منه السّكين و لطمته بوجهٍ خالِ التّعابير، أدار وجهه ليبصق دمًا ثمّ يبتسم ابتسامته السّاخرة و يقول
- "بحقّ الإله يا سادة مالّذي تريدونه من لصٍّ حقير مثلي؟!"
- "أنا من سيطرح الأسئلةَ الآن، كيف أوصلتك الدنيا إلى هذه الحال يا ديڤيد سيچفْريد ؟"
جحظت عينا ديڤيد بصدمة و نظر إلى الأمير برعب ، فتابع بهدوء
- "نعم، أعلم أنّك ابنُ اللّورد النّبيل إدغار سيچفريد، ولا تقلق، لن يمسّ عائلتك سوء فسرّك بأمان، نحنُ لسنا من أتباعِ الدّوق."
كانت ألِكساندرا تراقب المشهد بترقب و خواطرها تعصف بها، السّيد سيچفريد كان من أصدقاء والدها الأقربين، لكنّه لم يكن موجودًا يوم الحفل، ثمّ أجفلها منظره بعد عام إلى جانب الدّوق الذي يمشي بِخَيلاء، لكن بدا واضحًا أنّ اللورد لم يكن كما اعتادت أن تراه، كان جسدًا بلا روح، و اللّيل تحت عينيه وشى به ليعرف من رآه بأنّه لم ينم منذ أيّام..
الآن تدركُ كميّة الشّبه بين ديڤيد و والده، في الملامح والصّفات.
- "لا تجرؤ على الاقترابِ من والدتي!"
قالها ديڤيد ضاربًا بمنصب الأمير أو حتّى الاحترام عرض الحائط، كانت المرارةُ و الحزنُ العميق واضحين في عينيه الخضراوين.
- "فلتهدأ قبل كلّ شيء، أعلم أنّ والدك قد جُرّ جرًّا لأمرٍ لا يُحتَمل في سبيل حمايتِكُما، كما أعلمُ أنّك لم تعد طفلًا حتّى تتمّ حمايتك بل وجب أن تقف الآن و تستعيد مكانتك كابنِ لورد نبيل، و أنا الآن أعطيك هذه الفرصة."
- "مالّذي تحاول الوصول إليه؟"
- "بكلّ بساطة أحاول أن أصل لجذور الفساد لأنتزعها قبل أن تباغِتني و أنا نائم."
- "الدّوق وراء كلّ شيء، و لديه عيون في كلّ مكان! حتّى هنا-"
- "تمهّل، و أخفِض صوتك، تتحدّثُ عن تشِسْتر صحيح؟"
هزّ ديڤيد برأسه
- "انّني أعمل على الأمر رويدًا رويدًا، لن أدعهم يسرحون و يمرحون كيفما أرادوا، لستُ أميرًا لمجرّدِ الزّينة!"
ابتسمت ألِكساندرا ابتسامةً خافتة، مُحاوِلةً ألّا تدعها تتّسِعُ دون سببٍ هكذا.
-

"الأمر يتطلّب منكَ أن تتظاهر بالاستسلام يا ديڤيد، كمن فقد كلّ شيء، وقتها سيقترب هو فيشعر بلذّة انتصارٍ مشوّه، لكنّها خدعة فحسب. صحيح، لماذا لا يكترث أحد لأمرك هنا؟ "
ردّ ديڤيد بتهكّم لاذع
- "و مالّذي تتوقّعه في جزيرةٍ يحكمها فاسد؟ سيّدي، منذ صغري و أنا أعرف أقذح العبارات أتعلم لماذا؟ لقد وصموني و والدتي بالعار و قيل أنّني مشكوك الأصل!"
- "كيف هذا؟ الخاتم مايزال في يدها صحيح؟"
- "و كأنّهم يحاولون البحث عن الحقيقةِ أصلًا، جميعهم أوغاد يسيل لعابهم خلف أيّةِ عملة! حاولتُ أن ألجأ للبحرِ لكنّ جميع من جاؤوا إليّ كانوا على نفس الشاكلة، فصرتُ قرصانًا و ما أنا بقرصان..!"
- "فهمتُ الآن لعبةَ تشِسْتر لكن ما سببه، -غير ولائه المطلق للدوق-؟ "
قال ديڤيد بقرف
- "أَحبّ والدتي ولمّا تمنّعت حاول إجبارها من خلال هذه الأساليب، فانضمّ إليه الأوغاد. "
- "يُلائم ذوق عمّي الدوق تمامًا، ياله من سافل. "
- "هل أنت متأكد بشأن هذه الخطة؟ "
- "بل واثق. "
قالها ويليام بلطف و حزم.

.
.
.
نهاية الفصل الرابع.
آمل أنّ الفصل كان ممتعًا، سأحبّ أن أقرأ التعليقات فيما بعد ✨🌸

في سبيلِ الوطن.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن